Sunday, January 29, 2017

نظرية الإعلام التنموي (التحديث)- نظرية ولبر شرام(*)

        تنطلق هذه النظرية في دور وسائل الإعلام في التنمية من خلال الأثر الذي تحدثه وسائل الإعلام في المحيط الذي تعمل فيه، ويربط شرام بين واقع تركيز وسائل الإعلام والإتصال، وبالتالي الخدمات الإعلامية التي تقدمها في المدن الكبرى ويوجد نقص شديد في المدن الهامشية أو الأرياف والقرى، وحسب شرام فهذا الأمر موجود في المدن الكبرى والهامشية في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء. يدعو شرام إلى إجراء أبحاث إعلامية في الدول النامية من أجل زيادة المعلومات والدراسات المختلفة عنها ولمعرفة الإمكانيات الإعلامية المتوافرة فيها وهي تهدف إلى توضيح الرؤيا في كل ما يتصل بعملية الإتصال وفعاليتها. لا تستطيع البلدان النامية إنفاق أموال على حملات غير ناضجة بسبب عدم وجود معلومات وأبحاث، وجمهور وسائل الإعلام في الدول النامية متنوع الفئات والأحوال ويصعب التنبؤ بردود أفعاله، ووسائل الإعلام الحديثة تحتاج إلى البقاء وعلى صلة بجماهيرها والجماهير في الدول النامية تتحول بسرعة.  (العجمي، 2012، ص9).

        وينظر شرام إلى وسائل الإتصال الجماهيري في خدمة التنمية الوطنية باعتبارها "وكلاء للتغيير الإجتماعي" وقدد حدد ثلاث مهامٍ أو وظائف تستطيع أن تؤديها أو تعاون فيها وسائل الإتصال: (العبد، 2007، ص35-38) نقلا عن (شرام، 1970).

ومن أدبيات هذه النظرية أن وظيفة الإعلام تتمثل بـ:

(1) تستطيع وسائل الإتصال الجماهيري أن توسع الآفاق، فالذين يعيشون في مجتمع تقليدي يرون كما في وسائل الإتصال الجماهيرية وصفة سحرية، لأنها تأخذ الإنسان إلى مكان أعلى مما يمكنه أن يرى عند الأفق ثم تجعله ينظر فيما وراء الأفق.

(2) تستطيع وسائل الإعلام أن تركز انتباه المتلقين على الأحداث المهمة والأشخاص ذوي الهيبة، ذلك أن انتباه الجمهور يظل مركزا على التنمية، إذ يمكن أن يوجه الاهتمام من حين لحين إلى عادة جديدة أو سلوك جديد أو طريقة زراعية أو صحية جديدة أو إلى سلوك يؤدي إلى التحول العصري أو إلى شيء يتطلب التغيير الإجتماعي.

(3) تستطيع وسائل الإتصال أن ترفع من تطلعات الجماهير عالياً لأن الدول النامية في أمس الحاجة لإيقاظ شعوبها من القدرية والتفكير الخرافي إلى شحذ العزائم على الصعيدين الشخصي والقومي. ويجب الحذر من رفع تطلعات وآمال الناس دون تحقيق تلك الآمال، وإلا ستتحول إلى سخط وتذمر.

 

وظيفة اتخاذ القرارات:

         إن هذه الوظيفة تتصل بتغيير الاتجاهات الراسخة، إذ أنه لم يثبت قط أن الإتصال الجماهيري ذو فاعلية في مهاجمة الاتجاهات والقيم أو التقاليد الإجتماعية الراسخة، ويمكن لوسائل الإتصال الجماهيري أن تساعد بطريق غير مباشر في تحقيق عدد من الوظائف في مجال اتخاذ القرارات أبرزها؛ تغذية قنوات الإتصال العامة فيما بين الأشخاص، وتهب المكانة وتوسع رقعة الحوار بخطة التنمية، وتفرض الأوضاع الإجتماعية والمساعدة على تربية الذوق.

 

وظيفة التعليم:

         حيث يشير شرام إلى أن وسائل الإتصال تستطيع أن تعاون معاونة كبيرة في جميع أنماط التعليم والتدريب، فقد أثثبتت التجارب فاعليتها في ظروف عديدة مختلفة داخل المدارس وخارجها، وأثبتت قدرتها على تكملة العمل المدرسي وإغنائه، عندما عز توافر التدريس والمدارس، واثبتت قدرتها على التكفل بقدر كبير من مهمة التعليم، وأثبتت قدرتها الفائقة في مجال تعليم الكبار والتدريب على القراءة والكتابة.

كما اشار شرام إلى ستة وظائف لوسائل الإتصال الجماهيري في التنمية:

1- ينبغي استخدام وسائل الإتصال الجماهيري للمساهمة في خلق الشعور بالإنتماء لأمة واحدة.

2- يجب أن يستخدم الإتصال باعتباره صوتاً للتخطيط القومي.

3- إن الإتصال يجب أن يستخدم للمساعدة في تعليم المهارات الإتصالية الضرورية لعمليات التغيير الإجتماعي والتنمية.

4- إن الإتصال يجب أن يستخدم للإسهام في توسيع السوق الفعالة.

5- إن الإتصال يجب أن يستخدم لتهيئة الناس للقيام بدور جديد في سياق العمل التنموي.

6- يجب أن يستخدم الإتصال لإعداد التاس للقيام بدروهم كأمة بين الأمم.

                 

---------

المراجع

------------

¾   العجمي، محمد(2012). الإعلام تأثيره واثاره على النهضة الوطنية وما آلت إليه الأمة العربية. ملتقى الأغا. فلسطين: ديوان الأغا في خان يونس

¾   العبد، عاطف عدلي، والعبد، نهى عاطف(2007). الإعلام التنموي والتغير الإجتماعي، الأسس النظرية والنماذج التطبيقية. ط5. القاهرة: دار الفكر العربي.

 



(*) يعد ولبر شرام من الإعلاميين الذين بلوروا نظرية التحديث في مؤلفه (وسائل الإعلام والتنمية الوطنية) الذي نشر عام 1964".

نظرية التسويق الإجتماعي

        وضع ستانلي ودنس في عام 1995 الملامح الرئيسة لنظرية التسويق الاجتماعي التي تتلخص في: كيفية ترويج الأفكار التي تعتنقها النخبة في المجتمع، لتصبح ذات قيمة اجتماعية معترف بها) وتقوم النظرية على مبدأ استخدام أدوات اتصالية مختلفة؛ (حملات إعلامية-اتصالات شخصية-علاقات عامة-أحداث مفتعلة) لترويج فكرة اجتماعية، بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الانتشار للموضوع، والتأثير على الجمهور، لتبني سلوك يتفق والفكرة المطروحة. (الشهري، 2009، ص53).
        ولقد برزت نظرية التسويق الاجتماعي بين نظريات الاتصال المعاصرة، لتجمع بين نتائج بحوث الإقناع وانتشار المعلومات، في إطار حركة النظم الاجتماعية والاتجاهات النفسية، بما يسمح بانسياب المعلومات وتأثيرها، حيث تتناول نظرية التسويق الاجتماعي كيفية ترويج الأفكار التي تعتنقها النخبة في المجتمع، لتصبح ذات قيمة اجتماعية معترَف بها (الراوي، 2012). وتسير نظرية التسويق الاجتماعي من خلال مجموعة من الخطوات هي: (الشهري، 2009، ص53)
الخطوة الأولى: إثارة وعي الجمهور نحو الموضوع: من خلال الحملات الإعلامية التي تستهدف تكثيف المعرفة المطلوبة، حول القضية المستهدفة، حيث يتم تعديل السلوك من خلال زيادة المعلومات المقصودة عنها.
الخطوة الثانية: تدعيم الرسائل الإعلامية بالاتصالات الشخصية:
للتأثير في القطاعات المستهدفة من الجماهير من خلال الاتصالات المباشرة (الزيارات-المناقشات الجانبية..) إلى جانب الاستمرار في عرض الرسائل الاتصالية في وسائل الاتصال.
الخطوة الثالثة: تكوين صورة ذهنية تربط الموضوع بمصالح الجمهور:
وذلك بإثارة اهتمام الجمهور بالأفكار الجديدة عبر تكوين صورة ذهنية من خلال المعلومات أو الأفكار التي تؤدي للربط بين الفكرة ومصالح الجمهور، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، أو الشخصية...
الخطوة الرابعة: تصميم رسائل جديدة" أكثر تعقيدا" بناء على التأثيرات المتحققة:
بهدف الوصول إلى نتائج سلوكية أكثر تحديداً (عمليات اتخاذ قرار-القيام بسلوك محدد) لتعبر عن مدى عمق تبني الأفكار لدى الجمهور المستهدف.
الخطوة الخامسة: صناعة أحداث معينة لضمان استمرار الاهتمام بالموضوع:
وذلك من خلال تدعيم هذه الأحداث بالتغطيات الإعلامية الواسعة، وما تسمح به من مشاركة جماهيرية في فعالياتها.
الخطوة السادسة: التركيز على الفكرة من خلال تنشيط التبني للأفكار:
وذلك بالحث المباشر للجمهور على اتخاذ فعل محدد معبر عن الفكر الذي يتم تسويقه، بعد التأكد من تحقيق الخطوات السابقة لأهدافها.
        وتعد نظرية التسويق امتداداً منطقياً لنظريات الإقناع ونظرية انتشار المعلومات، وهذه النظرية لها عدة مداخل، تعكس الطرق أو الأساليب الخاصة بهدف التأثير، ومن هذه المداخل؛ طرق أو وسائل إغراء المتلقين لإدراك موضوعات الترويج والحملات سواء عن الأفراد أو المنظمات. وكذلك طرق غرس الصور الذهنية وإثارة المتلقين وإغرائهم بالبحث عن المعلومات، وتعتمد نماذج هذه النظرية على استراتيجية الإقناع التي تستخدمها وسائل الإعلام، ولاتسمح بالصراع الإجتماعي، اي لايمكن تطبيقها على مواقف يظهر فيها الصراع، ولكنها تطبق جيداً في الاشكال العادية للمعلومات، وتعمل جيداً ايضاً في تسويق موضوع الإهتمامات العامة. ينظر: (عبدالحميد، 2010، ص371-374).
        إن هذه النظرية تشير إلى أن الصورة الذهنية لدى الأفراد، تبنى على أساس المعلومات والأفكار التي يتلقونها من مختلف وسائل الإعلام، وأن تشكيل صورة ذهنية تحتاج إلى عملية تأثير وإقناع، بعيداً عن الاختلافات والصراعات، كما تؤكد النظرية أن المؤسسات والمنظمات تسعى إلى بناء صورة ذهنية لها، بالإعتماد على وسائل الإعلام وعلى الإتصال المباشر وغير المباشرة مع المجتمع. ينظر: (الشهري، 2009).
        ووَفْق نظرية التسويق الاجتماعي تقوم وسائل الإعلام بإثارة وعي الجمهور عن طريق الحملات الإعلامية التي تستهدف تكثيف المعرفة لتعديل السلوك بزيادة المعلومات المرسلة، للتأثير على القطاعات المستهدَفة من الجمهور، وتدعم الرسائلَ الإعلامية بالاتصالات الشخصية، كذلك الاستمرار في عرض الرسائل في وسائل الاتصال، عندها يصبح الجمهور مهتماً بتكوين صورة ذهنية عن طريق المعلومات والأفكار، وهنا تسعى الجهة القائمة بالاتصال إلى تكوين صورة ذهنية لربط الموضوع بمصالح الجمهور وتطلعاته. وفي خطوة لاحقة تبدأ الجهة المنظمة بتصميم رسائل جديدة للوصول إلى نتائج سلوكية أكثر تحديداً كاتخاذ قرار، ثم تأتي مرحلة صناعة أحداث معيَّنة لضمان استمرار الاهتمام بالموضوع وتغطيتها إعلامياً وجماهيرياً، ثم حثِّ الجمهور على اتخاذ فعل محدد معبِّر عن الفكرة، عن طريق الدعوة لتبنِّي الأفكار التي تركز عليها الرسائل الاتصالية. ينظر (الراوي، 2012).

المراجع
¾   الشهري، ياسر بن علي(2009). تسويق قيم العمل الخيري في ضوء نظرية التسويق الإجتماعي. اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية الإعلام، الرياض.
¾   الراوي، خالد حبيب(2010). تاريخ الصحافة والإعلام في العراق (منذ العهد العثماني 1810 وحتى حرب الخليج الثانية1991). ط1. دمشق: دار صفحات للدراسات والنشر.
¾   عبدالحميد، محمد (2010). نظريات الإعلام واتجاهات التأثير. القاهرة: عالم الكتب.

Tuesday, January 10, 2017

نظرية دوامة الصمت


نظرية دوامة الصمت:

قدمت إليزابيث نويل نيومان (1974) وصفا لدوامة الصمت بأنها عملية تشكيل الرأي العام، وتقوم الفكرة الأساسية للنظرية على أن الفرد يعيش في مجتمع ويتفاعل مع بيئة الرأي العام  بمقوماته وعوامل تشكيله، لذلك فالفرد يميل إلى تشكيل رأيه طبقـًا للرأي العام السائد في المجتمع الذي يعيش فيه. (Noelle-Neumann, 1980 : 43)

فروض نظرية دوامة الصمت

تعتمد نظرية دوامة الصمت على افتراض رئيسي فحواه أن وسائل الإعلام حين تتبنى آراء أو اتجاهات معينة خلال فترة من الزمن، فإن معظم الأفراد سوف يتحركون في الاتجاه الذي تدعمه وسائل الإعلام، وبالتالي يتكون الرأي العام بما يتسق مع الأفكار التي تدعمها وسائل الإعلام. وقد لاحظ بعض الباحثين أن وسائل الاتصال الجماهيرية تتخذ أحيانـًا جانبًا مؤيدًا لإحدى القضايا أو الشخصيات، ويؤدي ذلك إلى تأييد معظم الأفراد للاتجاه الذي تتبناه وسائل الإعلام بحثـًا عن التوافق الاجتماعي. أما الأفراد المعارضون لهذه القضية أو ذلك الاتجاه، فإنهم يتخذون موقف الصمت تجنبًا لاضطهاد الجماعة وخوفـًا من العزلة الاجتماعية وربما يتمدد الأمر للخوف من (العزل من الوظيفة… إلخ)، وبالتالي إذا كانوا يؤمنون بآراء مخالفة لما تعرضه وسائل الإعلام، فإنهم يحجبون آراءهم الشخصية، ويكونون أقل رغبة في التحدث عن هذه الآراء مع الآخرين. (وبذلك يكون السكوت في هذه الحالة علامة الرفض لا الرضا).

(Noelle-Neumann, 1980 : 43) (Jeffres, Neuendorf & Atkin, 2010:115).

       

كما تقوم نظرية دوامة أو لولب الصمت على فرضيه أساسية أخرى هي أن معظم الناس يخشون من العزلة، وهذا الخوف يدفعهم إلى اتباع الأغلبية في محاولة للتوحد Identification معهم ، حتى ولو كان ذلك على حساب وجهة إخفاء نظرهم التي قد تختلف مع الأغلبية وبالتالي التزام الصمت حولها ، ويزداد هذا الصمت عندما تعمل وسائل الإعلام على تدعيم آراء الأغلبية. ويقوم هذا الفرض السابق على دعامتين: (Noelle-Neumann, 1991:258)

الأولى : أن الأفراد يتجاهلون ما يرونه بأنفسهم ويتمسكون بما تراه الجماعة خوفاً على أنفسهم من العزلة .

الثانية : تقوم وسائل الإعلام بنشر وتعزيز وجهات النظر السائدة أو المهيمنة على الرأي العام .

وهناك أربعة فروض أخرى فرعية هي:

1) يخشى معظم الأفراد من العزلة الاجتماعية عن البيئة المحيطة ويرغبون في أنه تكون آرائهم مدعومة من المجتمع من أجل كسب احترام الآخرين .

2) تجنب العزلة يسعى الأفرد لمراقبة البيئة Surveillance ويرصدون الآراء السائدة في

المجتمع ويعبرون عن آرائهم في حدود ما يتسق مع ما هو سائد في المجتمع بين أغلبيته .

3) يمكن التمييز بين المجالات التي تتسم فيها الآراء بالحركة و المجالات التي تتسم فيها الآراء بالثبات .

4) إذا ما أدرك الأفراد أثناء مراقبتهم للبيئة أن الآراء الخاصة بهم تحظى  بالقبول فإنهم يعبرون عنها بثقة ، وأما إذا ما أدركوا أن آرائهم لن تحظى بقبول فإنهم يميلون إلى الصمت .

ونتيجة ذلك تحدث دوامة الصمت التي تدفع الأفراد إلى تبني Adoption الرأي العام السائد في المجتمع والذي تعمل وسائل الإعلام على تغذيته . Oh, 2011:8). والشكل التالي يوضح فرضية النظرية الرئيسة.




الشكل من (Achyut,n.d: 35)



وتشير نيومان Numann إلى أن الخوف من العزلة ليس فقط هو العامل الوحيد في إحجام بعض الأفراد عن إبداء مواقفهم ، بل أيضاً الخوف من إثارة سخط المجتمع المحيط بالفرد. (Noelle-Neumann, 1980 : 44)





فقد لاحظ بعض الباحثين أن وسائل الاتصال الجماهيرية تتخذ أحياناً جانباً متسقاً Consistent Position من إحدى القضايا أو الشخصيات، ويؤدي ذلك إلى تأييد معظم الأفراد للاتجاه الذي تتبناه وسائل الإعلام بحثاً عن التوافق الاجتماعي. أما الأفراد المعارضين لهذه القضية أو ذلك الاتجاه، فإنه يتخذون موقف الصمت تجنباً لاضطهاد الجماعة وخوفاً من العزلة الاجتماعية، وبالتالي إذا كانوا يؤمنون بآراء مخالفة لما تعرضه وسائل الإعلام، فإنهم يحجبون آراءهم الشخصية، ويكونو أقل رغبة في التحدث عن هذه الآراء مع الآخرين. أما إذا كان هؤلاء الناس لديهم آراء منسجمة مع ما تبثه وسائل الإعلام، فإنهم يميلون أكثر إلى الإعلان عن هذه الآراء ةالتحدث بشأنها للحصول على القبول الاجتماعي.

(Chen, 2011; Matthes, 2010).

        ونظراً لأن عدداً كبيراً من الناس يعتقد أن الجانب الذي تؤيده وسائل الإعلام يعبر عن الاتجاه السائد في المجتمع Mainstreaming، فإن الرأي الذي تتبناه وسائل الإعلام يظل يقوى، وربما يسبب ضغوطاً أكبر على الأفراد المخالفين لهذا الرأي، والذين يلجأون غالباً إلى تفضيل الصمت بحثاً عن التوافق الاجتماعي، وهكذا نحصل على أثر "لولبي" Spiral يزداد ميلاً تجاه الجانب السائد الذي تتبناه وسائل الإعلام، بغض النظر عن الموقف الحقيقي للجمهور. وترى "نيومان" أن هناك عوامل عديدة تجعل الناس يحرصون على إبداء وجهات نظرهم والمشاركة بآرائهم منها: (عبدالحميد 2015: 288 – 289).



1- شعور الفرد بالانتماء إلى رأي الغالبية.

2- الميل إلى التخاطب مع من يتفقون معنا في الآراء أكثر من الذين يختلفون معنا.

3- الشعور بتقدير الذات يحث الفرد على إبداء رأيه.

4- يميل الأفراد من الرجال متوسطي الأعمار من الطبقة الوسطى إلى الحوار والمشاركة بسهولة.

5- تشجع معظم القوانين الأفراد على إبداء آرائهم عندما يشعرون أنهم أكثر عدداً، ويمثلون الأغلبية.

وفي غير هذه الحالات سوف نجد أن الأفراد يميلون إلى التزام الصمت، ويزداد هذا الصمت كلما ازدادت الضغوط لصالح رأي الغالبية.

ويلخص "إليهو كاتز" فكرة نظرية دوامة الصمت في العبارات التالية: (عبدالحميد، 2015: 293).

1- كل الأفراد لهم آراء.

2- الخوف من العزلة الاجتماعية يجعل الأفراد لا يعلنون عن آرائهم إذا ما أدركوا أن هذه الآراء لا تحظى يتأييد الآخرين.

3- يقوم كل فرد بعمل استطلاعات سريعة لمعرفة مدى التأييد أو المعارضة للرأي الذي يتبناه.

4- تعد وسائل الإعلام من المصادر الرئيسية لنشر المعلومات وعرض الآراء ونقل مناخ التأييد أو المعارضة.

5- تقوم الأطر المرجعية الأخرى بعملها.

6- تميل وسائل الإعلام لأن تتحدث بصوت واحد، غالباً ما يكون محتكراً.

7- تميل وسائل الإعلام إلى التحيز في عرض الآراء مما يؤدي إلى تشويه الرأي العام.

8- يدرك بعض الأفراد أو الجماعات أنهم مختلفين وغير مسايرين لرأي الأغلبية، مما يجعلهم إما يغيرون آراءهم لتتسق مع رأي وسائل الإعلام، أو يؤثرون الصمت تجنباً للضغوط الاجتماعية.



وهناك ثلاث آليات أساسية تساهم في تأثير وسائل الإعلامية: (Oh, 2011:8).

1- التراكمية:

وتتمثل في التأثير التراكمي من خلال التكرار، حيث تميل وسائل الإعلام إلى تقديم رسائل متشابهة ومتكررة حول موضوعات أو شخصيات أو قضايا، ويؤدي هذا العرض التراكمي إلى تأثيرات على المتلقين على المدى البعيد.

2- الشمولية: تسيطر وسائل الإعلام على الإنسان وتحاصره في كل مكان، وتهيمن على بيئة المعلومات المتاحة، مما ينتج عنه تأثيرات شاملة على الفرد يصعب الهروب من رسائلها.

3- التجانس: ويعني  توافق الأفكار التي تقوم وسائل الإعلام ببثها وعرضها على جمهور المتلقين، كما يعني وجود اتفاق وانسجام  بين القائمين بالاتصال مع المؤسسات التى ينتمون إليها مما يؤدي إلى تشابه توجهاتهم والقيم الإعلامية التى تحكمهم، وعليه تكون الرسائل التي تعمل وسائل الإعلام المختلفة على بثها تبدو متشابهة ومتسقة مع بعضها بعضًا مما يزيد من قوة تأثيرها على جمهور المتلقين.

وتؤدي هذه العوامل السابقة مجتمعة إلى تقليل فرصة الفرد المتلقي في أن يكون له رأي مستقل حول القضايا المثارة، وبالتالي تزداد فرصة وسائل الإعلام في تكوين الأفكار والاتجاهات المؤثرة في الرأي العام.

لولب الصمت والتواصل الاجتماعي:

انطلاقا من كون الأساس الذي بنيت عليه نظرية لولب الصمت هي وسائل الاتصال الجماهيرية، فإن فكرتها الرئيسة تضمنت شبكات التواصل الاجتماعي هي وسائل اتصال جماهيرية مفتوحة، حتى وإن رأي بعض الباحثين أن التطور الذي شهدته الشبكة العالمية الانترنيت ومنصات التواصل الاجتماعي حجّم خصائص النظرية، لاسيما التجانس، فضلا عن كون تطبيق هذه النظرية على آليات وتطبيقات الانترنيت صار يخضع لشروط ومحددات جديدة، ذلك أن المناخ الذي تعرض فيه الآراء اليوم هو يختلف عما كان عليه الأمر في وسائل الإعلام التقليدية. (Liu & Fahmy, 2011). مع ذلك تبقى النظرية بمدلولاتها وفرضياتها منسجمة مع اليات الاتصال عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لاسيما أن الشبكات اليوم تتشكل من جميع مضامين وتشكيلات وسائل الاعلام التقليدية من نص وصورة وصوت وفيديو، إضافة إلى صيغ جديدة أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي، كالروابط Links وعمل الإشارة Tag والتعبير الرمزي عن الحالة وغير ذلك كثير، فضلا عن أهم ميزة أضيفت في عالم الاتصال وهي التفاعلية الفورية والجماهيرية.

ووفقا لنظرية دوامة الصمت فإن وسائل التواصل الاجتماعي تعد الأبرز من بين وسائل الاتصال الجماهيرية التي تتيح للأفراد والمجتمعات والاقليات والاغلبيات أن تضع رأيها وتدعمه بكل الوسائل والاساليب، بل هي الأقرب إلى الفرد حيث بامكانه التعبير بشكل مستمر عن ارائه وثقافته وأهدافه، فالتواصل الاجتماعي ميناء للشحن وفي الوقت ذاته ميناء للتفريغ واستقبال البضائع الجديدة من المعلومات، بمعنى آخر فان وسائل التواصل الاجتماعي سوق جاذبة لتنوع محتوياتها، كما أنها سوق مفتوحة أكثر منها في الوسائل التقليدية، فإذا كان الفرد يفر من العزلة التي افترضتها النظرية في مضامين الوسائل التقليدية حينما تكون الغلبة للاغلبية في عرض فكرة أو راي، فإن شبكات التواصل الاجتماعي خففت من هذه العزلة، لأنها أخرجت الاقليات كلها فلم يعد هناك اقلية واكثرية، فبإمكان منشور لجموعة افراد يعاد نشره والترويج له، يتجاوز حدود الاغلبية، وهذا يتوقف على طبيعة المنشور وظروفه ومضمونه. لكن في الوقت ذاته فانه مهما اختلفت الاغلبية والاقلية إلا أنه تبقى هناك دوامة صمت بنسبة ما، فهناك من يرفع صوته بالتعبير عن رأيه، وهناك أيضا من يصمت خوفا من المخالفة والعزلة. (Neil, 2009: 38)

من الانتقادات الموجهة لهذه النظرية

إن وسائل الإعلام لا تعبر بالضرورة عن رأى الأغلبية، بل تعكس أحيانـًا رأى الأغلبية المزيفة التى تروج لها وسائل الإعلام. هذا الانتقاد عززه المفكر النقدى ناعوم تشومسكى، فقد تطرق بكتابه المهم في هذا المجال (السيطرة على الإعلام، الإنجازات الهائلة للبروبجندا) في موضوع  كيفية استخدام الإعلام والدعاية في تجريد الديمقراطية من قوة تمثيلها للإرادة الشعبية وتحويل تلك الارادة الشعبية نحو موضع مزيف آخر يصب أو يخدم مصلحة النخب المهيمنة في المجتمع. وهنا يبرز بقوة مصطلح الرأي العام “الكامن” حيث يقسم الرأى العام
وفقـًا للنـظم السـياسيـة المسيـطرة علـى الحكم فـي المجتمع الحديث إلى نوعين: رأى عام ظاهر في الدول الديمقراطية، ورأى عام باطن أو كامن في الدول التي تفتقد إلى الديمقراطية.
(Neuwirth, 2000:139),



¾   عبدالحميد، محمد(2015). نظريات الإعلام واتجاهات التأثير. ط4، عمّان: عالم الكتب.  



¾   Achyut, A. (n.d.). Spiral of Violence: Death of Spiral of Silence and a Farwll to Elizabeth Noelle-Neumann. Scientific Journal of Research, 1(2), 34–48.

¾   Chen, K. (2011) ‘A test of the spiral of silence theory on young adults' use of social networking sites for political purposes’ in Digital Repository at Iowa State University, pp. 1-95.

¾   Liu, X. & Fahmy, S. (2009) ‘Testing the spiral of silence in the virtual world: Monitoring opinion-climate online and individuals' willingness to express personal opinions in online versus offline settings’ in  Conference Papers. International Communication Association, pp. 1-36.

¾   Liu, X. and Fahmy, S. (2011) ‘Exploring the spiral of silence in the virtual world: lndividuals' willingness to express personal opinions in online versus offline settings’ in Journal of Media and Communication Studies 3(2): 45-57. Available online at http://www.academicjournals.org/jmcs

¾   Matthes, J., Rios Morrison, K. and Schmer, C. (2010) ‘A Spiral of Silence for Some: Attitude Certainty and the Expression of Political Minority Opinions’ in Communication Research 37(6): 774-800.

¾   Neill, Shelly A. (2009). The Alternate Channel: How Social Media Is Challenging The Spiral Of Silence Theory In GLBT Communities Of Color. (Thesis Of Master). The Faculty Of The Public Communication Graduate Program School Of Communication. American University Washington, D.C.

¾   Neuwirth, K. (2000) ‘Testing the spiral of silence model: the case of Mexico’ in International Journal of Public Opinion Research 12(2): 138-59.

¾   Neuwirth, K., and Frederick, E. (2004) ‘Peer and social influence on opinion expression: Combining the theories of planned behavior and the spiral of silence’ in Communication Research, 31(6): 669-703.

¾   Noelle-Neumann, E. (1974) ‘The spiral of silence: a theory of public opinion’ in Journal of Communication, 24(2): 43-51.

¾   Noelle-Neumann, E. (1991) ‘The theory of public opinion: the concept of the spiral of silence’ in Anderson, J. A. (ed). Communication Yearbook, Thousand Oaks, CA: Sage, pp. 256-87.

¾   Noelle-Neumann, E. (1993) The spiral of silence: Public opinion – our social skin (2nd ed.), Chicago: University of Chicago Press.

¾   Oh, W. Y (2011) Willingness to speak out: comparison between online versus offline communication. Presented at World Association for Public Opinion Research 64th Annual Conference in Amsterdam. September 21-23, 2011.