Friday, July 22, 2016

التنظيم المهني ومواثيق الشرف الاعلامية- من كتاب أخلاقيات الإعلام للدكتور سليمان صالح


التنظيم المهني ومواثيق الشرف الاعلامية

من كتاب اخلاقيات الاعلام للدكتور سليمان صالح



إعداد وترتيب

نجم العيساوي

التنظيم المهني ومواثيق الشرف الاعلامية

س1: هل يمكن ان يكون العمل في الصحافة ووسائل الاعلام مهنة؟ ناقش الاراء الغربية في هذا الموضوع من خلال استعراض وجهات النظر فيه.



الرؤية الاولى:  وهي ترفض بشكل قاطع تطبيق مفهوم المهنة على الصحافة والاعلام ويتبنى هذه الرؤية الكثير من الهيئات الديمقراطية والاكاديميين..لماذا؟.. يستند اصحاب هذه الرؤية في رفض مفهوم المهنية بالنسبة للصحفيين  على مايلي:



1- ان الصحفيين هم وكلاء الديمقراطية العامة agents of democracy  وانهم هم الذين يوفرون المعلومات للجمهور وانهم حراس المصلحة وعلى ذالك فإن الصحافة لا يمكن ان تكون مجرد مهنة شأنها في ذلك شأن المهن الاخرى.



2- إن الإعلام يقوم على نقل المعلومات  الى الجماهير واتاحة كل الفرص للتعبير الحر عن الرأي والمناقشة الحرة للقضايا والمشكلات المجتمعية ولذلك فقد وعد المجتمع الصحافة بالحرية في مقابل ان تقوم بهذه الوظيفة وعلى ذلك فإن مفهوم المهنية بما يفرضه من قيود على دخول الممارسين لهذه المهنة يقيد حرية التعبير عن الرأي من ناحية ويقلل من   Professionalism قدرة الصحافة على القيام بوظيفتها المجتمعية من ناحية اخرى.



3- اننا نعيش في مجتمع يتسم بالتعددية والصحافة لابد ان تتسم بالتنوع وتعبر عن تنوع المجتمع ومفهوم المهنية بما يتطلبه من فرض معايير يقلل من تنوع.



4 – المهنة هية وظيفة تحتاج الى اجازة للعمل بها مثل اشتراط درجة علمية  او اعتراف من المجتمع وذلك نوعا من الترخيص للعمل في الصحافة وهوة مايتعارض مع الديمقراطية وحرية الرأي وتجد هذه الرؤية الكثير من الادلة على صحتها خاصة في الدول التي اخذت بفكرة التنظيم المهني الواحد واشتراط عضوية هذا التنظيم لممارسة المهنة وهوة ماعرف بفكرة  " closed shop " المتجر المغلق

وفي الولايات المتحدة الامريكية هناك الكثير ممن يعارضون هذه الفكرة وعلى رأسهم جون ميريل – حيث يرون ان مفهوم المهنية يتعارض مع التعديل الاول للدستور الامريكي وان تحول الصحافة الى مهنة يحمل اخطارا كبيرة من اهمها التقليل من فرص التعبير الحر عن الرأي.

ولاشك ان هذه الرؤية تجد الكثير من الشواهد على صحتها من ممارسة بعض التنظيمات المهنية ومتطلباتها الدائمة بإغلاق المهنة على اعضائها.

5- عندما يتحول مجال معين الي مهنة تتغير شخصيته حيث يصبح اكثر نخبوية واقل انفتاحا على الافكار الجديدة ذلك ان اعضاء هذه المهنة يقومون بتوصيف انفسهم طبقا لمجموعة من المعايير وبالتالي يشعرون بالتميز والرغبة في المحافظة على الاوضاع القائمة التي توفر لهم الامتيازات.



6 – يرى ميريل ان تحول الصحافة الي مهنة يعني مجرد اجبار الصحفيين على الانظمام الى منظمة لها احكامها الداخلية ولها معايير للسلوك وان ذلك ناتج من رغبة الصحفيين في الانتماء الى السلطة هرمية وهذا يشكل مشروعية لإعطاء تراخيص للصحفين  لممارسة المهنة وانه لايجوز للصحفي ممارسة المهنة إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك.



7- ان الرغبة في تحويل الصحافة الى مهنة ينبع من الرغبة في الحصول على النفوذ Prestige الذي ينتج عن الانتماء الى مهنة معينة، وذلك يؤدي الى مايطلق عليه الأيديولوجية  الوظيفية وهي تفرض مجموعة من الشروط التي يجب ان يكيف الصحفي نفسه معا.



8 – ان الانتماء الي مهنة يفرض القبول بإمكانية توقيع الجزاءات والعقوبات على اعضاء هذه المهنة من خلال التنظيم المهني وهذا يثير قلق المؤسسات والاعلامية التي ترى ان التنظيمات المهنية تفرض شروطا تتناقض في بعض  الاحيان مع متطلبات العمل الصحفي.

9 – إن مفهوم المهنية تطور نتيجة لتطور ظاهرة التركيز والاحتكار حيث رأى الصحفيون في هذه الظاهرة تهديداً لمستقبلهم وحريتهم وحقهم في العمل لكنهم بدلاً من أن يقاوموا هذه الظاهرة  ويكافحوا من اجل ضمان التعددية والتنوع في وسائل الإعلام ويبحثوا عن افكار جديدة تؤكد حق المجتمع في ضمان التنوع الإعلامي مثل تجمع مجموعات الصحفيين في اشكال تعاونية لإصدار صحف جديدة او انشاء وسائل اعلامية جديدة... الخ، وتقلل من اهمية الصحافة ودورها في المجتمع مثل إغلاق المهنة على اعضاء تنظيم معين.


وعلى ذلك فإالرؤية التي ترفض مفهوم المهنية وأن الصحافة مهنة تقدم أدلة قوية على صحة رؤيتها.



أما الرؤية الثانية : فهي تقوم على ان الصحافة هي بالفعل مهنة ويجب ان تكون كذلك لماذا ؟

1 – ان حق المواطن في الحصول على المعلومات هو حق دستوري وقانوني... لكن أين هو هذا المواطن الذي يمكن ان يقوم بنفسه بالبحث عن المعلومات  ؟ إنه من الصعب أن يمارس الموطن بنفسه وبشكل دائم حقه في البحث عن معلومات والاطلاع على الوثائق والسجلات الحكومية، لذلك فهو يحتاج الى من يقوم نيابة عنه بالحصول على هذه المعلومات، ولاشك أن وسائل الإعلام هي التي تمد الجماهير بشكل دائم بالمعرفة ومن هنا فإن الصحفي يعتبر ممثلا للجماهير في تحقيق حقها في المعرفة، حيث يقوم بالبحث عن هذه المعلومات، وتقصي الحقائق، وتقديمها للجمهور من خلال النشر في صحيفته أو أية وسيلة إعلامية أخرى.

ولذلك فإن حق المواطنين في الحصول على المعلومات يظل حقاً غير قابل للاستمتاع به إذا لم يكن هناك صحفيون مؤهلون يقومون بتغطية الأحداث، والحصول على المعلومات لنشرها أو إذاعتها عبر الوسائل الإعلامية، وبالتالي يتمتع المواطنون بحقهم في الحصول على المعلومات.



2– إن الموارد الإعلامية مهما تضاعفت نتيجة التطورات التقنية في مجال الاتصال والإعلام وثورة المعلومات لايمكن ان تفي بحاجة جميع المواطنين للحصول على معلومات، والتعبير الحر عن الرأي، وإدارة المناقشة الحرة، وعلى ذلك فإن ندرة الموارد الإعلامية تفرض على المجتمع ان يقوم صحفيون يمتلكون مؤهلات وقدرات ومهارات معينة بتلبية حاجة المجتمع للمعلومات، وانه كلما زادت قدراتهم ومؤهلاتهم على القيام بهذا العمل زادت إمكانيات تمتع المواطنين بحقهم في المعرفة، وزادت قدرة المجتمع على إدارة الحوار والماقشة الحرة، وبذلك تتحق حرية الرأي والتعبير.

3 – إن ذلك يفرض ضرورة حصول الصحفيين على مؤهلات معينة للممارست المهنة مثل التعليم والتدريب، وأن ذلك يتم لصالح المجتمع، حيث انه كلما زادت المؤهلات العلمية والتدريبية للصحفيين زادت قدراتهم ومهاراتهم في الحصول على المعلومات، وتغطية الاحداث وإدارة المناقشة الحرة.



4 – إن التنظيم المهني أداة مهمة لتحقيق التنظيم الذاتي الاختياري لمهنة الصحافة، وبالتالي يصبح أداة لتحقيق المسؤولية والاجتماعية للإعلام، من خلال إلزام اعضائه بالقيام بوظيفتهم ودورهم في المجتمع.

من الواضح أن هذه المبررات التي يقدمها المؤيدون لتوصيف العمل في الصحافة و الإعلام بأنه مهنة هي ايضاً مبررات معقولة، وتستند على قراءة صحيحة للواقع.

ومن الواضح ايضاً ان هذه الرؤية قد حظيت بموافقة مهنية منذ أواخر القرن التاسع عشر، وتحديداً في عام 1884 حين انشئت في بريطانيا رابطة الصحفيين ioj،  ثم نشأ بعد ذلك الاتحاد القومي للصحفين في بريطانيا عام 1907 م.

ولذلك فإن المشكلة لم تكن في فكرة التنظيم المهني، أو تكوين روابط مهنية، ولكن الذي أثار رفض الهيئات الديمقراطية هو مطالبة بعض التنظيمات المهنية بإغلاق المهنة على اعضائها، حيث بدأ الاتحاد القومي للصحفيين في بريطانيا في المطالبة بإغلاق مهنة الصحافة على اعضائه منذ عام 1920 وقد عرفت هذه الفكرة منذ ذلك الوقت بفكرة المتجر او الدكان المغلق closed shop لكن الاتحاد القومي للصحفيين لم يجد أحداً يستمع له نتيجة للوعي بخطورة هذه الفكرة على حرية الصحافة وتناقضها مع الديمقراطية.

ثم عادت هذه الفكرة مرة أخرى للظهور عام 1965، حيث بدأ هذا الاتحاد يطالب بحظر استخدام أو توظيف أي صحفي متخرج حديثاً من الجامعة قبل أن يعمل لمدة ثلاث سنوات على الأقل فى إحدى الصحف الإقليمية، ثم زاد الاتحاد من مطالبة حيث أعلن بوضوح مطالبة بحظر نشر أية مساهمات من غير أعضاء الاتحاد في الصحف، وهو مايتناقض مع مبدأ الاستقلال التحريري للصحف.

وفي عام 1973 نظم الاتحاد القومي للصحفيين إضراباً مطالباً بإغلاق مهنة الصحافة  على أعضائه، واصدر ما أطلق عليه الميثاق السلبي الذي نص في أحد بنوده على أن أعضاء الاتحاد لن يتعاونوا مع غير اعضائه.

وقد تبني حزب العمال البريطاني في حملته الانتخابية عام 1974 مطالبة الاتحادات العمالية بإغلاق المهن على أعضائها، وكان من بين ذلك إغلاق مهنة الصحافة على أعضاء الاتحاد القومي للصحفيين، وبعد أن نجح حزب العمال في تشكيل الحكومة عام 1974، قامت الحكومة بتقديم مشروع قانون يتضمن نصاً بإغلاق مهنة الصحافة على أعضاء الاتحاد القومي للصحفيين، وحدث صراع طويل بين اعضاء البرلمان مما أضطر الحكومة إالى سحب مشروع القانون.

ويلاحظ أن هذه الفكرة قد لقيت معارضة واسعة من الكثير من الهيئات الديمقراطية المهتمة بالحريات وحقوق الإنسان، كما عارضها المعهد الدولي للصحفيين، واعتبرها تهديد خطيراً لحرية الصحافة.

وقد ظل الاتحاد القومي للصحفيين في بريطانيا يصر على تنفيذ هذه الفكرة حيث قام بدعوة أعضائه وعددهم 30 ألف صحفي للإضراب لمدة 24 ساعة عام 1977، ثم قام بإضراب ثان في يونيو 1977 في صحف ويستمنستر  برس.

لكن حكومة المحافظين حسمت هذه المشكلة عام 1979 حيث قامت بتعديل قانون الاتحادات العمالية وعلاقات العمل لينص على حرية العامل في الانتماء إلى أي اتحاد يختاره، وحظر طرد أي عامل من مهنته بسبب عدم انتمائه إلى اتحاد معين.

وقد أوضحت المناقشة حول هذه القضية أن تعدد التنظيمات المهنية، وتنوع أهدافها، ووسائل عملها ، يشكل ضمانة مهمة لحقوق الصحفيين، فهذا التعدد يساهم في تحقيق التنافس بينها على الدفاع عن حقوق الصحفيين وحمايتهم، كما أن حرية الانظمام إلى أي تنظيم مهني أو الخروج منه يحمى ضمير الصحفي، ويحول دون تحول التنظيمات المهنية ذاتها إلى أداة للضغط على ضمائر الصحفيين وموافقهم أو إجبارهم على سلوك معين. كما إن حرية الانضمام إلى التنظيمات المهنية يشكل حقاً عاماً للصحفيين.

أما الدول العربية والكثير من الدول الجنوب فإنها أخذت بفكرة وجود تنظيم واحد يعبر عن الصحفيين ويمثلهم، وذلك عن طريق قوانين فرضتها السلطة، ويعتبر قانون نقابة الصحفيين في مصر حالة شاهد على واقع التنظيم المهني للصحفيين في الوطن العربي.

وقد تم  فرض فكرة إغلاق مهنة الصحافة على أعضاء نقابة الصحفيين في مصر بواسطة القانون ولم يكن ذلك نتيجة للصراع بين الصحفيين وملاك الصحف، أو حتى نتيجة لكفاح الحفيين، ولكن السلطة هي التي فرضت هذه الفكرة لأهداف أخرى ليس من بينها حماية حقوق الصحفيين.

وقد بدأ فرض هذه الفكرة في مصر في قانون نقابة الصحفيين رقم 185 لسنة 1955، ثم جاء قانون نقابة الصحفيين رقم 76 لسنة 1970 ليمضي على النهج نفسه حيث حظرت المادة 65 من هذا القانون على أي فرد أن يعمل بالصحافة ما لم يكن اسمه مقيدا في جدول النقابة.

وعلى ذلك فإن هذه الفكرة غير الديمقراطية، والتي تبنتها بعض وتحول الصحافة إلى مهنة على اساس أن اغلاق المهنة على أعضاء تنظيم مهني يؤدي إلى تقييد حرية الصحافة، واجبار الصحفي على الحصول على ترخيص بمزاولة المهنة.

ومن هنا فإن تخلي التنظيمات المهنية عن هذه الفكرة يمكن أن يساهم في التوصل إلى حد كبير في حل لمشكلة علاقة الصحفيين بالمجتمع " كما يمكن أن يساهم في حل مايطلق عليه " أزمة الذاتية identity crisis  بالنسبة للصحافة والتي أصبحت تعاني مثل الكثير من المؤسسات من هذه الازمة.

يضاف إلى ذلك التنظيمات المهنية تحتاج إلى إعادة صياغة ودورها ووظيفتها بالنسبة للصحفيين، وللمجتمع كله. فلكي تحصل هذه التنظيمات المهنية وعلى قبول اجتماعي عام فإنها لابد أن تساهم في ربط الصحافة بالمجتمع، وفي هذه الحالة فإن مبدأ المهنية يمكن أن يتحول إلى وظيفة لها خصائص معينة هي:

1- إن مبدأ المهنية لابد أن يبنى على نظرية تنظيمية، وبحيث يكون التعليم والتدريب هوة البداية الحقيقية للدخول إلى عالم المهنة، ودون الحاجة إلى شروط أخرى، ودون أية محاولة لفرض احتكار العمل الصحفي.

2 – إن الخدمات التي يقدمها المهنيون للمجتمع وللأنفراد لابد أن تبنى على أساس المصلحة الغامة، وهو مايمكن أن يؤدي إلى تصور جديد للعلاقة بين الصحفيين كمهنيين من ناحية والمجتمع من ناحية أخرى.


3 – انه لابد من وجود ميثاق أخلاقي يعبر عن الضمير الأخلاقي للمهنيين، وتساهم التنظيمات المهنية في زيادة التزام الصحفيين بما يتضمنه الميثاق من مبادئ اخلاقية.

س2: علل القول الاتي: ان المواثيق الاخلاقية ضرورة للتنظيمات المهنية؟

ان المواثيق الاخلاقية لاتشكل فقط صياغة للعلاقة بين الصحفيين والمجتمع، لكنها ايضا ضرورة للصحفيين انفسهم ولتنظيماتهم المهنية حيث ان كلمة Ethics جاءت من الكلمة اليونانية Ethos والتي تعني الشخصية character، يضاف إلى ذلك أن المواثيق الأخلاقية يمكن أن تلعب أدواراً مهمة بالنسبة لأية مهنة من اهمها :

1- إن المواثيق الأخلاقية توفير احساساً بالذاتية المهنية  وتشير الى نضج هذه المهنة، وتؤدي الى ان يحصل الذين يمارسون هذه المهنة على اعتراف اجتماعي بأن هذه المهنة تتميز عن غيرها من المهن ولذلك فإنه يتم تنظيمها في شكل رابطة للممارسين، كما أن الممارسين الذين ينتمون إلى هذه الرابطة يشتركون في مهارات خاصة، وأنهم قد حصلو على المعرفة الكافية لممارسة هذه المهنة، ولذلك فإنهم يقدمون ميثاقهم الأخلاقي للمجتمع، ويقومون بتطويره وتحديثه لتطوير الخدمات التي يقدمونها للمجتمع.

2- إن الميثاق الأخلاقي يتيح للجماعة المهنية أن تعرف نفسها، إنه يخبر الممارسين من هم؟ وماذا يجب أن يقومو به ؟ كما أن يتيح إمكانية للنقد الداخلي والإصلاح الداخلي.. إنه أيضاً يعلن للاّخرين من هي هذه الجماعة المهنية ؟ ويحدد الأهداف والقيم والمعايير التي يمكن أن يستخدمها الاّخرون في فهم هذه الجماعة المهنية، وتحديد التوقعات منها، والمناقشة معها وتقييمها وبحيث أية امتيازات يتطلبها القيام بهذه المهنة، والواجبات التي يجب أن تقوم بها.

3 – إن وجود ميثاق أخلاقي هوة علامة صحية على أن هؤلاء الذين يمارسون فناً أو علماً معيناً قد توصلو إلى فهم موحد، ولذلك يتم تشكيل صورة عنهم تتحدد من خلال مايتوقعه منهم الجمهور، ومايتوقعونه من أنفسهم، ولذلك فإن الميثاق الأخلاقي يساهم في توحيد الممارسين الأفراد في شكل رابطة أو مؤسسة متعاونة.

4– إن المواثيق الاخلاقية تساهم في تحقيق الاستقلال المهني أو الحكم الذاتي المهني بتوفير إطار للتنظيم الذاتي، ويوفر إطارا لتنفيذ  لمسؤليتها، وهذا يوفر بدوره أفضل وسائل الدفاع عن حرية الصحافة

5– إن الميثاق الأخلاقي يمكن أن يساهم في تحقيق التضامن بين الصحفيين للدفاع عن حرياتهم وحقوقهم، في مواجهة القوى الخارجية، والمؤسسات الإعلامية التي يعملون بها.

6- إن مفهوم المهنية Professional يمكن أن يلعب دوراً مهماً في التزام الصحفيين بالمواثيق الأخلاقية، ذلك أن المواثيق عادة ماتتضمن مثاليات ideals، ولذالك فإنه من الصعب معاقبة الصحفيين على انتهاكها، أو عدم الالتزام بها،  لكن احترام هذه المثاليات والاحكام النابعة منها يتم تحفيزه وتشجيعه من خلال الإحساس الداخلي للصحفيين بلأنتماء إلى المهنة والحرص على كرامتها وصورتها في أذهان الجمهور.

7 – إن المواثيق الأخلاقية يمكن أن تساهم في زيادة قدرات الصحفيين ومهاراتهم. وهذا يمكن  أن يحسن مستوى الأداء المهني، ويزيد القبول العام لمفهوم المهنية . وعلى ذلك فإن هناك علاقة بين مفهوم المهنية ومفهوم أخلاقيات الإعلام، ولذلك فإن الحافز الأساسي الذي شجع على إصدار مواثيق أخلاقية هو تشجيع الاعتراف بالصحافة كمهنة.



س3: استعرض نشأة المواثيق الاخلاقية للصحافة تأريخياً؟

يرى الكثير من المؤرخين أن اول ميثاق أخلاقي هو ذلك الذي اصدرته رابطة المحررين في ولاية كانساس الامريكية عام 1910، لكن ذلك لايعني تحديد لنشأة مفهوم اخلاقيات الأعلام ، ذلك أن مصطلح الأخلاقيات Ethics ظهر لأول مرة عام 1889 في مقال بعنوان أخلاقيات الصحافة.

لكن هل يمكن الاعتماد على ذلك في تحديد النشأة ؟ قد يكون ذلك هوة بداية التراث المكتوب في مجال أخلاقيات الإعلام، والذي تطور في شكل المواثيق الأخلاقية، لكن اخلاقيات الإعلام مثل أي مهنة أخرى ظلت غير مكتوبة لفترة طويلة من الزمن، ومازالت غير مكتوبة في الكثير من الدول، ولذلك فإن تحديد عام 1889 كبداية لظهور مصطلح أخلاقيات الصحافة أو 1910 كبداية لظهور المواثيق الأخلاقية لايعني تجاهل حقيقة أن الصحفيين خلال القرنيين الثامن عشر والتاسع عشر كانت لهم مجموعة من القيم التقاليد والأخلاقيات.

مع ذلك فإن القرن العشرين قد شهد تطور مفهوم أخلاقيات الإعلام، وتطور المواثيق الأخلاقية، حيث ظهرت مواثيق أخلاقية في السويد عام 1916 وفي فرنسا عام 1918، ثم شهدت عشرينيات القرن العشريين ظهور عدد من المواثيق الأخلاقية في الولايات المتحدة الأمريكية من اهمها ميثاق جمعية رؤساء تحرير الصحف الأمريكية عام 1923، وفي عام 1926 ظهر ميثاق  جمعية الصحفيين المحترفين في أمريكا، ثم توالي بعد ذلك ظهور المواثيق الأخلاقية في الدول الأوربية، ولكن الجيل الأول من المواثيق الذي ظهر خلال النصف الأول من القرن العشرين كان يمثل حلولاً للمشكلات التي ظهرت خلال هذه الفترة وبالتالي لم يكن هذا الجيل من المواثيق قاداراً على مواجهة المشاكل الجديدة التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين خاصة مشكلة التركيز والاحتكار وماخلقته من مشكلات اخلاقية، فقد كانت مواثيق النصف الأول من القرن العشرين مختصرة إالى حد كبير، وتركز على المبادئ العامة.

ولذلك ظهر جيل ثان من المواثيق خلال السبعينات، حيث تزايد الاهتمام بأخلاقيات الصحافة، ولذلك قامت بعض الراوبط المهنية الأمريكية بتحديث مواثيقفها حيث تنبت جمعية الصحفيين المحترمين ميثاقاً جديداً عام 1973، وكذلك قامت جمعية رؤساء تحرير الصحف الامريكية بتحديث ميثاقها، مع ذلك فإن الصحفيين الأمريكيين لم يتوصلو إلى إجماع حقيقي حول موضوع أخلاقيات الاعلام، كما انتشرت فكرة إصدار مواثيق أخلاقية خلال السبعينات في الكثير من الدول لكن هذا الجيل الثاني أيضاً من المواثيق لم يكن قادراً على مواجهة الكثير من المشكلات الأخلاقية التي ظهرت نتيجة للمنافسة الحادة بين الصحافة من ناحية ووسائل الإعلام الأخرى من ناحية أخرى، وتطور تقنيات الاتصال وغير ذلك من العوائل التي أدت الى تزايد المشكلات الأخلاقية.

ثم ظهر جيل جديد من المواثيق خلال التسعينيات، وهو سنركز عليه خلال الدراسة التحليليىة.

 س4: من يقوم بصياغة المواثيق الاخلاقية؟

هناك رؤية يتبناها الكثيرون من الكتاب والصحفيين، ويتبناها أيضا كونجرس الاتحاد الدولي للصحفيين تقوم على أن وضع المعايير الأخلاقية يجب أن يكون مسؤلية الصحفيين وحدهم دون أي تدخل خارجي، وتقوم هذه الرؤية على أن المبادئ الأخلاقية لابد أن تكون نابعة من الصحفيين أنفسهم لكي يستطيعوا الالتزام بها، وانها تعبر عن ضميرهم ولذلك فهم الأقدر على تصور مشكلاتهم وماجهتها، وأن الميثاق الذي يدافع عن معايير مثالية لسلوك الصحفيين، ولايربط هذه المعايير بما يقوم به الصحفيون بالفعل يعتبر غير متعلق باممارسة الفعلية للصحفيين، ومن الصعب أن يؤثر على عملهم، ولذلك فإن الميثاق الاخلاقي الذي يمكن أن يكون أكثر نجاحا في التأثير على سلوك الصحفيين وتحسين أدائهم لابد أن يبدأ من الممارسة الفعلية للصحفيين.

وعلى ذلك فإن الصحفيين أنفسهم هم الأقدار على صياغة المبادئ والاخلاقية التي تنطلق من الممارسة الفعلية لتقدم الحلوا لما يواجه الصحفيون من مشكلات، ولكي يمكن أن توجه القرارات التي يتخذها الصحفيون خلال عملهم لكن رؤية أخرى تقوم على أن معظم المواثيق الأخلاقية التي صدرت حتى الان كتبت بواسطة ممارسين  للمهنة، ومع ذلك فإن التاريخ يدعم الحاجة إلى اجراء تعديل أساسي في تطور المواثيق الأخلاقية، وأنه لابد أن يكون هناك دور للأكاديميين وللجمهور في صياغة المواثيق الأخلاقية.

ويقدم أصحاب هذه الرؤية الكثير من المبررات من اهمها:

1– إن أفراد الجمهور هم المستفيدون الأساسيون من وجود ميثاق أخلاقي يشكل ضمانات لحقوق الجمهور من خلال المبادئ الأخلاقية التي تحكم عمل الصحفيين، وعلى ذلك فإنه لابد أن يكون للجمهور دور في التأثير على تشكيل هذه المبادئ الأخلاقية.

وإن من مصلحة الصحفيين أنفسهم يشارك الجمهور في صياغة المواثيق الأخلاقية وأن يتابع التزام الصحفيين بها، وأن يكون هناك نشاط جماهيري ضد انتهاكات المبادئ الأخلاقية في وسائل الإعلام ولذلك فإن الجمهور لابد أن يكون على وعي بأخلاقيات الإعلام، وكلما زاد وعي الجمهور بهذه الأخلاقيات فإنه يمكن أن يساعد على تدعيم الأخلاقيات الصحفية ويرى كاسوما: إن المجتمع يحصل على الصحفيين الذين يستحقهم، لذلك فإن الصحفيين الأفارقة كثيراً مايكونون غير أخلاقيين لأن الجمهور لم يفعل شيئاً في مواجهة سلوكهم غير الأخلاقي، ويظل أفراد الجمهور صامتيين إما برضائهم أو بسبب ظروف خارجة عن إرادتهم.

ولذلك فإنه لكي يتم التزام الصحفيين بأخلاقيات الإعلام فإنه لابد أن يكون هناك وعي عام بهذه الأخلاقيات وأن يدافع الناس عن حقوقهم عندما تتعرض هذه الحقوق للانتهاكات بسبب السلوك غير الأخلاقي للصحفيين.

وإذا كان الوعي العام ضرورة للالتزامات بالمبادئ  الأخلاقية، فأنه لابد من التسليم بضرورة اشتراك الجمهور أو ممثلين لهم في صياغة المبادئ الأخلاقية للصحافة، ولا ينفرد بصياغتها الصحفيون أنفسهم.

يضاف إلى ذلك أن من اهم أهداف المواثيق الأخلاقية ضمان قيام علاقة متوازية وصحية بين وسائل الإعلام والجمهور ولذلك فإنه لابد من مشاكة الجمهور في صياغة المواثيق الأخلاقية.

كما إن المواثيق الأخلاقية يجب أن تخرج من حالة التركيز على المبادئ الأخلاقية المهنية لتستوعب المبادئ الأخلاقية المجتمعية، وبذلك الأخلاقية المهنية لتستوعب المبادئ الأخلاقية المجتمعية، وبذلك يمكن أن تكون أداة لقيام علاقة جديدة بين وسائل الإعلام والمجتمع، وحساسية وسائل والإعلام لاحتياجات المجتمع وقيمه، ومنظومته الأخلاقية.

2 – أما بالنسبة للأكاديميين فإن هناك من يرى أنه من الضروري أن يكون لهم دور في صياغة المبادئ الأخلاقية لوسائل الإعلام، ذلك أن المواثيق الأخلاقية ليست مجرد أحكام على الصحفي أن يتبعها، لكنه تشتمل على مبادئ تتعلق بما هو صحيح وما هو خطأ في السلوك الأنساني، وهي مبادئ لابد أن تكون مستندة على اساس نظرية معقولة، أو أن تكون نتاجاً لنظريات علمية، وأن يتم استنتاج هذه المبادئ الأخلاقية من التجارب الإنسانية.

يضاف إلى ذلك أن المواثيق الأخلاقية لابد أن يسبق إصدارها دراسات علمية للقيم المجتمعية والثزابت التي يقوم عليها المجتمع، وعلاقة وسائل الإعلام بالمجتمع، والمنظور الثقافي للمجتمع والذي يمكن أن يؤثر على تشكيل المواثيق الأخلاقية، وبدون ذلك فإن المواثيق الأخلاقية يمكن أن تصبح عملية استنتاج من مواثيق أخرى، تم تطويرها في دول أخرى، وهو مايمكن أن نلاحظ بوضوح في المواثيق الأخلاقية الحالية، وكيف تم تشكيل هذه المواثيق طبقاً للرؤية الغربية.

كما أنه لكي تصبح الأخلاقيات جزءاً من حياة الصحفي فإنه لابد  أن يتم تعليم الاخلاقيات في الجامعات ويرى جاليمور أن هؤلاء الذين يقومون بتدريس الصحافة داخل الجامعات عليهم مسؤلية في تطوير أخلاقيات الإعلام حيث انهم يجب أن يقومو بالدعوة الى الخطاب الاخلاقي Ethical discourse  في وسائل الإعلام وفي المجتمع، وأن يقومو بمناقشة حية لأخلاقيات المهنة.

وهكذا فإن مشاركة الجمهور والأكاديميين في صياغة المواثيق الأخلاقية يمكن أن يزيد ثراء هذه المواثيق وعمقها، ويزيد قدرتها على مناقشة مشكلات المجتمع واستيعاب قيمة وأخلاقياته.


كما أنه يمكن أن يزيد التفاعل بين الإعلاميين والجمهور، ويعطي شعوراًللجمهور بأن الصحفيين يلتزمون بما يريد لهم ن يلتزمو به من مبادئ أخلاقية.

س5: كيف تتم صياغة المواثيق الاخلاقية؟

هناك الكثير من المشكلات التي تثور بالنسبة لصياغة المواثيق الأخلاقية، والسمة الغالبة على المواثيق الأخلاقية أنها تأتي في شكلين رئيسيين.

   الشكل الأول : هو أن يتضمن الميثاق مجموعة من المبادئ المثالية Ideals   التي تطمح الجماعة المهنية إلى تحقيقها، وهذا الشكل يهدف إلى تقديم الجماعة المهنية إلى المجتمع، والتعريف  بأهدافها، وتتسم صياغة المبادئ بالعمومية، حيث تتميز بأنها إعلانات مبادئ واسعة، ولاتتضمن هذه المواثيق أية عقوبات يمكن أن يتعرض لها الإعلامي الذي ينتهك هذه المبادئ.

وهناك الكثير من الشكوك التي تثور حول القيمة الفعلية لهذه اللمواثيق، وتأثيرها على سلوك الصحفيين وقراراتهم.

مع ذلك فإن الصياغة بطريقة المبادئ العامة تصبح ضرورة بالنسبة لبعض المبادئ خاصة تلك تتناول الأخلاقيات المتعلقة بالوظائف والدور.

والمشكلة في هذه الاسلوب أنه يجعل أحكام المواثيق واسعة جداً  لدرجة أنها لاتحدد مقاييس لإرشادات واقعية تختلف من حالة إلى أخرى، وكذلك فإن الذين يكتبون أحكام المواثيق، وأولئك الذين يفسرونها، وأولئك الذين يطبقونها يواجهون مشكلة عامة هي أنهم لايعرفون أين يقفون.

أما الشكل الثاني: فإنه يقوم على مجموعة من المعايير والاحكام Standards and rules والتي يكون على الإعلامي أن يطبقها، وهي معايير أكثر تفصيلاً ويمكن أن توفر إرشادات للإعلامي خلال قيامه بعمله، واتخاذه  للقرارات، كما أنها يمكن أن تشكل المضمون الذي تقدمه الوسيلة الإعلامية، وبعض المواثيق التي تتبع هذا الأسلوب تفرض نوعاً من العقوبات على انتهاك بعض ماتتضمنه من احكام وهذا النوع من النوع الصياغة يمكن  أن يصلح بشكل أكبر لمواثيق الوسائل الإعلامية نفسها، ويعتبر الميثاق الذي أصدرته لجنة معايير الإذاعة البريطانية، والميثاق الذي أصدره مجلس الصحافة الألماني من افضل النماذج لهذا النوع من الصياغة.

لكن معظم تكون خليطاً من الشكليسن السابقين، وترى لجنة مارجعة الأخلاقيات في رابطة الصحفيين الأستراليين أن الشكل المعقول لتصميم الميثاق الأخلاقي يكون على النحو التالي:

1- أن يبدأ بمجموعة المبادئ المثالية التي تسعى الجماعة المهنية إالى تحقيقها، وهذا يعني تحديد ماتهدف الصحافة إلى تحقيقه.

2 – القيم التي تستند عليها المعايير أو الأحكام، وذلك كوسيلة تعليمية ، للإعلاميين، وللمساعدة في حل المشكلات التي تواجههم.

3 – تحديد المعايير التي على الصحفي أن يتبعها.

4 – الاعتراف بأن القيم التي يتضمنها الميثاق يمكن أن تتصادم أحياناً، ويعطي الميثاق التوجيهات التي يجب على الصحفي أن يتبعها في حالة التعارض بين قيمتين أو أكثر من القيم التي يتضمنها الميثاق.

هناك مشكلة أخرى في صياغة المواثيق الأخلاقية هية إن معظم المواثيق تصاغ بطريقة سلبية بمعنى أنها تحض على امتناع الصحفي عن القيام بأي عمل غير اخلاقي، ولذلك فقد أصبحت بنود المواثيق عبارة عن قائمة من المحضورات الغامضة البعيدة عن الواقع، وأن المواثيق تركز على المنع والحظر والنفي (لاتفعل)

لذلك فقد ظهرت رؤية تقوم على رفض صياغة المواثيق بهذا الاسلوب، حيث أنه من المهم أن يؤكد الميثاق على ضرورة قيام الصحفي بأداء عدد من الواجبات أو الالتزامات مثل التركيز على الاخبار المهمة ولذلك فإن المواثيق لابد أن تشجع الصحفيين على القيام بعمل معين لتحسين تغطيتهم للأحداث.

كما أن الصياغة بالطريقة السلبية التي تحض الصحفيين على عدم الفعل قد تؤدي إالى تجنب الصحفيين القيام بسلوك غير اخلاقي، لكن الطريقة الايجابية التي تحض الصحفيين على الفعل تشجع الصحفيين على القيام بالسلوك الأخلاقي، وقد يقال إن الامرين وجهان لعملة واحدة... لكن ذلك ليس صحيحاً تماماً، فعبارة " لاتكذب " لاتعني بالضرورة عبارة " أنشر الحقيقة " ذلك أن الكذب يمكن تجنبه عن طريق الصمت أو الغموض أو تغيير الموضوع، ولذلك فإن الحض على عدم الكذب ليس مبدأ أخلاقياً كافياً في الحياة العامة أو في الصحافة، فالصحيفة يمكن أن تصمت عندما تظهر معلومات تضر بالقضية التي تؤيدها.

إن الميثاق الأخلاقي لكي يكون مؤثراً في صياغة العلاقة بين وسائل الإعلام والمجتمع لايجب أن يكون أيضاً قائمة من افعل ولاتفعل، لكنه يجب أن يكون منظومة من الارشادات التي تساعد الصحفي على الالتزام بالمسؤلية الصحيفية، وأن يشعر أنه مسؤل نحو مهنته وجمهوره.

كما أن الطريقة الإيجابية وحدها والتي تحض الصحفيين على القيام بأفعال معينة ليست بدون مشاكل فعلى سبيل المثال عندما يحض الميثاق الصحفي على الإخبار بالحقيقة... فإن الحقائق كثيرة ولاتنتهي ولابد من أن تتم عملية اختيار للمعلومات التي تتقدم للجماهير وعملية الاختيار هذه لابد أن تكون عادلة ومتوازنة ولكن أين هي الخطوط الفاصلة؟.

ولذلك فإن صياغة المواثيق تحتاج إلى رؤية جديدة أكثر جرأة، وقدرة على أن تستوعب معطيات الواقع وقيم المجتمع وحاجاته، وحاجات الصحفيين وكيفية تطبيقهم لمبادئ الميثاق واحكامه ومعايير.



س6: مامدى تاثير المواثيق الاخلاقية على سلوك الصحافيين؟

ولكن هل للمواثيق الأخلاقية تأثير حقيقي على القرارات التي تبين مدى تأثير المواثيق الأخلاقية على العمل الصحفي، ولكن هناك عدد من استطلاعات الرأي العام التي اوضحت مايلي:

1 – إن معظم الصحفيين الأمريكيين يرون أن هناك أهمية للمواثيق الأخلاقية، حيث أجرى فيليب ماير استطلاعاً عام 1983 على عينة من الصحفيين الأمريكيين، وكانت  النتيجة الأساسية لهذا الاستطلاع أن ثلث الصحفيين الأمريكيين يعتقدون أنه من الضروري أن يكون هناك ميثاق أخلاقي مكتوب لكل صحيفة حتى يمكن الرجوع إليه في حالة وجود مشكلات أخلاقية وان المواثيق الاخلاقية تؤثر على عمل الصحفيين وتدعم المسؤولية الاجتماعية للصحافة.

2 – بينت دراسة أخرى أجريت باستخدام أسلوب الاستبيان الذي تم إرساله بالبريد إلى 165 رئيس تحرير أو مدير تحرير أن المسؤولين عن التحرير في الصحف الأمريكية يهتمون بتوزيع نسخ من المواثيق الأخلاقية على الصحفيين الذين يعملون في صحفهم، ويحرصون على عدم انتهاك ماتتضمنه هذه المواثيق من مبادئ أخلاقية.

3 – أوضحت دراسة ثالثة تمت أيضاً بأستخدام أسلوب الاستبيان على 226 رئيس تحرير أن الصحف التي لديها مواثيق أخلاقية خاصة تكون ملتزمة بشكل أكبر بعدم أنتهاك المبادئ الأخلاقية.

4 – أجرى بوينك دراسة إستخدام فيها الإستبيان على 29 صحيفة يومية، وأسلوب الملاحضة بالنسبة لثلاث  صحف، ومن خلال هذه الدراسة تم استنتاج ثلاثة نماذج لعملية اتخاذ القرار في القضايا الأخلاقية على النحو التالي:

النموذج الاول:  ويقوم على أن إدارة التحرير تثق في الصحفيين الأفراد، ةتترك لهم حرية اتخاذ القرار، وبالتالي فإن القرار الأخلاقي هوة مسؤلية فردية.. ونادراً ماتتم مناقشة الأخلأقيات في اجتماعيات هيئة التحرير، أو بين الصحفيين داخل المؤسسة.

النموذج الثاني:  وتقوم فيه الصحيفة بتطوير مبادئ أخلاقية مكتوبة في شكل ميثاق، ولكن من النادر أن يقرأها الصحفيون أو يستخدموها، ومع ذلك فإن هذه الصحيفة ترى أن التزامها بالأخلاقيات هو التزام مؤسسي institutional وليس فقط مسؤولية فردية، وانه في هذه المؤسسات  تكون هناك ثقافة أخلاقية Ethical culture ترجع بشكل أساسي إلى اهتمام الناشر بالمعايير المؤسسية.

النموذج الثالث: وتقوم فيه الصحيفة بتطوير معاييرها المهنية بطريقتيين: الأولى: وتتم من أعلى إالى أسفل من خلال المواثيق الأخلاقية والثانية: وتتم من اسفل إلى أعلى عبر تشكيل مجموعة من السوابق المفصلة، وتشكيل سياسة أخلاقية للمؤسسة.

مع ذلك أوضحت هذه الدراسة أن 17% فقط من الصحفيين يشعرون أن الميثاق الأخلاقي مهم في تطوير أفكارهم حول ماهوصواب وما هوة خطأ، الأخبار بالصحف، حيث أن الحالات أو المشاكل المثارة في العمل اليومي كثيراً ماتتحدى المبادئ الاخلاقية المكتوبة.

هناك دراسات اخرى اوضحت أن تأثير المواثيق الأخلاقية قليل، زأنها ليست أكثر من أدوات للعلاقات العامة، وأنه نادراً مايقرا صحفي ميثاق الشرف، ولذلك يرى ميريل: أن امتلاك ميثاق أخلاقي لتعليقه على الحائط يصبح شيئاً بلا معنى أما إذا كان هذا الميثاق سوف يدخل داخل الصحفي ويوجه أعماله، فإنه يصبح شيئاً له قيمة.

لكن البعض يرون أن نتائج الدراسات التي أوضحت عدم قراءة الصحفيين للمواثيق الأخلاقية لايقلل من قيمتها، فمعظم المواطنين الأمريكيين لم يقرأوا الدستور الأمريكي، لكن لايمكن إنكار تأثيره على الثقافة  الأمريكية.

مع ذلك ذلك فإنه لايمكن لاتسليم بهذا الرأي ذلك أننا لانحتاج للميثاق لكي نستمتع بأننا نمتلك ميثاقاً أو نعلن هذا الميثاق للجمهور، ولكن الميثاق لابد أن يكون له تأثير على قرارات النشر، وعلى عمل الصحفيين، ولذلك فإن القضية لاتكمن فقط في أن يكون الصحفيون على معرفة كافية بالميثاق، كما طالب بذلك 96% من مدراء التحرير ومدراء الأخبار في الصحف ومحطات التليفزيون الأمريكية، لكن هذه المواثيق لابد أن تدخل في عقول الصحفيين لتشكيل أساساً لثقافة صحفية أخلاقية، وأن تدخل داخل صالات التحرير لتشكيل عمل الصحفيين وقراراتهم وأن تدخل داخل مناقشات الهيئات التحريرية.

وهناك الكثير من الكتاب الذين يرون أن هذه المواثيق الأخلاقية ليس لها تأثير، تأثيرها سيظل محدوداً نتيجة لأنها لها أنياب بمعنى أن الصحفي الذي لا يلتزم بهذه المواثيق لايعترض لأي نوع من العقوبات، وعلى ذلك يعتقد أصحاب هذه الرؤية أن مواثيق السلوك التي يفرضها الصحفيون الأفراد على أنفسهم بشكل اختياري طوعي يمكن أن تؤدي إلى نتائج أفضل، ذلك أن الصحفيين كثيراً ما يواجهون مواقف أخلاقية لابد من التعامل معها بشكل يختلف من حالة الى اخرى.

يضاف  الى ذلك انه قد انتشرت ممارسة أخرى في الصحف الامريكية يرى البعض أنها أكثر فعالية من المواثيق الأخلاقية وهي استخدام المذكرات الاخلاقية التي يقوم رؤساء التحرير بتوزيعها على الصحفيين العاملين في صحفهم بالإضافة إلى السيمانارات التي تعتقد داخل الصحف لمناقشة القضايا الاخلاقية وهي الممارسة المعروفه بأخلاقيات المذكرات والاجتماعات  Memo-and-meeting ethics  وهذا المصطلح يعني إرسال مذكرات إلى الصحفيين توضح الإرشادات الأخلاقية، ومناقشة القضايا الأخلاقية في اجتماعات عامة للصحفيين.

ولاشك أن هذه وسائل جيدة لتنمية أخلاقيات الإعلام وتطويرها، وتشكيل الثقافة الأخلاقية داخل الموؤسسات الإعلامية لكنها لايمكن أن تكون بديلاً للمواثيق الأخلاقية العامة التي تصدرها المنظمات المهنية أو المؤسسات العلامية، كما أنه لايمكن التسليم بإمكانية أن يتبنى كل صحفي بنفسه ميثاقاً أخلاقياً خاصاً يطبقه على نفسه، فهذا لايشكل أخلاقيات عامة للإعلام، ولا يوفر أرضية مشتركة يعمل عليها الإعلاميون بشكل عام أو داخل كل مؤسسة ولذلك فإن هناك حاجة للمواثيق الأخلاقية، ولكن هناك أيضا حاجة أكبر لثاقافة عامة دخل المؤسسات الإعلامية، تصبح فيها المواثيق الأخلاقية ذات تأثير أكبر على عملية اتخاذ القرارات التحريرية.  

No comments:

Post a Comment