Thursday, March 5, 2015

الاعلام المصري.. وأزمة النظام

الاعلام المصري.. وأزمة النظام
نجم العيساوي[i]
=======================
لايمكن بحالٍ الوقوف على صورة الاعلام المصري البعدية او الحالية دون أن نقدم بين يدي ذلك وصفاً أولياً عما كانت عليه قبل ذلك.

ان المتتبع لصورة الاعلام المصري قبل الثورة يجده لايعدو أحد صورتين؛ صورة الاعلام الذي ينطق بهوى الحاكم وبطولاته واظهار أن ابتسامة الحاكم لشعبه تعدل معجزة من معجزات الانبياء، وان ابناء الحاكم وحاشيته فيهم من الورع والتقوى مايفوق ورع وتقوى حواري الانبياء وصحابتهم.
والصورة الاخرى تمثل الفن بكل تفاصيله التي يوجد فيها جانب من الخير لكن الشياطين تعشعش في تفاصيلها فهو اعلام يركز على امتاع الجمهور بمشاهد النكتة والفكاهة تارة، والفروسية والمطاردة تارة اخرى، والاعم الاغلب في الصورة هو استغلال المراة في الجانب السيء كسباً للمال والشهرة، وتدميراً لما يتجلجل في صدور الناس من قيم واداب.


وحتى لانوصف بالمبالغة نستثني من تعميمنا بعض المنتجات هنا وهناك لاتتجاوز اصابع الكف؛ كانت تعنى بالجانب التنموي والاصلاح الاجتماعي.. اذ كان الاعلام –ايجازاً- كما هو في اغلب البلدان المستقرة رهن الحاكم والتاجر وحسب.

أمّا بعد الثورات والانقلابات:
بعد الثورة المصرية انقسمت وسائل الاعلام المصرية الى وسائل ذات توجهات مختلفة ومتباينة وذلك بسبب حالة الاستقطاب السياسي والدولي وبدأت من ذلك الحين مواجهات اعلامية بين وسائل الاعلام كلٌ حسب توجهه..
ومن ابرز المشاهد الملفتة للانتباه هو عودة وسائل اعلام النظام القديم لتروج للاخفاقات والمشاكل التي تعتري تشكيلة النظام الجديد لتؤكد من خلال منتجاتها ميولها ورغباتها ان تبقى بوقاً يردد صدى الحاكمين اكثر منها صوتاً يعبر عن حقيقة او صورة للواقع الجديد..

ومن ناحية اخرى، صُنّعت برامج جديدة لتؤدي من خلالها بعض وسائل الاعلام والفضائيات خاصة منها دوراً غريباً ومشبوهاً في تأجيج النزاعات والسجالات واثارة الفتن ونشر الكراهية في منحى خطير جعل مصر ام الدنيا على كف عفريت فإما يلتهمها او يلقي بها في بحر من الصراعات ولجج من الخلافات كانت مصر في غنى عنها لولا ترسانة الاعلام الظالمة والتي سهّلت مخططات الغرباء في قطع الطريق على التغيير الديمقراطي والسلمي..

ولعل من ابرز الاسباب التي تكمن وراء هذا الانحدار الشديد لسلوكيات الاعلام المصري هو غياب الحس الوطني في القائمين على هذه الوسائل ووقوعهم في حبائل المال الحرام الذي غذوا به من الجهات التي تعشق ان يحكم مصر فراعنة غلاظ شداد على شعب مصر، متميعين متنازلين لصفعات الصهيونية ومخططاتها..

لقد كان المؤمل للاعلام المصري –استنادا الى الصورة النمطية- ان يسهم في بناء الراي العام بناءاً ايجابياً ويتجنب الاشتراك في مهزلة تديرها الهيمنة الغربية على بلادنا العربية، لكنه تجاوز كل مواثيق الشرف الاعلامي بل حتى الانساني.. وصدق من قال ان من الضمائر ماتشترى بالمال، وفعلا فقد خاب الامل وخاب المؤمل.


الحريات الاعلامية:
ان تقرير مرصد الحريات الاعلامية التابع لمؤسسة عالم جديد للتنمية وحقوق الانسان- احدى جمعيات العمل الاهلي في مصر قد رصد عدداً من الكوارث الاعلامية في التعامل مع مايجري في مصر، منها عدم لجوء الصحف قومية او مستقلة للتدقيق في المعلومات وتوثيقها والاعتماد على شهود عيان، وعد توفير معلومات كافية تساعد القاريء على تكوين رؤية واضحة وسليمة عن الاحداث.

ومما اشتهر في الاعلام المصري الارتجال في كل شيء الامر الذي اسهم بشكل كبير في اضطراب الجمهور تبعاً لاضطراب وسائل الاعلام، خاصة ان لوسائل الاعلام دورا كبيرا في تحديد اولويات الجمهور حسب نظرية ترتيب الاولويات، بل صار الامر ادق من ذلك بكثير فصوت واحدٌ في الاعلام قادر اليوم على ان يهزّ الملايين سلبا او ايجابا.

ان الاعلام المصري قد استغل مواضع القوة في الشعب المصري ليحيلها بالحيلة والخداع الى مواضع ضعف وهدم، فألب التنوع الفكري والثقافي ليصوره اشبه بموقد نارٍ كثر نافخيه، واهمل الدور الحقيقي في تبن اجندة وطنية واضحة جامعة لتوعية المواطنين، ولا اصفه بأقل من انه اساء الى شعبه من خلال لعب دور الهزل والمسخرة والتمثيل تارة او التاجيج والاثارة والتهريج تارة اخرى، فهو يرتكب الخطايا عن عمد وقصد مع سبق الاصرار والترصد.

وبالتالي فان الاعلام المصري ساهم في نشر الخوف والذعر وزعزعة الامن العام ولعب على اوتار ماكنا نعهد منه ذلك لكنها تغيرات المواقف وتبدل لحن الوطنية بسلم النفعية وجعل من جمهوره باكيا حزينا.

واليوم يمكننا القول ان الاعلام المصري فقد مصداقيته يوم اصرّ على عد ايصال الحقيقة بل وتشويهها ومجاراة الانظمة كيفما تكون؛ فاشية او نازية، دكتاتورية او طائفية، مما جعل أم الدنيا – مصر – اشبه بدولة الاقطاعيين؛ نبلاء وعبيد.

وياليت نصحي ينفع فانصح ان يعود الاعلام المصري الى ضميره، وان يعمل جاهدا على الانتصار لارادة شعبه وعدم الخوض مع الخائضين حتى لايلقى مصير الهالكين.






[i] كاتب واعلامي عراقي [najmaleessawi97@gmail.com]

لعبة الاعلام وحرب المصطلحات

لعبة الاعلام وحرب المصطلحات..
نجم العيساوي[*]
========================
ان الاعلام - كما هو معلوم - تجاوز وظيفة نقل الاخبار وتقديم الدراما، ومتابعة الاحداث، الى صنع الخبر والحدث ورعايته، واكثر من ذلك مشاركته في صنع القرارات الدولية في قيام الحروب او الانقلابات والثورات وزعزعة الامن، في اشارة واضحة الى الاندماج الواضح والصريح -ولو بشكل غير معلن- بين المنظومة الاعلامية مع المنظومة السياسية الدولية.

إن وسائل الاعلام اليوم تخوض حرباً عالمية ليس بالنيابة كما يقال، وانما هي حرب بالاصالة، ومع سبق الاصرار، تستخدم فيها شتى اساليب الحرب الكلامية والصورية، وممارسة الاغتيال الاعلامي، متجاوزة بذلك تناول الالات العسكرية مباشرة وبيدها الى دفع وكلائها او ضحاياها للقيام بهذه المهمة على الارض لتبقى هي راعية الحرب من خلال الفضاء الاعلامي ومن خلال استخدام الكذب الصراح والتدليس والمبالغة والتأجيج واساليب اخرى مستغلة تنوع الشعوب وتعدد الجنسيات وتباين الطوائف ملهبة الثارات والنزاعات، لتصنع حروبا بين الناس بلا مبرر انساني سوى الطغيان العولمي وروح التوسع والاستعباد.

ان الحرب الاعلامية تعتبر اليوم من أشد الاسلحة فتكاً بالناس وهي إن لم تبدُ نتائجها بصورة فورية لكنها لن تتأخر كثيراً وان بدأت سيكون الصراع وخيماً وشديداً بلا هوادة، خصوصا ان الاعلام الدولي يؤمن بمبدأ " زرع الفكرة بصورة بسيطة لتنمو وتكبر بشكل طبيعي"، لاسيما ان وسائل الاعلام الراعية للارهاب وللحروب ستبقى تؤجج من نار الحرب المستعرة حتى يهلك الابرياء ويحترق الاخضر واليابس، لتترك ارض المعركة هشيما تذروه الرياح، والناس بين فقيد او جريح، او عاجز عن الكلام والصياح، وبعدئذ ستدخل مجاميع نهب الثروات وتقاسم السلطات وستمثل وسائل الاعلام تلك دور رجل الانقاذ ليرش الماء على الرماد، ويضع الضحايا في الاكياس، ويظهر بصورة المتفضل في دفن الموت بعد سحقهم.

ان وسائل الاعلام تقف وراءها مصانع كبيرة وورش ضخمة تصمم هيكل الحروب وترسم خطوات اثارتها وتضع خريطة تناولها مقرونة بسقوف زمنية محددة، وموزعة لمهام اطرافا ورافد دعمها واسنادها، لتشرع وسائل الاعلام بتنفيذ هذه الاجندات والتصاميم بطريقة حرفية ومنهجية من خلال برامجها وحواراتها ومضامين اخبارها، وبهذا تقوم وسائل الاعلام المجندة بدور كبير في الخطوات الاستباقية للحروب لتمهد لها اسلوب المواجهة وتهيئة اطراف النزاع وترشيح ارض الصراع وموطن اللقاء، لتكتمل الخطوة الاولى بالاعداد و"صناعة العدو" والتحشيد ضده أمام الراي العام، لتتلوها الخطوة السياسية في قرار التوقيت وبدء المواجهات واشتعال حرب جديدة وهكذا..

حرب المصطلحات:
ومن الاساليب السياسية والاعلامية الجديدة في الحرب على الاخرين هو استعمال مصطلحات وعبارات تأجيجية أو ترويجية أو تشويهية أو تمهيدية كخطوة من خطوات مسيرة تنفيذ اجندة معينة، والاعلام هنا يقع عليه الجزء الاكبر في اشاعة هذه المصطلحات وترويجها بطريقة يُخيل للجمهور أنها مصطلحات حقيقية ناتجة من فعل سابق، لكن الحقيقة هي صناعة جديدة يشترك فيها اباطرة الاعلام والسياسة ودهاقنة الحرب، وهي اساليب لا أخلاقية اعتاد عليها من يسلك سبيل انتهاك الحقوق والحريات والهيمنة اللامشروعة في ظل اندماج أو خضوع بلاد العالم الثالث للسيطرة الغربية او الشرقية وغياب وحدة الهدف الانساني تحت سطوة التفرق والتشتت التي تعاني منها دول العالم الثالث خاصة، والانقياد السياسي والامني والاقتصادي لسطوة المارد الراسمالي بعد الاشتراكي.
ومن ابرز المصطلحات التي استخدمها الاعلام الغربي الراسمالي والشرقي الاشتراكي ونقر على اوتارها هي: [الحرب القذرة – الارهاب – تهديد الامن العالمي- التمييز العنصري- التمييز الطائفي – الاغلبية – الاقلية- المناطق المتنازع عليها- التطبيع- التطرف- الفكر التكفيري – العنف-... الخ ]
هذه المصطلحات وغيرها استعملها الاعلام وسخرها القوي ضد الضعيف، والصقها بكل من يحاول رفع الظلم عن نفسه، ووصل الامر الى أن من يدافع عن نفسه ولو بكلمة، يجد وسائل الاعلام قد تهيأت واستعدت للنزال والقت حمم براكينها الكاذبة لتزعم ان هذا ارهابي متطرف يؤمن بالعنف ويلغي الاخر ويمارس التمييز الطائفي والعرقي، ومع كل هذا الجهد الاعلامي المضلل لن تجد من اعلام اخر يمكن ان ينصره او يقول الحقيقة، الا حروفا تقال على استحياء ووجل، وان قيلت فهناك من يعلن الحرب على وسائل الاعلام تلك.

الاعلام والسياسة قرينان:
كما قلنا فان الاعلام اليوم قرين السياسة ولايكتفي بمتابعة الحدث بل يصنعه، ولهذا تجد بلاد العالم الثالث تغص بتنظيمات مسلحة او سياسية تولد بين لحظة واخرى، وتولد قوية مدعومة تمارس البطش والقوة ضد ابناء جلدتها، وهذا لاشك يدخل ضمن القدرات العالمية للهيمنة والسيطرة وتحقيق الاجندات بطريقة الحرب بالوكالة، وهنا ايضا يبرز دور الاعلام في الترويج لهذه التنظيمات حتى اذا ما انشغل الناس في مواجهة هذه التنظيمات او التهرب منها، كانت هناك صناعة جديدة لتنظيم اخر او شخصية اخرى، لتبقى الشعوب المستهدفة رهينة المستجدات تجرع سم الصمت أو نار الحرب، فهي بين المطرقة السندان.
ومن اساليب حرب المصطلحات ايضا هو الترويج وممارسة ارهاب الصحة النفسية، وقد حدث ان تم اشاعة مصطلحات لبعض الامراض والفايروسات المفترضة والصاقها بشخصيات او دول من اجل اشاعة الفوضى وممارسة التضليل لتمرير صفقات معينة تحت جنح ليل الضغط النفسي الذي يتولد نتيجة اشاعة تلك المصطلحات او تسخيرها لارهاب الناس ومن هذه المصطلحات التي تم استغلالها او صناعتها لذلك الغرض: [الجمرة الخبيثة – انفلونزا البقر – انفلونزا الطيور – فايروس الكورونا... الخ.].
وهذ يدعونا أن نحاول فهم اللعبة لعبة الاعلام والسياسة، وان كنت ازعم أن اللعبة كبيرة جدا بدأ الغزل عليها من سنين طوال دخلت فيها منظومات ودول واموال وشبكات اقتصادية وبالتالي فمن الصعب الوصول الى جميع خيوط اللعبة وفهم غزلها او تفكيكه، لكن ما لايمكن انكاره ان هناك لعبة قذرة يمارسها الاعلام العالمي ضد دول العالم الثالث وان المصطلحات التي يتعامل بها هي اما مصطلحات موجودة في كل شعوب الارض يستغلها الاعلام في تأجيج الفتن والحروب والمصالح الخاصة، أو أنها مستحدثة من صنيعته ليضرب بها دولا آمنة ويستنفر كل مواطن الخلاف البشري او الطائفي او العرقي ليشعل حرباً يخسر فيها جميع الاطراف الا من اشعلها.
واليوم لابد أن تنتبه شعوب العالم الثالث الى الاعلام الموجه سلبا اليهم لاشغالهم والى ضرب وحدة بلادهم ولحمة مجتمعاتهم، وبقدر ما يجب ان يتمتع به نظام الحكم في اي دولة بنوع من الدبلوماسية والعلاقات العامة الدولية الا انه يجب أن لايبقى خاضعا للهيمنة الغربية بطريقة الاستسلام الكامل، فهي سياسة ستأتي عليه كما أتت على غيره من قبل، ولا أمان على الثور الاسود بعد أن قضي على الثور الابيض.
وعند الحديث عن شعوب العالم العربي تجد أن الاعلام الغربي خاصة قد جند نفسه وامكاناته لاجل ابقاء هذه الدول وشعوبها رهن اشارة المنظومة الغربية ان حرباً فحرب أو سلماً فسلم، أو ربما إن سلماً فاستسلام، لذا تجد اغلب وسائل الاعلام الغربية – وبعض وسائل الاعلام العربية في المركب الغربي ذاته- تتناول مواطن التنوع في شعوب هذه الدول كأنها غابات تحترق أو انها تسونامي المحيطات، وتظهر اي خلاف في الراي على انه خلاف طائفي، وبالطبع فانه مهيأة لذلك جندها الطائفيين الذين سيحيلون اختلاف الراي حقيقة الى خلاف طائفي حقيقي، فكلا اليدين تعملان بالتكامل والتنسيق فيدٌ ترصد ويدٌ تدعم وتساند وتجند، وهذا ماجرى في اغلب بلادنا العربية واستطاعت المنظومة الاعلامية  ان تحشد لذلك وتنجح في اثارة الحروب والفرقة واضعاف هذه الدول واستسلامها للدول "الكبرى".
يضاف الى ذلك الجهد الاعلامي العربي نفسه، والذي ينقسم الى إعلام تابع يعبر عن أجندة سياسية ضيقة وضيقة جداً، أو إعلامٍ مدجن ومذاب في سوْرة ونشاط  الحركة الاعلامية العامة، أو إعلام ضعيف أو مسخر لاستعراض ماخف من الطرب والفنون، وقليل ذلك الاعلام الذي يتناول قضايا الامة بروح سامية واساليب هادفة.
ويتنامى الخطر اكثر عندما تردد وسائل الاعلام العربي المصطلحات ذاتها التي صنعها الاعلام السياسي الغربي وسخرها لخدمة الاجندات السياسية التي تروم التوسع والاستعمار والاستعباد واثارة الحروب في العالم الثالث، وتبدو بعض وسائل الاعلام العربية منتشية عندما تردد تلك المصطلحات تحسب أنها في اكتشاف جديد او اختراع اعلامي مبهر، وتستجيب من حيث تعلم او لاتعلم الى رغبة الاجندة السياسية واهداف واضعيها، وتكون بذلك قد اختصرت الجهد والوقت ووفرت عناء ترويجها وتكاليف اعلاناتها واقناع رجال الصحافة ومؤسساتهم.
من آثار المصطلحات المصنعة:
ان للمصطلحات المصنعة في ورش التصميم السياسي والاعلامي ودهاليز التخطيط والهيمنة تأثيراً بالغاً على ذهنية المتلقي للرسائل الاعلامية والتي غالباً ما يتم تكرارها بصورة مكثفة وبطريقة مخططة ومدروسة حتى يصدق ما لايُصدق، ويتحول بعض المتلقين الى ابواق تروج تلك المصطلحات، وتبني عليها الشائعات، وبعض الانظمة تقنن لها القوانين حتى لو لم تتضمن روح القيمة او السلوك الذي يحتاج الى تقنين، لكنها استجابة تحدث بصورة مقصودة في اغلبها خاصة من الجهات المستفيدة، واحيانا بصورة عفوية من قبل عموم المتلقين لكنها تؤدي الى النتيجة ذاتها، فتلحق ضرراً بالغاً بأمن الناس وحقوقهم واستقرارهم وولائهم لاوطانهم، وتسع الفجوة بين الحاكم والمحكوم وبين المتنفذين والجمهور، وبين فئة واخرى، ويقف عندها المجتمع على كف عفريت يفقد بوصلته وقدرة السيطرة على مجريات الامور، وتخرج من يده سلطة القرار والاستقرار.




[*] كاتب واعلامي عراقي [najmaleessawi97@gmail.com]

الحضــــارة... جامعة ومعهد

الحضــــارة... جامعة ومعهد
نجم العيساوي
==========================
http://www.alamatonline.net/load_files/pics/1357119989.jpgفي البدء، فليس من قبيل الحصر الاصطلاحي كان العنوان وانما للمدى اللغوي الممتد ليشمل كل معاهد العلوم ومدارس الفكر وجامعات المعارف والتقنيات، وكذلك مراكز التعليم الاساس وحتى مادون ذلك.
لمن يقرأ التاريخ ويستنطق الدنيا لن يجد حضارة قامت على وجه البسيطة الا وكان ركنها الركين العلم والعلماء، وما من أمة انتكست او حضارة هلكت الا بسبب لفحات الجهل والسير بتبعية وتقليد وراء الجاهلين واقزام العقول والافكار.
واخرى ابوح بها، انه مامن حضارة تقوم في امة الا ويسود شعبها ويعلو شأنها وتزاحم الامم وتقف بمصاف الاقطاب الحاكمة وليست المحكومة، وبالجانب الاخر ان تقهقر الامة من قمم الحضارة لايعود بها الى تبعية وحسب بل الى جهل مطبق لان روافد الاشراق تتوقف بفعل فاعل وخضوع مفعول أو رضاه.
وقد استطاع العرب المسلمون ان يجعلوا من الاندلس انموذجا حضاريا حقيقيا ليس في الجانب العمراني وحده بل ان اول مابدأوا به هو بناء الانسان المعرفي والفكري والثقافي، فكانت حضارة الاندلس ملأى بمعاهد العلم ومدارس الثقافة والمعرفة، الى جنب ذلك برزت نتاجات العقول الفكرية والهندسية لتبقى بعض ملامحها الى اليوم شاهدة ان العرب كانوا بناة حضارة ودعاة سلام وانهم لازالوا يمتلكون كل عناصر النهوض والبناء وقيام الحضارات .
وقد تأسست في كثير من المدن الكبرى في الأندلس معاهد عليا يمكن مقارنتها بجامعاتنا في العصر الحاضر، وان أقدم الجامعات الأوربية وهي أوكسفورد وكمبريدج وباريز وبادوفا لم تؤسس إلا في العقود الأولى من القرن الثالث عشر أي بعد الجامعات العربية بعدة قرون .
وفي أوائل القرن الخامس الهجري وانبهاراً بالحضارة التي اقامها المسلمون في الاندلس أرسل جورج الثاني ملك إنجلترا ابنة أخيه الأميرة "دوبانت "، على رأس بعثة من ثمان عشرة فتاة، من بنات الأمراء والأعيان، وأرسل معهم كتابا إلى الخليفة هشام الثالث آخر الخلفاء الأمويين بالأندلس جاء في الكتاب بعد الديباجة: " وقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم، والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل، لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة، وقد أرسلنا ابنة شقيقتنا الأميرة " دوبانت " على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش، والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وحماية الحاشية الكريمة، وحدب من لدن اللواتي سيتوفرن على تعليمهن، وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها، مع التعظيم والحب الخالص من خادمكم المطيع: جورج.
وقد ردّ الخليفة هشام الثالث على ملك إنجلترا برسالة جاء فيها: " لقد اطلعت على التماسكم فوافقت- بعد استشارة من يعنيهم الأمر- على طلبكم وعليه فإننا نعلمكم بأنه سينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي.
أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابلة أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية وهى من صنع أبنائنا، هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي للتدليل على اتفاقنا ومحبتنا والسلام- خليفة رسول اللّه على ديار الأندلس: هشام.
هذا عندما كانت جامعاتنا ومعاهدنا عامرة، واليوم لاشك ان المهمة الملقاة على الجامعات هي مهمة النهوض بالامة واعادة بناء الحضارة المشرقة التي تفيض على الناس خيرا وسلاما وعلما ومعرفة بدل من حضارات مشوهة قامت على العلم دون الاخلاق لتملاه حروبا وصراعات، فالحضارة التي ننشدها من معاهد العلم عندنا هي حضارة الأمّة التي اجتمعت معها مناسب المجد وأرومات الفخر، حضارة الارتقاء بالانسان فكرا وسلوكا، حضارة تقوم على الاحترام والتقدير، حضارة تعمل على تعزيز التعايش الانساني دون الهيمنة السلطوية التي لم تقدم للبشرية الا الدمار.
عليه ان الدور المقدس والذي يكمن في جامعات ومعاهد العلم ينبغي ان لايطمس ويلغى، لان الغاءه يعني ضياع بوصلة الغاية الحقيقية التي وجدت من اجلها وبالتالي انحراف المسيرة او الانصهار في قوالب جاهزة مما يعني ستظل هذه الامة تدور في فلك دائري بلا ثمرة، وهذا ليس هو المرجو من الحرم الجامعي بقدر مانصبوا اليه وهو ان تاخذ الجامعات زمام المبادرة لتقدم للعالم نماذج مجتمعية ومؤسسات تستحق وبكل جدارة ان نقول عنها انها مجتمعات ومؤسسات حضارية.
هكذا كنا وكانت بنا الهممُ           تثور بجَنباتنا كأنّها حِممُ




السلطة الرابعة .. المال أم الإعلام

السلطة الرابعة
المـــــال أم الاعـــــــــلام  ..
نجم العيساوي[*]
========================
أن أساس أي نظام ديمقراطي في العالم وجود سلطات ثلاث ومستقلة وهي؛ التشريعية والقضائية والتنفيذية، وقد تموضع الاعلام من حيث التأثير كسلطة رابعة بعد السلطات الثلاث ذلك لما تقوم به وسائل الاعلام من أدوار كبيرة في التغيير والضغط والرقابة والمتابعة وكشف المستور وفضح الفاعلين واللاعبين على الساحة السياسية والاقتصادية بطريقة جعلت من الاعلام سلطة تُخشى، وقد ساعد على ذلك القانون العالمي لحرية التعبير والصحافة والاعلان العالمي لحقوق الانسان، وكذلك اسهمت الممارسات الديمقرطية بصورة عامة في تعزيز هذه السلطة ودورها الفاعل في الحياة الاجتماعية والسياسية على حد سواء.
  ويمارس الاعلام وظيفة اظهار البعيد قريباً والقريب بعيداً، اضافة الى تحجيم الكبير وتكبير الصغير، أكثر مما تفعل السلطات الثلاث من الناحية الفعلية، فالاعلام اليوم بإمكانه أن يقرب بين شرائح المجتمع ويمد جسور المودة بين المتخاصمين ويمهد للصلح بين المتنازعين ويحقق الانسجام بين الخصوم السياسيين الى حد ما، لكن في الوقت نفسه يمكن لهذا الاعلام أن يوتر العلاقات بين المنسجمين ويشتت جهود المتفقين ويدخل البغضاء في عقود المتعاقدين ويصنع شروخاً في العلاقات الاجتماعية والسياسية، فيفكك المجتمع ويؤجج الصراعات والنزاعات.
فما الذي يجعل وسائل الاعلام تحذو بهذا المنحى دون ذاك؟ هل هي طبيعة الاعلام ذاته؟ أم هي طبيعة المال والتاثير السياسي على وسائل الاعلام؟
المال الاعلامي.. بين الحاجة والتأثير
لاشك أن لكل وسيلة اعلامية هدفها واجندتها، والتي تسعى الى تحقيقها بكل الامكانات التي تتوفر بين يديها، وبكل السبل التي تتتيح لها الوصول الى تلك الاهداف.
فمن وسائل الاعلام ما تولد ويولد معها المال من خلال توفير الدعم لها من واضع اجندتها وصانع سياساتها، فيكون الممول لها أو المسؤول عن ذلك؛ إما المالك الحقيقي، أو من يمثله، او الجهة الحكومية التي ترعى هذه الوسيلة لما ترى انها ستحقق هدفا من اهدافها او تروج لبرنامجها وسياستها.
وهناك وسائل اعلام اخرى ولدت ولادة قيصرية – اذا صح التعبير – اذ لم يتم دراسة او تهيئة سبل الدعم والاسناد المالي لها، لكنها ولدت لحاجة مؤقتة أو رغبة تنافسية مستعجلة على مدخر من مال لدى مطلق الوسيلة الاعلامية، وهذا يكثر  اوقات الازمات والفوضى الاجتماعية والسياسية والعسكرية.
كما ان هناك وسائل اعلامية تنطلق الى الفضاء بعد دراسة ملية وجهد مدروس وخريطة مخطط لها، واهداف مرسومة بدقة وعناية، فهي تعرف لماذا ومتى تبدأ ومتى تسرع الخطى، وتعرف مصادر دعمها وكيفية الحصول على الدعم المشروع، سواء من خلال طبيعة عملها الاعلاني أو من خلال تبنيها لمشاريع مجتمعية تجد من يرعاها يقيناً.
وقليل هي تلك الوسائل الاعلامية التي تخرج الى العالم دون أن يكون وراءها جهد مالي او سياسي، والتي ان وجدت ستكون ضعيفة لاتعد عند الحساب، ولاتفتقد عند الغياب.
وفي وسط هذا الخضم سيكون هناك إعلام تحكمه شريعة الغاب، والذي يدين بمنطق الابتزاز والمساومة مقابل الحصول على مكاسب مالية او سياسية، وهي ممارسات تقوم بها بعض وسائل الاعلام التي خطت لنفسها أن تكون إما أداة ضغط وابتزاز في اصل تكوينها أو وجدت ذلك سبيلاً للحصول على المال والاستمرار ولو بطريقة تخرق مواثيق الشرف الانساني فضلا عن الشرف الاعلامي.
اذا من يحدد نفوذ أو قوة سلطة الاعلام؟ الهدف أم المال؟
ان المال عصب حياة الاعلام، وهو الوقود الرئيس الذي يزود ماكنة الاعلام بالقدرة على الاستمرار والتجديد، والمنافسة لاسيما في عالم الاعلام السريع والمنطلق بقوة نحو الابداع والتجديد والاقناع وجذب الجمهور.
ان للمال الراسمالي الفضائي دوره الكبير في الضغط على الساحة الاعلامية عموماً وعلى الساحة الاعلامية العربية خصوصاً في فرض اصطفافات معينة  قد تقترب او تماثل بعض الاجندات الاعلامية لبعض الوسائل أو انها مغايرة تماماً وهنا يأتي دور الترويض المالي والذي غالبا مايأتي متدرجاً لينطلق بعدها بسرعة عالية،
فالمال اذا هو أحد أهم العناصر التي تؤسس عليها الوسائل الاعلامية، وسيكون أحد أهداف تلك الوسيلة هو ديمومة الحصول على المال، لاستمرار العمل وضمان التواصل مع الجمهور، والمضي في عرض الاجندة السياسية او الاجتماعية التي تحملها وسيلة الاعلام تلك، ومن خلال الاستقراء وجدنا أن معظم الوسائل الاعلامية تعمد الى بعض الاساليب الخاصة بطبيعتها للحصول على المال وضمان ديمومة العمل فيها..




وسائل الاتصال والمال الاعلامي:
-         الاعلانات والدعايات والترويج:
في تعريف الجمعية الأمريكية للتسويق، الإعلان هو: "مختلف الأنشطة التى تؤدى إلى نشر أو إذاعة الرسائل الإعلانية المرئية أو المسموعة على الجمهور لغرض حثه على شراء سلع أو خدمات، أو من أجل التقبل الطيب لأفكار أشخاص أو منشآت معلن عنها".
اما الدعاية فيقصد بها: " النشاط الذى يؤدى الى التأثير فى عقيدة (تفكير) الجمهور، سواء لجعله يؤمن بفكرة أو مبدأ معين، أو من أجل صرفه عن فكرة أو مبدأ يؤمن بها, ولها وسائل متعددة منها: الإعلان, الإعلام, الخطب والأحاديث والمناقشات, تنظيم الاجتماعات, عقد المؤتمرات والندوات, تأليف الكتب والقصص, ترويج الاشاعات....إلخ".
ومهما يكن فان مايعنينا هو المعنى الشامل، وهذه جميعها تعتبر من مصادر جلب المال لوسائل الاعلام، حيث تقوم بعمل الدعاية والترويج والاعلانات لصالح مؤسسة او حزب او جهة رسمية او غير رسمية مقابل مبالغ يتم الاتفاق عليها.

-         التدريب الانتاج (معاهد وشركات)
وبعض وسائل الاعلام تضيف الى جانب مهمتها في الخبر والدراما قيامها باداء مهمة التدريب الاعلامي او الانتاج الاعلامي من خلال معاهد او شركات مسجلة باسم وسيلة الاعلام او تحت عنوان اخر.
-         الرعايات
المقصود بالرعايات هو تبني برنامج من برامج الوسيلة الاعلامية من قبل جهة او شخص ما، يخدم هذا البرنامج او الفقرة الاعلامية هدف الراعي سواء كان الهدف سياسيا او تجاريا او اجتماعيا او توعوياً عاما. أو ان تقوم بعض الجهات بتوفير بعض المواد الاعلامية من حسابها لعرضها في هذه الوسيلة او تلك لغرض تحقيق مصلحة ما.
-         الدعم الرسالي والهدايا والمكافآت:
نقصد بالدعم الرسالي هو الدعم المقدم من قبل جهة او شخص ما يؤمن برسالة الوسيلة الاعلامية ويتبناها، ويجد ان دعمها يحقق له ما يسعى هو لتحقيقه، ويفتح لها ابواب الدعم الاخرى ويغمرها بهداياه، واحياناً يقدم المكافات للعاملين فيها خاصة باوقات الاعياد والمناسبات.
-         الدعم الاعتيادي (من المالك)
اما الدعم الاعتيادي فيقصد به مايقدمه المالك والمؤسس لوسيلة الاعلام، او ما يستحصله من خلال علاقاته او مكانته وغالبا مايكون شبه التزام شهري او  سنوي.
-         المساومة والابتزاز
وهناك اسلوب تعمد اليه بعض الوسائل الاعلامية تخترق فيه جميع المنظومات الاخلاقية الانسانية والاعلامية وهو اسلوب المساومات وعقد الصفقات الترويجية الدعائية مقابل مناصب سياسية او مكاسب مالية بغير وجه حق، وغالبا ماتستخدم الوسيلة الاعلامية هذا الاسلوب من خلال قيامها بدور جماعة الضغط او اللوبي "اللاخلاقي" بغية تحقيق اجندة عادة ماتكون على حساب مصالح الجمهور الاعظم من الناس.
وفي حالة اخفاق اي صفقة "ابتزاز" من هذا النوع تقول وسيلة الاعلام بالتنكيل بالطرف الاخر مستخدمة ابشع اساليب التشويه والتضليل والتشهير، ونشر الغسيل او التلويح باستخدام ملفات مخبأة لهذا الغرض.. ولاشك ان هذا من أرخص اساليب الحصول على المال الاعلامي.


-         تجار الحروب:
وهناك وسيلة اخرى لجلب المال الاعلامي وهي استغلال تجار الحروب ودعاتها للوسائل الاعلامية وتسخيرها طوعا او كراهية لاهدافها واغراضها الحربية، فتصبح بوقاً يدعو الى تاجيج الحرب، او يداً تنقر على وتر النزاعات، او وقودا وحطباً للفتنة فكلما خبت نارها نفثت فيها وزادت اوارها.

وفي الختام لابد من التاكيد أن الارضية الفاسدة والعقول الفاسدة والاخلاق الفاسدة والمال الفاسد لايبني الا اعلاماً فاسدأ، وان الارضية الصالحة والعقول الواعية والاخلاق الحسنة والمال الصالح يبني اعلاما صالحاً وصحيحاً وبنّاءاً.



[*] كاتب واعلامي عراقي [najmaleessawi97@gmail.com]

تناقض الخطاب الاعلامي

تناقض الخطاب الاعلامي
نجم العيساوي[i]
=======================
تمتاز الشخصية الانسانية بحب الغلبة والذات والحصول على المكاسب واسترضاء من بيده سلطان أو جاه، وهذه صفات ملازمة لطبيعة الانسان وان اختلفت فبقدر نسبي من انسان لانسان او من مجتمع لاخر، ويعود ذلك الاختلاف النسبي الى القدرات الذهنية التي أودعها الله تعالى الانسان، لكن قسطاً كبيراً من مظاهر هذه الصفات يمكن ان نرجعها الى النظام الاجتماعي القائم في ذلك المجتمع والاطر القيمية التي تتوارث فيه من خلال المنهجية الاجتماعية او السياسية التي تحكمه وينقاد لها الناس طوعاً أو كرهاً.

ويعتبر الحديث أو المقال الصحفي المطبوع من أهم ادوات التعبير الاعلامي عن الذات او الجماعة وغالباً ماتتصف الاحاديث الصحفية او المقالات بأنها اقرب الى التعبير عما يرغب الانسان بالتعبير عنه لتوفر الاستقرار الذي يسبق البوح، او التفكر قبل الادلاء بالحقائق، فهي تختلف عن الحديث الاعلامي المباشر او الاجابات الارتجالية لأي انسان وفي اي موقع، لكن الحديث المباشر هو اكثر وسيلة يمكن ان تأخذ منها الحقيقة بدون رتوش، لانها تعبر عما هو موجود فعلاً في ذهن الانسان ساعة الحديث، وليس له أن يتهيأ كثيرا ليغير الحقيقة او يزيف التصريح، ولطالما استفاد الصحفيون من الاحاديث المباشرة والارتجالية من الاخر في الحصول على حقائق وارقام وقرارات ما كان لهم أن يحصلو عليها بطلب كتابة المقال او تزويد المتحدث بالاسئلة مسبقاً.

على أية حال، فان اكثر الشخصيات التي تقع في التناقض الاعلامي هي الشخصيات السياسية سواء كانت برلمانية او حكومية او حتى شخصيات مستقلة خارج البرلمان والحكومات. وهذا يفسر بطبيعة النظام السياسي الموجود واليات تبادل السلطة ونوع العلاقات الدولية التي تحكم سياسة البلد مع العالم، ومهنية الجزء التنفيذي في النظام السياسي الحكومي ومدى رضا الناس عن الجانب التشريعي والخدمي فيه، حيث يكون في كل جزء من هذا النظام مؤيد ومعارض، وسيكون هناك ايضا من هو نفعي ومصلحي، أو حتى مبتديء في اللعبة السياسية لايدري اين يقف ولايعرف اين هو يقف، عليه فخطاب هؤلاء جميعا سيختلف تبعا لذلك، يضاف الى ذلك الخلفية الفكرية السياسية ومهارة التعبير عن البرامج والاهداف للشخص او الجهة السياسية، وضغوط الصفقات والوعود السياسية الخارجية او الداخلية، فيخرج الخطاب الى الفضاء الاعلامي بأوزان مختلفة ومتباينة وفي احيان كثير متناقضة.

أنواع الخطاب الاعلامي:
الخطاب السياسي: وهو الخطاب الذي يتضمن التعبير عن القيم السياسية المفترضة ويصف طبيعة العلاقات الداخلية للمنظومة السياسية في البلد عموماً وغالبا مايقوم بهذا الخطاب شخصية سياسية، ويهدف بطبيعته النظرية الى تحقيق مصالح عامة.

الخطاب الحزبي: وهو نفس الخطاب السياسي الا انه يتضمن التعبير عن القيم السياسية لحزب ما، ويصف طبيعة العلاقات الحزبية والتنظيمية لذلك الحزب، ويهدف الى مكاسب حزبية ومصالح محددة.

الخطاب الفكري: وهو الخطاب الذي يتم التعبير فيه عن القيم الفكرية الجامعة ويتصف بكونه يحاكي المنطق والعقل وهو خطاب تفسيري يستخدم منهج التحليل الكمي والكيفي في الاقناع، وغالبا مايكون هذا الخطاب هو خطاب لاهداف تثقيفية او توعوية او سياسية لغرض الترويج لفكرة او توضيحها وتفسيرها.

الخطاب العقائدي او الديني: هو الخطاب الذي يتضمن افكارا عقائدية وحقائق ايمانية اعتقادية يتبنى هذا الخطاب دعاة الاديان والافكار الشمولية ويهدف هذا الخطاب الى التبشير او التعليم او التذكير او الترويج لفكرة او حقيقة دينية او عقائدية عامة لغرض تبنيها او الايمان بها. ومن ذلك الخطابات الدينية التي تدعو الى الايمان بشيء والكفر بشيء اخر وبشكل واضح وصريح.

الخطاب الاجتماعي: يتضمن هذا الخطاب قيما مجتمعية واخلاقية عامة ويدعو الى مباديء مشتركة للبيئة التي يوجه لها الخطاب، او مشتركات انسانية عامة يمكن ان يتفق عليها المجتمع الانسان بصورة عامة لانها تنطلق من حقائق انسانية شاملة لاتتحدد بمجتمع او نظام معين، كالدعوة الى الفضيلة والاحترام.

الخطاب الرسمي: وهو الخطاب الموجه من جهة رسمية سواء كانت تشريعية او قضائية او حكومية او أممية الى جمهور الناس بغية وصف حالة سياسية او تشريعية او قضائية او حكومية معينة لوضع الناس بصورة مايحدث وتحقيق التواصل معهمن وغالبا ما تكون هذه الخطابات في المناسبات السياسية او الازمات او الانفراجات المحلية او الدولية.

الخطاب الجماهيري: وهو الخطاب الذي يقوم به شخص ما او جهة ما رسمية او غير رسمية حكومية او غير حكومية ويستهدف الجمهور الخاص المؤيد او الجمهور العام بغية اعلامه او اقناعه وغالبا ما يتم من خلال وسيلة اعلام جماهيرية كالتلفزيون والاذاعة او الميادين والساحات العامة التي يتجمع فيها الناس بلا محددات.

تناقض الخطاب:

دائما يقال ان الانسان عدو مايجهل، ثم ما ان يالف شيئا حتى يصاحبه بشكل من الاشكال، وكثير من تلك الامور التي كان يتردد انسان ما الاقتراب منها تراه بعد فترى يخوض فيها، وهذه طبيعة اجتماعية مقترنة بعلم الانسان او جهله، حبه او بغضه، ايمانه او انكاره، ومن ذلك يتعدد خطاب الانسان حتى انه ليقع في بعض الاحيان بالتناقض في الخطاب لوجود اصول راسخة في ذهنية الانسان لم تتزعزع بعد تعبر هذه الاصول عن قيم او اخلاق معينة التحقت بها بعدئذ جملة مستجدات تبدو لاول وهلة انها متناقضة وقد تكون فعلا كذلك، فهنا يبدأ الصراع الخطابي خاصة لمن لم يعرك الحياة الجديدة بعد ولم يمتهن المهارات الكافية لتوظيف المستجدات لخدمة الاصول او العكس.

أسباب التناقض في الخطاب الاعلامي:
-         الضعف السياسي
حيث يكون القائم بالخطاب ضعيف الفقه السياسي ولايملك أرضية أو تجربة سياسية تمكنه من مواكبة التغيرات التي تشهدها الساحة السياسية على المستوى الحكومي او التشريعي فتصبح بضاعته قليلة ولايقوى على مواكبة المستجدات والتعبير عنها بحذاقة ولباقة وفطنة. أو ان البيئة التي يمثلها لازالت تخوض جولات الحوار والتفاوض مع الاطراف الاخرى ولم يجتمع الرأي على قرار ما، فالتصريح والخطاب اثناء مخاض الاتفاقات السياسية غالباً مايعتريه التناقض والتردد وعدم وضوح أول الكلام من آخره.

-         ضعف المهارة
وبعض التناقض يأتي من عدم تمكن المتحدث من مهارات الحديث والخطاب فلايبدأ البداية الصحيحة وبالتالي ينتهي نهاية خاطئة، او انه يبدأ بشكل صحيح لكن الحديث يستدرجه بصورة عاطفية الى البوح بامور ليس له ان يبوح بها او أنه يستعجل الامور لضعف ملكته في التحكم بحديثه.

-         ضعف القناعة:
وقد يكون المتحدث غير مقتنع تماما بما يقول او بما يمثله، وبالتالي يقع في تناقض القول بين مايؤمن به وما يطلب منه ان يقال خصوصا عند تمثيل جهة او شخص ما، وسبب عدم القناعة اما لعدم صحة المضمون او لعدم بلوغ المتحدث الى قناعة كاملة بما يجب ان يقول، ولاسباب منها تتعلق بقدراته الذهنية او بالغموض الذي قد يحيط بقضية ما ولم يحط بها خبرا.

-         ضعف المبدأ:
واحيانا يكون ضعف المبدا وبطلانه هو السبب في تناقض الخطاب، وهذا يكون عندما يؤمن المتحدث ان المبدأ الذي الزم به باطل وفيه مخالفة واضحة ويحمل التناقض في أصله، فهنا يحدث التناقض في الخطاب الاعلامي ويبدو اكثر حينما يكون المتحدث شخصية ذات استقلالية فكرية او منهجية معينة، فيلجأ الى هدم ما بدأه، وربما يبدأ اصلا بغير الصورة التي طلب منه الخطاب بشأنها.

-        
-       اشغال الرأي العام:
وهذا وان كان قليلا الحدوث لضعف المهارات فيه غالباً، فانه يحدث أن يتعمد بعض المتحدثين او الناطقين بذكر حقائق او اقرارات متناقضة بهدف اثارة الراي العام واشغال الجمهور العام والخاص بتحليلات التناقض وكشف اسباب ومبررات ذلك، وقد يجد ذلك من بعض الجهات دعماً خطابياً تحليليا خصاة من قبل بعض وسائل الاعلام التابعة لذلك الطرف والقاء هذه الكرة في ساحة الجمهور لينشغل بها زمناً أو لغرض تمرير شيء ما خلال ذهول الناس في التحليلات والتبريرات .


وسائل الاعلام والتناقض الخبري:
ويكثر في وسائل الاعلام نقل وبث الاخبار المثيرة خاصة اذا كانت تحقق سبقاً صحفيا أو اعلامياً ومتوافقة مع اجندتها وأهدافها. وفي بعض الاحيان تعمد وسائل الاعلام الى نقل خبر دون أن تتاكد منه لمجرد أنه سيحدث صدى في اوساط الجمهور، ثم تعتذر عنه اذا تبين خطأ المصدر أو عدم صحة المضمون، لكن هذا لايلغي بعض الاثار التي سيخلفها نشر الخبر الاول، وبالتالي فان كثرة هذه التناقضات تدلل إما على سياسة خلط الاوراق وصناعة صورة ذهنية معينة، أو هو تخبط اعلامي وغالبا ما تخشى وسائل الاعلام ان تقع في ذلك وتتجنب الضعف الاعلامي خشية ان تفقد جمهورها ومتابعيها.

وهكذا تشهد الحياة السياسية والاعلامية تناقضات متعددة في الخطاب مرد ذلك الى اسباب مختلفة جزء منها يعود الى طبيعة الشخصية وجزء اخر يعود الى طبيعة البيئة السياسية التي يقدم فيها الخطاب السياسي او الاعلامي.







[i] كاتب واعلامي عراقي [najmaleessawi97@gmail.com]