Wednesday, November 4, 2020

الانتخابات الأمريكية 2020 Donald Trump or Joe Biden- US Elections


تمثل الانتخابات الأمريكية حدثاً مهماً على مستوى العالم، وشغلاً شاغلاً لجميع الأنظمة السياسية وذلك لانعكاسات تلك الانتخابات على العلاقات الاقتصادية أو السياسية والأمنية، وحتى الاجتماعية لدول العالم، لماذا تنعكس الانتخابات الأمريكية على دول العالم بهذا الحجم؟ هل هو انعكاس حقيقي؟ أم أنه بروباغاندا متلازمة للأداء الإعلامي للسياسة الأمريكية؟ أم أنه تخوف حقيقي من القادم المجهول فيما اذا وصل سدة الرئاسة الأمريكية شخصية جمهورية أو ديمقراطية لم يعتد العالم على التعامل معها؟

في ضوء المعطيات التاريخية والتجارب السياسية التي نعرفها عن أمريكا يظهر جلياً أن أمريكا - ومعظم الدول المتقدمة- فيها الانتخابات حالة ديمقراطية يتم فيها مبادلة الأدوار وتغيير الوجوه - مع ثبات العمل المؤسسي والاستراتيجيات التي تنبثق عن تلك المؤسسات، وما دور الرئيس إلا أشبه بشخص مكلف بإدارة تلك العلاقات الدولية والتحدث بصوت عال بسياسة تلك الدولة، ومخاطبة جمهورها والجمهور الخارجي.

هذا يؤكد أن كرسي الرئاسة وظيفة تسويقية وعلاقاتية أكثر منها حالة تتعلق بالنظام برمته، ولهذا تجد في أغلب تلك الدول المتقدمة ثباتاً في المؤسسات والسياسات، وتجديداً في العلاقات والشخصيات، وتجد كذلك تنافسا سياسيا محدوداً بمعنى محدودية الأحزاب السياسية المتنافسة، بل أن السياسة المؤسسية يصعب معها إن لم يكن مستحيلاً أن تنبثق أحزاب أخرى تتنافس سياسيا.. بل تظل الحال هكذا ممارسة ديمقراطية حقيقية لكنها في حدود مرسومة، أفضل لهم - حسبما أعتقد-  من ممارسة سياسة منفتحة تضيع معها مؤسسات الدولة باقتصادها وأمنها، وتخضع معها مكانة الدولة لكاريزما شخص مسؤول.


فماذا نتوقع من الانتخابات الأمريكية 2020 فوز ترامب أو بادين، في الحقيقة الأمر لايهم إلا المجتمع الأمريكي على المستوى الجماهيري، لان الانتخابات عندهم مهرجاناً يتنافس نظيران فيها ونظيران حقيقيان لايختلفان، ومن هنا تأتي شدة المنافسة، لكن النظيرين لن يختلف أداء أحدهما على المستوى الخارجي إلا في حدود ضيقة ضمن الطريقة والأسلوب فقط.

 

ومن المهم أن نشير إلى أن الأداء الإعلامي بل السياسية الإعلامية للولايات المتحدة الأمريكية وعلى مر عقود من الزمن هي سياسة استراتيجية وليس اعتباطية او ارتجالية، وهو جزء أساس من السياسة العامة للدولة، بل هي في مقدمة أي عمل استراتيجي مقصود، وباتت تلك السياسة تعود على أمريكا بكثير من العوائد السياسية والاقتصادية والأمنية دون أن تحرك جندياً واحداً، لأنها مهدت الطريق للعمل الإعلامي، وأسندت التخطيط للمؤسسات، والتنفيذ لكبرى الشركات، فما يقوله الإعلام الامريكي اليوم يخضع للتحليل والإجراءات من قبل دول العالم ومؤسساته.

Friday, March 27, 2020

النشاط الثقافي في زمن كورونا


النشاط الثقافي في زمن كورونا
نجم العيسـاوي

في ظل الظروف الراهنة التي يشهدها العالم من تفشي فايروس كورونا المستجد Covid-19 يتبادر إلى الذهن تساؤلات جوهرية حول دور المثقف العربي في نشر الوعي المجتمعي، وكيف له أن يستثمر الأدوات المتاحة لديه في إيصال رسالته الثقافية للمجتمع؟

في البدء لابد من الإشارة إلى أن الأزمة التي يعيشها العالم اليوم أظهرت إلى حد ما جانباً من المستوى الثقافي لدى أفراد المجتمع، وتبين أنه على الرغم من وجود مستوى جيد لدي العديد من أفراده، إلا أنه على الجانب الآخر ظهر أن هناك ضعفاً واضحاً في المستوى الثقافي الجمعي، وقد تمثل هذا الضعف بأسلوب التعامل مع هذا الوباء من تجاهل ولا مبالاة وسخرية، وهذه كلها فاقمت من الأزمة وجعلت الناس يعيشون خطراً فادحاً، وكارثة وشيكة، ونسال الله لطفه وعفوه وعافيته للجميع.

هنا يبرز دور المثقف العربي في استثمار وسائل الإعلام المتاحة له، تقليدية أو رقمية، من خلال تحريه عن المعلومة الدقيقة ونشر ما يصح من توجيهات ونصائح وكل ما لديه صلة بوعي المجتمع، خاصة فيما يتعلق بالازمة الحالية، ويركز في كتاباته على بث الأمل، والإصرار على الحياة، والتفاؤل، ومكافحة الجهل بالعلم، والخرافة بالحقيقة، مستنيراً بفكره المتقد، وبمصادره الموضوعية الدقيقة، والرجوع إلى أهل العلم المتخصصين كل حسب اختصاصه، فينقل منهم ويتحرى الحقيقة الكاملة، ليستزيد منه الناس علماً وفهماً، ويتجنب الخوض في اتجاهات الناس الفكرية والسياسية، ويحرص على جمع الكلمة، ووحدة الصف، ومحبة الوطن، وتوطيد علاقة الانسان بأخيه الإنسان.

وفي مثل هذه الظروف ينبغي لكل مثقف أن يركز على تعزيز المواطنة وقيم التعاون والتكافل بين الناس، لأن صعوبة الظرف تحتم على الناس وحدة القلوب ولين اليد، ومحبة الجميع. ويؤكد للناس أن هذه الأمور تأتي مثل محطة اختبار تفرز فيها الصفات والقيم، والناجح فيها من يفلح في خير واتباع سبيل الراشدين، والكرماء وأصحاب الغيرة.

من الأمور الجوهرية التي ينبغي للمثقف العربي أن يكون حاضراً فيها، هي مواقع التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية ليكون فاعلاً إيجابياً فيها، حتى لا يبقى هذا الفضاء لأصحاب الخرافة وأنصاف العلماء، والمراهقين، الذين ينقلون الخبر دون دراية أو علم، ولا فهم، فيقعون ويوقعون الاخرين معهم في حبائل الجهل واليأس، وهذا قد يتسبب في تعزيز الخوف، واتباع طرق غير علمية في التعامل مع الأزمة أو غيرها.

إن حاجة الأمة اليوم – في ظل توقف معظم الاعمال اليومية- إلى العقول النيرة التي يسترشد بها الناس، وإلى الكلمة الطيبة التي تداوي جراحهم، وتؤنس وحشتهم، وتملأ عليعم غربتهم، وتحثهم على فعل الخيرات، والتطلع إلى المعالي وأن نترك القاع نحو القمم، فالكسل الطويل أورثنا ضعفاً لم نستطع معه حتى التفكير بكيفية الخروج من الأزمة، وصرنا نترقب الخبر السار من غيرنا، وكأن غيرنا ليس مثلنا.

اليوم على المثقف أن يعود بقوة إلى فضاء القلم النظيف، والكلمة الحرة، والنصيحة الواعية، ليكون خير معين لامته ووطنه في محنته وأزمته، حتى تنجلي الأمور وتزهر الحياة من جديد.

Sunday, February 16, 2020

اتصال القابلية


اتصال القابلية Communication Predispositions
نجم العيساوي - شباط 2020
مفهوم اتصال القابلية
إن ولادة هذا المفهوم لم تكن ولادة سريعة وفورية، بل استغرق وقتاً طويلاً حتى اصبح بين ايدينا مفهوماً مستقلا، وهذا يعود إلى مرونة هذا المفهوم ودلالاته العميقة والتي ترتبط بصورة مباشرة بالحاجة الاتصالية وحالة القائم بالاتصال.
ويمكن القول ابتداء أن أغلب العلوم اليوم بدأت تتفرع إلى علوم فرعية ثم علوم تفصيلية حتى يصبح العلم التفصيلي علما مستقلا قائما بحد ذاته، له مفاهيمه ومصطلحاته وأدبياته ودراساته، كما حصل في علم الاجتماع ثم الإعلام ثم الصحافة ثم الاتصال ثم أنواع الاتصال التي أصبح كل واحد منها علماً تحيط به الدراسات وتستقل به المؤسسات، واتصال القابلية أحد هذه المنتجات في مسيرة علوم الاتصال.
والقابلية من ناحية اللغة هي الإمكانية أو الاستعداد والقدرة، والتي تعني قابلية فعل الشيء، مثل قابلية التأقلم، وقابلية التحسن، وقابلية الانخراط وقابلية الاصغاء، وقابلية الدراسة، وهذا المعنى اشار إليه المعجم الوسيط، وكذلك لسان العرب والتي اشارت بمجملها في معنى القابلية بأنها عملية الاستعداد لقبول فكرة أو أمر ما بشكل ايجابي أو سلبي أو الاستعداد للتغيير، أي التفاعل مع الأمر رفضاً أو قبولاً دون تدخل مؤثر خارجي، اي بمعنى قدرة الشخص وقابليته بعيداً عن المعيقات الخارجية أو المحددات.
فالقابلية بمعنى آخر هي حالة ادراكية ونفسية للتعامل مع متغير خارجي، وعد بعض الباحثين أن الاستعداد للتغيير هو جوهر مفهوم القابلية والذي قد يكون عاطفيا أو ادراكيا أو سلوكيا بناء على خلفية معرفية سابقة فطرية أو مكتسبة.
وفي مجال الاتصال يعد التاثير والتواصل بين المرسل والمستقبل هو جوهر نجاح العملية الاتصالية، فلايكفي وجود مرسل ومستقبل دون أن يكون هناك تواصل وتأثير معاً، وهذه القدرة على التواصل والتاثير يمكن أن نسميها التفاعل الاتصالي والذي لاشك يستند إلى قابلية كل من المرسل والمستقبل لنجاحه وتحقيق القناعة للطرف الآخر، من هنا يأتي مفهوم القابلية بصفته عنصر وصف لكل من المرسل والمستقبل فرداً أو جماعة، وإن كان في الاصل هو وصف خاص للفرد، إلا أن العملية الاتصالية يقوم عليها طرفان، قد يكونا فردين أو مجموعتين، أو فرد ومجموعة. وبهذا نقول إن اتصال القابلية يعني الاتصال القائم على القدرة على دراسة مكامن الاقناع لدى الجمهور. واتصال القابلية بهذا المعنى هو عملية قائمة على نية الاقناع، فهو قديم المعنى جديد المبنى، يتفق مع الاتصال الاقناعي من وجه، ويختلف معه من وجه آخر، أي أن اتصال القابلية قديم الممارسة الضمنية، لكنه حديث التوظيف والبحث والتقنين، وقد تم اللجوء إليه لمواكبة التطور الذي يشهده علم الاتصال، وومتطلبات الانتقال من العلوم الرئيسة إلى العلوم الفرعية والتفصيلية والتي هي بدورها انتجت علوماً تفصيلية الابتداء لكنها مستقلة البحث والتوظيف، وهذا ينطبق على اتصال القابلية، كان غائباً في التداول الاتصالي، لكنه مع التقسيمات البحثية والعملية ظهر تقسيماً جديداً ليكون علماً مستقلاً قائما بحد ذاته.
وفي مجال الممارسة فإن اتصال القابلية تم توظيفه ضمن الاتصال كوظيفة عامة، مثل الاجتماعات والخطابات الرسمية، والثورية، والعسكرية، والتي غايتها الحشد والتأييد، والنصرة، كما يفعل القادة في خطاباتهم لشعوبهم او جنودهم، أو  الخطباء في منابرهم الدينية، أو أصحاب البضائع في تسويق بضائعهم عبر مختلف وسائل الإعلام ومنها شبكات التواصل الاجتماعي بطريقة التسجيل او البث المباشر.
وبهذا يفرق اتصال القابلية عن الاتصال الاقناعي بأن الاخير  مبني على الاغراء، وقد يعمد إلى استخدام الضغط بطريقة معينة، بينما اتصال القابلية مبني على منطق معرفة استعداد الفرد أو المجموعة لتقبل الفكرة بحد ذاتها ومعرفة الاستعداد النفسي والاجتماعي للمخاطبين، وهم غالباً أحد أطراف العملية الاتصالية الرئيسة وليس متلق سلبيا.

اتصال القابلية والدور القيادي
يعد الاستعداد التواصلي والتفضيلات الشخصية أهم عنصر من عناصر اتصال القابلية، لأن قدرتنا على التواصل تتأثر إلى حد كبير بتجاربنا وخبراتنا الخاصة، والمعلومات الحالية، والتصور الذاتي لكفاءة الاتصال. وهذا ما يحدد قدرة الفرد على التعبير عن رسالته أو افكاره بسهولة، سواء في اتصاله أو لقائه أو اجتماعه أو خطابه مع أقرانه أو مرؤوسيه أو مديريه دون تردد.

وتتيح غالباً المواقع الإدارية العليا مساحات أوسع وفرص كبيرة لتنمية المهارات الاتصالية والقدرة على التواصل بشكل اسرع وأكفأ، ولهذا فإن الأفراد الذين لديهم استعدادات أكثر إيجابية ينتهي بهم المطاف بوظائف قيادية متطورة. وعلى الرغم من ذلك إلا أن بعض السمات الشخصية تغلب على الصفات المكتسبة لاسيما فيما يتعلق بالأفراد الذين لديهم مخاوف عالية من التواصل، ما يعني أنهم أكثر عرضة من غيرهم لأن يكونوا في وظائف ذات متطلبات اتصال منخفضة، متجاوزين الفرص التي تتيحها لهم البيئة التنظيمية الاتصالية لما يحملون من مخاوف تجعلهم يخجلون من الفرص الشخصية والمهنية بسبب الخوف أو العصبية لمتطلبات التواصل التنظيمية المرتبطة بهذه الفرص، فيبرز لديه ما يسمى بـ "تخوف الاتصال Communication Apprehension"[1]. لكن هذا لايعني أنهم غير قادرين على تجاوز هذه العقبة، بل هم قادرون إن ارادوا ذلك، وعليهم أن يؤمنوا بانفسهم ليكون قادرين.

اتصال القابلية في العلاقات العامة
وفي العلاقات العامة يتم توظيف الاتصالات بانواعها المختلفة، سواء كانت الاتصالات الشخصية أو الجماعية، الوجاهية أو الوسائلية، اللفظي وغير اللفظي، والكتابي والسمعي والبصري، والاجتماعي، والحدثي، واتصال القابلية وذلك لكون البيئة التي تعمل فيها العلاقات العامة بيئة معقدة من ناحية استراتيجية إدارة الاتصالات.
وفي جزئية مهمة من إدارة الاتصالات في العلاقات العامة وهي أنها تسعى دائماً إلى تكييف سلوكها التنظيمي بما يتوافق مع بيئة معقدة وديناميكية، بمعنى آخر أن العلاقات العامة أمام جمهور متعدد الاتجاهات والأهداف والرؤى، ومحاطة بمنافسين آخرين لديهم قدراتهم وغمكاناتهم واستراتيجياتهم في التعامل مع الجمهور، ولهذا تسعى الى التكيف مع كل هذه الاضطرابات، فتنجح مؤسسة وتخفق أخرى، أو تضعف في أحسن الأحوال.
وبالقدر الذي تعمل المؤسسات على معرفة استعداد الجمهور للتواصل، فهي كذلك أمام سعي حثيث من الجمهور لمعرفة استعداد المؤسسة للاتصال والتواصل معه، فهي إذا ثقافة مطلوبة للجانبين، وسر القوة يكمن في قدرة أحدهم على معرفة ميول الطرف الآخر الاتصالية واستعدادته للتواصل ليتم استتثمارها في عملية الاقناع، وهي عملية اتصالية أخرى بعد عملية اتصال القابلية.
 ويتم تعزيز قدرة اتصال القابلية لدى الافراد والمجموعات من خلال فحص الاستعدادات والتعرض لمنهج معرفي رصين يعالج النقص الثقافي والفكري لدى المستهدف، ثم يتم وضعه في بيئة تطبيقية تنظيمية لرفع الرصيد المعرفي والعملي معاً، وزيادة المهارة العملية والسلوكية لتحقيق عملية اتصال القابلية.



[1]  Shockley-Zalabak, P. (2012). Fundamentals of Organizational Communication: Knowledge, Sensitivity, Skills, Values. Eighth Edition. Allyn & Bacon – Pearson, New York, London, Tokyo. p.147.

Tuesday, January 7, 2020

مواقع التواصل الاجتماعي والهجين اللغوي


مواقع التواصل الاجتماعي والهجين اللغوي
نجم العيساوي                                           كانون الثاني 2020

تعد الممارسة اللغوية جزءاً من تشكيلة البيئة الثقافية التي يعيشها الفرد، ولاشك أن البيئة الحالية بشكل عام تحتضن العديد من العناصر الهجينة وأبرزها اللغة المحكية، وبالتالي فهي بيئة جاذبة لأي تداخل لغوي لغياب الوزن المثالي للغة الأصيلة، وعليه فإن المجموعات الطلابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهي جزء من المجموعات المجتمعية التواصلية الأخرى تشهد استخداماً مطرداً للهجين اللغوي لكون مواقع التواصل الاجتماعي بيئة جامعة لكل اللغات واللهجات، وغالباً ما يلجأ المستخدمون إلى لغاتهم أو لهجاتهم المحكية، ويؤدي هذا التزاوج أو التداخل بين عدة لهجات - التي هي بالاصل هجينة- إلى ولادة مفردات هجينة أخرى، تغذيها المجموعات وروابطها التواصلية والرغبات المشتركة وتنوع الخلفيات اللغوية والثقافية، والاندفاع الى التقليد والشهرة وركوب الموجة، كلها تقف وراء انتشار هذه اللهجة في ظل غياب اللغة الأصيلة وتخلي المجتمع عموماً عن ممارستها، مما يجعل المفردات الدخيلة سهلة الاندماج وسهلة التشكيل والتصنيع.

ولا ريب أن مجموعة عوامل أسهمت بدرجة ما في تسهيل ظهور الهجين اللغوي، ومن ذلك ما يتيحه فضاء الشبكة من اتصال مجتمعي ثقافي متعدد ومتنوع ومختلف في كثير من الأحيان، سواء على مستوى اللغة أو الثقافة أو السمات الشخصية، فضلاً عن طبيعة بعض المنصات الاتصالية التي تتطلب الايجاز  في النشر والتعبير، ومنها أحياناً محدودية عدد حروف المنشور أو  كلماته، كما في تويتر  وأنستغرام وسناب تشات وغيرها، فيلجأ المستخدم إلى الايجاز وأحيانا يستخدم الرموز أو جزء من الكلمة أو أن يلجأ الى مختصرات هو يوجدها أو غيره يغلب عليها الاستخدام فتأخذ مداها  في الانتشار فتضاف إلى المفردات الهجينة لفظا كتابة.. والسبب الآخر وراء ذلك هو تنوع الأفراد ضمن المجموعة الواحدة، واختلاف ثقافاتهم ودولهم ولهجاتهم مما يؤدي إلى إيجاد مزيج مشترك لبعض المفردات أو تصنيعها عبر تواصل مستمر بينهم، ويمكن إضافة سبب ثالث وهو أن هذا السياق معمول به في اللغات الأجنبية التي تتيح إمكانية الاختصار في الكلمة مع بقاء مدلولها المعنوي، كما في العبارة الإنجليزية (You are very good) والتي قد تكتب في صفحات التواصل الاجتماعي بطريقة مختصرة كما يلي (u r v good) ، وعلى مستوى اللفظ (App) وتعني (Application)، وكلمة (ATM) اختصارا لـ (Automatic Teller Machine) وغيرها الكثير، لكن هذه تتيحها اللغة الإنكليزية، ولاتتيحها لغات أخرى إلا بحدود معينة، فتأثر المجموعات الطلابية بهذا المنحى واضح جدا في استخداماتهم للغة العربية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن التأثير النسبي لبعض العمالات الوافدة في بعض دولنا العربية.
إن الفوضى اللغوية في التواصل الاجتماعي هي جزء من فوضى الهوية التي تعيشها المجتمعات العربية، بسبب تدهور ظروفهم السياسية والاجتماعية والثقافية، وهذا بكل تأكيد يسري إلى جميع مفاصل الحياة المجتمعية والقيمية، ومن ذلك الفوضى اللغوية في التواصل الاجتماعي وما يمكن أن تسببه من مزيد من الابتعاد عن اللغة الأم والقيم الجمالية والأخلاقية التي تتضمنها، لكون اللغة تمثل رصيداً قيمياً أكثر منه رصيداً ثقافياً، فهي تضيف إلى الانسان والمجتمع جمالها وآدابها وحتى اساليبها التواصلية، فلاشك أن أعظم مخاطر هذه الفوضى هو الاستغراق في الانسلاخ من اللغة الأم وبالتالي التفريط بأهم قيمة مجتمعية يمكن أن تحفظ للإنسان هويته وثقافته ومكانته. بالإضافة إلى أن التمادي في اعتماد الهجين اللغوي يهيء لجيل ومجتمع لا علاقة له بهويته أو ثقافته، وسيكون أقرب ما يكون عالة على الآخرين، يتقمص ثقافاتهم ولهجاتهم بشكل عشوائي تضيع معه الاصالة والحضارة، ولو كان الأمر بقدر الاستفادة والإطلاع والتواصل ونقل العلوم والخبرات لكان هذا الأمر حسناً، لكن الهجين اللغوي ثغرة ثقافية قد تؤتى منها الأمة وقيمها.

وفيما يتعلق بطبيعة العلاقة اللغوية بين المستخدم و أشكال اللغة التي يقرؤها و لا ينتجها ففي أحسن الأحوال يمكن القول أن المتصفحين العابرين أشبه بالمتلقي السلبي الذي يتلقى ما يقذفه الآخرون، دون أن يقدم هو رصيداً في العطاء المثالي أو القيمي، فيتسلم المفردات أو يمر عليها حتى اذا طال الأمد، استمرأها واصبحت جزءا من ثقافته، لايستطيع أن ينفك منها. ولا نختلف فيما اذا كانت المنتجات اللغوية هي من مشتقات اللغة الاصيلة وتحمل في دلالتها البنيوية والمعنوية إضافة إيجابية للفكر الإنساني أو مسيرته العلمية أن ذلك من حسنات التواصل والتصفح حتى لو لم يكن بعض المتصفحين هم من ينتجونها، لان الفضاء العمومي ساحة مفتوحة لكثير، ومنهم من ذوي الاختصاص والخبرة، الذي يمكن أن يفيض على الآخرين من علمه وفهمه ونتاجه اللغوي أو العلمي الشيء الكثير. فالعلاقة اللغوية بين المتصفح للمجموعة وأشكال اللغة التي يقرؤونها ولاينتجونها هي علاقة نسبية، فقد تكون علاقة عكسية في حال كون اللغة المنشورة هجيناً محكياً مخلوطاً لايحمل أية إضافة نوعية لثقافة المتصفح أو وعيه، بينما يمكن أن تكون العلاقة إيجابية في حال كانت اللغة المنتجة تتبع لباب لغوي من أبواب اللغة ومشتقاتها ومرونتها، وكان القائمون بالاتصال من الراغبين بالفائدة والانتفاع.

* هذا المقال كان عبارة عن حوار أجرته معنا جريدة الأمة الجزائرية (الورقية)

الإعلام وفاعليته في تعزيز قيم المواطنة

الإعلام وفاعليته في تعزيز قيم المواطنة.. الواقع والطموح

نجم العيساوي/  كانون الثاني 2020
أصبح الإعلام جزءًا لايتجزأ من بيئة الإنسان، فهو يسهم في تشكيل مدركاته وثقافته بنسبة كبيرة، بل لعله يضاهي في تأثيره الأسرة والمدرسة والقبيلة إن لم يسبقها، ومن جملة ما يؤثر الإعلام في تشكيله لدى الفرد والمجتمع هي ثقافة قبول الآخر وتعزيز قيم الوحدة الإنسانية والوطنية التي تجمع ألوان المجتمع في لوحة فنية جميلة، تعبر عن حالة التنوع والتعدد بأسلوب إيجابي وهادف، وأن هذا التعدد هو ضرورة لتشكيل مجتمع حقيقي وسوي، لأن وجود مجتمع متشابه في كل شيء، ويتفق على كل شيء، هو ضرب من المحال ونوع من الخيال، وإن حصل افتراضاً فلن يكون فيه للحياة معنى، لأن طبيعة الفطرة الإنسانية تقوم على التنوع إلا أنه التنوع المرغوب والبنّاء.
وفي الوقت ذاته فإن الإعلام وما يحمله من أجندات ومنظومات فكرية وقدرات بشرية وإمكانات مادية، بإمكانه هدم وتقويض القيم الإيجابية في المجتمعات، بل وغرس السلبيات وإضعاف أواصر التعايش بين الناس، وتحويل هذا التنوع إلى تشرذم وفرقة وخصومة، وهذا الأمران -البناء والهدم- حاصلان في البيئة الإعلامية في مجتمعاتنا، وأخشى أن أؤكد أن ما يهدمه الإعلام اليوم ويقوضه في المجتمع أكثر مما يبنيه ويقيمه.

وفيما يخص المعالجة الإعلامية لموضوعات المواطنة في الواقع العربي، فإن الحقيقة هي شيء مؤسف، ففي بعض أجندات وسائل الإعلام هناك نقر على الخلاف والتفرق، والتركيز على زيادة رقعة الاختلاف وإحالة التنوع الإيجابي إلى تشتت عدائي، وإثارة العرقيات والعصبيات، ومعظم وسائل الإعلام التي تعمل على ذلك فإنما تعمل ذلك لأحد أمرين، إما لعدم إدراكها ووعيها خطورة ما تصنع على الحاضر والمستقبل، فهي أشبه ببوق يعمل لكل من يريد أن يعبر عن رسالته، فهي بذلك وعاء يسكب فيه ما يريد الآخرون وتصبه في المجتمع دون وعي وإدراك، أو أن بعضها تتحرك وفق أجندة سياسية وفكرية تسعى لفرضها في المجتمع بطريقة أحادية، وتعد ذلك جزءا من نجاحها في فرض أجندتها ورسالتها.
وإلى جانب ذلك - والحق يقال، هناك وسائل إعلام ما تزال تقدم رسالة إعلامية هادفة تقوم على تعزيز قيم المواطنة في المجتمع وتزيد من رصيد التعايش السلمي وتعمل على ترسيخ مفهوم الوحدة والتكافل والتكامل بين جميع أفراد المجتمع، وتحرص على بناء ثقافة قبول الآخر، بل والسير معاً من أجل مجتمع قوي وموحد ورصين. ومهما كانت نسبة الفريقين إلا أن واقعنا العربي ونتيجة لعوامل أخرى، تكون نسبة السلبية في بعض وسائل الإعلام فيه أكثر اتضاحاً، إلا أن التعويل يكون على القيم المجتمعية والعقول الواعية التي تميز بين الأدائين وتحلل الرسالتين، وتأخذ بالجيد من اجل مستقبل الوطن، وطموحات شبابه وأجياله.

ومن أجل تحسين المنظومة الإعلامية لابد من ميثاق شرف وطني، يتعاهد عليه الشرفاء القائمون على وسائل الإعلام، واستحسن أن ينبثق هذا الميثاق من السلطة التشريعية أو القضائية في الدولة ليضمن منظومة إعلامية تؤازر الشعب وتحرص على وحدته وتكامله وتعايشه، كما أرى ضرورة أن يتلقى القائمون على وسائل الإعلام دورات متخصصة وورش جادة في بناء منظومة القيم والحفاظ عليها، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والضيقة، والتحذير من التشرذم، والتفرق، والانسياق وراء موضات الإعلام التي يعج بها فضاؤنا والقائمة على زرع الخصومات وتفتيت وحدة المجتمعات، لمجرد أن يقال عن فلان إعلامي لايخاف، أو وسيلة إعلامية ذات صوت عال، فالحق أن يكون الإعلامي صوتاً لايخاف من الحقيقة ويتبناها، والوسيلة الإعلامية صوت من لاصوت له، وديواناً لكل الناس، تمثلهم في طموحاتهم ومعاناتهم والدفاع عنهم بموضوعية ونزاهة وشرف. والحذر الحذر من أن نتجرف وسائلنا الإعلامية إلى مسار الهدم لأن الهدم الذي لايستغرق دقائق معدودة في وسيلة إعلامية، يتطلب سنين طويلة لإعادة البناء وردم الفجوات، وإصلاح العيوب.


* هذا المقال كقدم لجريدة الأمة الجزائرية (الورقية)