Tuesday, January 10, 2017

نظرية دوامة الصمت


نظرية دوامة الصمت:

قدمت إليزابيث نويل نيومان (1974) وصفا لدوامة الصمت بأنها عملية تشكيل الرأي العام، وتقوم الفكرة الأساسية للنظرية على أن الفرد يعيش في مجتمع ويتفاعل مع بيئة الرأي العام  بمقوماته وعوامل تشكيله، لذلك فالفرد يميل إلى تشكيل رأيه طبقـًا للرأي العام السائد في المجتمع الذي يعيش فيه. (Noelle-Neumann, 1980 : 43)

فروض نظرية دوامة الصمت

تعتمد نظرية دوامة الصمت على افتراض رئيسي فحواه أن وسائل الإعلام حين تتبنى آراء أو اتجاهات معينة خلال فترة من الزمن، فإن معظم الأفراد سوف يتحركون في الاتجاه الذي تدعمه وسائل الإعلام، وبالتالي يتكون الرأي العام بما يتسق مع الأفكار التي تدعمها وسائل الإعلام. وقد لاحظ بعض الباحثين أن وسائل الاتصال الجماهيرية تتخذ أحيانـًا جانبًا مؤيدًا لإحدى القضايا أو الشخصيات، ويؤدي ذلك إلى تأييد معظم الأفراد للاتجاه الذي تتبناه وسائل الإعلام بحثـًا عن التوافق الاجتماعي. أما الأفراد المعارضون لهذه القضية أو ذلك الاتجاه، فإنهم يتخذون موقف الصمت تجنبًا لاضطهاد الجماعة وخوفـًا من العزلة الاجتماعية وربما يتمدد الأمر للخوف من (العزل من الوظيفة… إلخ)، وبالتالي إذا كانوا يؤمنون بآراء مخالفة لما تعرضه وسائل الإعلام، فإنهم يحجبون آراءهم الشخصية، ويكونون أقل رغبة في التحدث عن هذه الآراء مع الآخرين. (وبذلك يكون السكوت في هذه الحالة علامة الرفض لا الرضا).

(Noelle-Neumann, 1980 : 43) (Jeffres, Neuendorf & Atkin, 2010:115).

       

كما تقوم نظرية دوامة أو لولب الصمت على فرضيه أساسية أخرى هي أن معظم الناس يخشون من العزلة، وهذا الخوف يدفعهم إلى اتباع الأغلبية في محاولة للتوحد Identification معهم ، حتى ولو كان ذلك على حساب وجهة إخفاء نظرهم التي قد تختلف مع الأغلبية وبالتالي التزام الصمت حولها ، ويزداد هذا الصمت عندما تعمل وسائل الإعلام على تدعيم آراء الأغلبية. ويقوم هذا الفرض السابق على دعامتين: (Noelle-Neumann, 1991:258)

الأولى : أن الأفراد يتجاهلون ما يرونه بأنفسهم ويتمسكون بما تراه الجماعة خوفاً على أنفسهم من العزلة .

الثانية : تقوم وسائل الإعلام بنشر وتعزيز وجهات النظر السائدة أو المهيمنة على الرأي العام .

وهناك أربعة فروض أخرى فرعية هي:

1) يخشى معظم الأفراد من العزلة الاجتماعية عن البيئة المحيطة ويرغبون في أنه تكون آرائهم مدعومة من المجتمع من أجل كسب احترام الآخرين .

2) تجنب العزلة يسعى الأفرد لمراقبة البيئة Surveillance ويرصدون الآراء السائدة في

المجتمع ويعبرون عن آرائهم في حدود ما يتسق مع ما هو سائد في المجتمع بين أغلبيته .

3) يمكن التمييز بين المجالات التي تتسم فيها الآراء بالحركة و المجالات التي تتسم فيها الآراء بالثبات .

4) إذا ما أدرك الأفراد أثناء مراقبتهم للبيئة أن الآراء الخاصة بهم تحظى  بالقبول فإنهم يعبرون عنها بثقة ، وأما إذا ما أدركوا أن آرائهم لن تحظى بقبول فإنهم يميلون إلى الصمت .

ونتيجة ذلك تحدث دوامة الصمت التي تدفع الأفراد إلى تبني Adoption الرأي العام السائد في المجتمع والذي تعمل وسائل الإعلام على تغذيته . Oh, 2011:8). والشكل التالي يوضح فرضية النظرية الرئيسة.




الشكل من (Achyut,n.d: 35)



وتشير نيومان Numann إلى أن الخوف من العزلة ليس فقط هو العامل الوحيد في إحجام بعض الأفراد عن إبداء مواقفهم ، بل أيضاً الخوف من إثارة سخط المجتمع المحيط بالفرد. (Noelle-Neumann, 1980 : 44)





فقد لاحظ بعض الباحثين أن وسائل الاتصال الجماهيرية تتخذ أحياناً جانباً متسقاً Consistent Position من إحدى القضايا أو الشخصيات، ويؤدي ذلك إلى تأييد معظم الأفراد للاتجاه الذي تتبناه وسائل الإعلام بحثاً عن التوافق الاجتماعي. أما الأفراد المعارضين لهذه القضية أو ذلك الاتجاه، فإنه يتخذون موقف الصمت تجنباً لاضطهاد الجماعة وخوفاً من العزلة الاجتماعية، وبالتالي إذا كانوا يؤمنون بآراء مخالفة لما تعرضه وسائل الإعلام، فإنهم يحجبون آراءهم الشخصية، ويكونو أقل رغبة في التحدث عن هذه الآراء مع الآخرين. أما إذا كان هؤلاء الناس لديهم آراء منسجمة مع ما تبثه وسائل الإعلام، فإنهم يميلون أكثر إلى الإعلان عن هذه الآراء ةالتحدث بشأنها للحصول على القبول الاجتماعي.

(Chen, 2011; Matthes, 2010).

        ونظراً لأن عدداً كبيراً من الناس يعتقد أن الجانب الذي تؤيده وسائل الإعلام يعبر عن الاتجاه السائد في المجتمع Mainstreaming، فإن الرأي الذي تتبناه وسائل الإعلام يظل يقوى، وربما يسبب ضغوطاً أكبر على الأفراد المخالفين لهذا الرأي، والذين يلجأون غالباً إلى تفضيل الصمت بحثاً عن التوافق الاجتماعي، وهكذا نحصل على أثر "لولبي" Spiral يزداد ميلاً تجاه الجانب السائد الذي تتبناه وسائل الإعلام، بغض النظر عن الموقف الحقيقي للجمهور. وترى "نيومان" أن هناك عوامل عديدة تجعل الناس يحرصون على إبداء وجهات نظرهم والمشاركة بآرائهم منها: (عبدالحميد 2015: 288 – 289).



1- شعور الفرد بالانتماء إلى رأي الغالبية.

2- الميل إلى التخاطب مع من يتفقون معنا في الآراء أكثر من الذين يختلفون معنا.

3- الشعور بتقدير الذات يحث الفرد على إبداء رأيه.

4- يميل الأفراد من الرجال متوسطي الأعمار من الطبقة الوسطى إلى الحوار والمشاركة بسهولة.

5- تشجع معظم القوانين الأفراد على إبداء آرائهم عندما يشعرون أنهم أكثر عدداً، ويمثلون الأغلبية.

وفي غير هذه الحالات سوف نجد أن الأفراد يميلون إلى التزام الصمت، ويزداد هذا الصمت كلما ازدادت الضغوط لصالح رأي الغالبية.

ويلخص "إليهو كاتز" فكرة نظرية دوامة الصمت في العبارات التالية: (عبدالحميد، 2015: 293).

1- كل الأفراد لهم آراء.

2- الخوف من العزلة الاجتماعية يجعل الأفراد لا يعلنون عن آرائهم إذا ما أدركوا أن هذه الآراء لا تحظى يتأييد الآخرين.

3- يقوم كل فرد بعمل استطلاعات سريعة لمعرفة مدى التأييد أو المعارضة للرأي الذي يتبناه.

4- تعد وسائل الإعلام من المصادر الرئيسية لنشر المعلومات وعرض الآراء ونقل مناخ التأييد أو المعارضة.

5- تقوم الأطر المرجعية الأخرى بعملها.

6- تميل وسائل الإعلام لأن تتحدث بصوت واحد، غالباً ما يكون محتكراً.

7- تميل وسائل الإعلام إلى التحيز في عرض الآراء مما يؤدي إلى تشويه الرأي العام.

8- يدرك بعض الأفراد أو الجماعات أنهم مختلفين وغير مسايرين لرأي الأغلبية، مما يجعلهم إما يغيرون آراءهم لتتسق مع رأي وسائل الإعلام، أو يؤثرون الصمت تجنباً للضغوط الاجتماعية.



وهناك ثلاث آليات أساسية تساهم في تأثير وسائل الإعلامية: (Oh, 2011:8).

1- التراكمية:

وتتمثل في التأثير التراكمي من خلال التكرار، حيث تميل وسائل الإعلام إلى تقديم رسائل متشابهة ومتكررة حول موضوعات أو شخصيات أو قضايا، ويؤدي هذا العرض التراكمي إلى تأثيرات على المتلقين على المدى البعيد.

2- الشمولية: تسيطر وسائل الإعلام على الإنسان وتحاصره في كل مكان، وتهيمن على بيئة المعلومات المتاحة، مما ينتج عنه تأثيرات شاملة على الفرد يصعب الهروب من رسائلها.

3- التجانس: ويعني  توافق الأفكار التي تقوم وسائل الإعلام ببثها وعرضها على جمهور المتلقين، كما يعني وجود اتفاق وانسجام  بين القائمين بالاتصال مع المؤسسات التى ينتمون إليها مما يؤدي إلى تشابه توجهاتهم والقيم الإعلامية التى تحكمهم، وعليه تكون الرسائل التي تعمل وسائل الإعلام المختلفة على بثها تبدو متشابهة ومتسقة مع بعضها بعضًا مما يزيد من قوة تأثيرها على جمهور المتلقين.

وتؤدي هذه العوامل السابقة مجتمعة إلى تقليل فرصة الفرد المتلقي في أن يكون له رأي مستقل حول القضايا المثارة، وبالتالي تزداد فرصة وسائل الإعلام في تكوين الأفكار والاتجاهات المؤثرة في الرأي العام.

لولب الصمت والتواصل الاجتماعي:

انطلاقا من كون الأساس الذي بنيت عليه نظرية لولب الصمت هي وسائل الاتصال الجماهيرية، فإن فكرتها الرئيسة تضمنت شبكات التواصل الاجتماعي هي وسائل اتصال جماهيرية مفتوحة، حتى وإن رأي بعض الباحثين أن التطور الذي شهدته الشبكة العالمية الانترنيت ومنصات التواصل الاجتماعي حجّم خصائص النظرية، لاسيما التجانس، فضلا عن كون تطبيق هذه النظرية على آليات وتطبيقات الانترنيت صار يخضع لشروط ومحددات جديدة، ذلك أن المناخ الذي تعرض فيه الآراء اليوم هو يختلف عما كان عليه الأمر في وسائل الإعلام التقليدية. (Liu & Fahmy, 2011). مع ذلك تبقى النظرية بمدلولاتها وفرضياتها منسجمة مع اليات الاتصال عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لاسيما أن الشبكات اليوم تتشكل من جميع مضامين وتشكيلات وسائل الاعلام التقليدية من نص وصورة وصوت وفيديو، إضافة إلى صيغ جديدة أتاحتها مواقع التواصل الاجتماعي، كالروابط Links وعمل الإشارة Tag والتعبير الرمزي عن الحالة وغير ذلك كثير، فضلا عن أهم ميزة أضيفت في عالم الاتصال وهي التفاعلية الفورية والجماهيرية.

ووفقا لنظرية دوامة الصمت فإن وسائل التواصل الاجتماعي تعد الأبرز من بين وسائل الاتصال الجماهيرية التي تتيح للأفراد والمجتمعات والاقليات والاغلبيات أن تضع رأيها وتدعمه بكل الوسائل والاساليب، بل هي الأقرب إلى الفرد حيث بامكانه التعبير بشكل مستمر عن ارائه وثقافته وأهدافه، فالتواصل الاجتماعي ميناء للشحن وفي الوقت ذاته ميناء للتفريغ واستقبال البضائع الجديدة من المعلومات، بمعنى آخر فان وسائل التواصل الاجتماعي سوق جاذبة لتنوع محتوياتها، كما أنها سوق مفتوحة أكثر منها في الوسائل التقليدية، فإذا كان الفرد يفر من العزلة التي افترضتها النظرية في مضامين الوسائل التقليدية حينما تكون الغلبة للاغلبية في عرض فكرة أو راي، فإن شبكات التواصل الاجتماعي خففت من هذه العزلة، لأنها أخرجت الاقليات كلها فلم يعد هناك اقلية واكثرية، فبإمكان منشور لجموعة افراد يعاد نشره والترويج له، يتجاوز حدود الاغلبية، وهذا يتوقف على طبيعة المنشور وظروفه ومضمونه. لكن في الوقت ذاته فانه مهما اختلفت الاغلبية والاقلية إلا أنه تبقى هناك دوامة صمت بنسبة ما، فهناك من يرفع صوته بالتعبير عن رأيه، وهناك أيضا من يصمت خوفا من المخالفة والعزلة. (Neil, 2009: 38)

من الانتقادات الموجهة لهذه النظرية

إن وسائل الإعلام لا تعبر بالضرورة عن رأى الأغلبية، بل تعكس أحيانـًا رأى الأغلبية المزيفة التى تروج لها وسائل الإعلام. هذا الانتقاد عززه المفكر النقدى ناعوم تشومسكى، فقد تطرق بكتابه المهم في هذا المجال (السيطرة على الإعلام، الإنجازات الهائلة للبروبجندا) في موضوع  كيفية استخدام الإعلام والدعاية في تجريد الديمقراطية من قوة تمثيلها للإرادة الشعبية وتحويل تلك الارادة الشعبية نحو موضع مزيف آخر يصب أو يخدم مصلحة النخب المهيمنة في المجتمع. وهنا يبرز بقوة مصطلح الرأي العام “الكامن” حيث يقسم الرأى العام
وفقـًا للنـظم السـياسيـة المسيـطرة علـى الحكم فـي المجتمع الحديث إلى نوعين: رأى عام ظاهر في الدول الديمقراطية، ورأى عام باطن أو كامن في الدول التي تفتقد إلى الديمقراطية.
(Neuwirth, 2000:139),



¾   عبدالحميد، محمد(2015). نظريات الإعلام واتجاهات التأثير. ط4، عمّان: عالم الكتب.  



¾   Achyut, A. (n.d.). Spiral of Violence: Death of Spiral of Silence and a Farwll to Elizabeth Noelle-Neumann. Scientific Journal of Research, 1(2), 34–48.

¾   Chen, K. (2011) ‘A test of the spiral of silence theory on young adults' use of social networking sites for political purposes’ in Digital Repository at Iowa State University, pp. 1-95.

¾   Liu, X. & Fahmy, S. (2009) ‘Testing the spiral of silence in the virtual world: Monitoring opinion-climate online and individuals' willingness to express personal opinions in online versus offline settings’ in  Conference Papers. International Communication Association, pp. 1-36.

¾   Liu, X. and Fahmy, S. (2011) ‘Exploring the spiral of silence in the virtual world: lndividuals' willingness to express personal opinions in online versus offline settings’ in Journal of Media and Communication Studies 3(2): 45-57. Available online at http://www.academicjournals.org/jmcs

¾   Matthes, J., Rios Morrison, K. and Schmer, C. (2010) ‘A Spiral of Silence for Some: Attitude Certainty and the Expression of Political Minority Opinions’ in Communication Research 37(6): 774-800.

¾   Neill, Shelly A. (2009). The Alternate Channel: How Social Media Is Challenging The Spiral Of Silence Theory In GLBT Communities Of Color. (Thesis Of Master). The Faculty Of The Public Communication Graduate Program School Of Communication. American University Washington, D.C.

¾   Neuwirth, K. (2000) ‘Testing the spiral of silence model: the case of Mexico’ in International Journal of Public Opinion Research 12(2): 138-59.

¾   Neuwirth, K., and Frederick, E. (2004) ‘Peer and social influence on opinion expression: Combining the theories of planned behavior and the spiral of silence’ in Communication Research, 31(6): 669-703.

¾   Noelle-Neumann, E. (1974) ‘The spiral of silence: a theory of public opinion’ in Journal of Communication, 24(2): 43-51.

¾   Noelle-Neumann, E. (1991) ‘The theory of public opinion: the concept of the spiral of silence’ in Anderson, J. A. (ed). Communication Yearbook, Thousand Oaks, CA: Sage, pp. 256-87.

¾   Noelle-Neumann, E. (1993) The spiral of silence: Public opinion – our social skin (2nd ed.), Chicago: University of Chicago Press.

¾   Oh, W. Y (2011) Willingness to speak out: comparison between online versus offline communication. Presented at World Association for Public Opinion Research 64th Annual Conference in Amsterdam. September 21-23, 2011.


2 comments:

  1. أستفدت الكثير من المقال شكراً جزيلاً

    ReplyDelete
  2. اريد امثلة واقعية عن هذه النظرية ان أمكن

    ReplyDelete