Thursday, June 2, 2016

العلاقات العامة واقتصاد المعرفة


العلاقات العامة .. معرفة واقتصاد

تعد فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية الفترة التي غيرت مسيرة البشرية واتجاهاتها نحو العلم والمعرفة والإقتصاد والسياسة, وشهدت تلك الفترة وما تلاها اندماجاً للعلوم في منظومات الإنتاج وتحول المعرفة إلى قوة منتجة، وأصبحت المنجزات العلمية لاتستغرق سوى فترات قصيرة بين ظهورها كنظرية وظهورها كحقيقة ماثلة على أرض الواقع. وإذا كان "دانييل بيل" قد كتب عام 1967؛ إن متوسط طول المدة بين اكتشاف مبتكر تكنولوجي جديد وبين إدراك إمكانيته التجارية كان ثلاثين عاما في الفترة ما بين عامي 1880 و 1919، ثم انخفض إلى 16 عاماً في الفترة ما بين عام 1919 و 1945، ثم إلى 9 أعوام، فإني أظنه لو كان اليوم حياً وأتيح له أن يكمل عبارته لقال، ثم إلى بضعة أشهر لترى ما كان يبدو خيالاُ واقعاً عملياً.

وتأسيساً على كون اقتصاد المعرفة هو اقتصاد جديد فرضته الأنشطة المرتبطة بالمعرفة وتكنولوجيا المعلومات خاصة ما يتعلق بتكنولوجيا الإعلام والاتصال، ومن أهم ملامحه التجارة الالكترونية، وقد عرف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2003 الاقتصاد المعرفي بأنه : نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاية في جميع مجالات النشاط المجتمعي الاقتصادي والمجتمع المدني والسياسة والحياة الخاصة وصولاً لترقية الحالة الإنسانية باطراد، أي إقامة التنمية الإنسانية، ويتطلب الأمر بناء القدرات البشرية الممكنة، والتوزيع  الناجح للقدرات البشرية.

وتكمن علاقة جهاز العلاقات العامة باقتصاد المعرفة من خلال عدد من المؤشرات الأساسية منها؛ البحث والتطوير، والإتصال والاعلام، واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثة، والتي بمجملها تعمل على تحقيق عوائد اقتصادية للمؤسسة من خلال التخطيط والبحوث والاتصال، بمعنى أن العلاقات العامة تقدم المعلومة والمعرفة للمؤسسة وجمهورها الداخلي، بغية تحضير إمكاناتها في خطتها السنوية وتهيئة العاملين وإعدادهم وتطويرهم في تحقيق الاتصال الفعال مع الجمهور الخارجي.

وبناء على كون العلاقات العامة لها ارتباط وثيق بالتسويق سواء كان التسويق للخدمة أم للفكرة، إلا أنها في كلا الحالتين تمثل قوة هائلة في كسب الجمهور وضمه إلى جانب المؤسسة، وبالتالي فهي تكسب الجمهور الذي يؤمن بالفكرة أو يستفيد من الخدمة أو يستهلك منتجات المؤسسة، وهذا كله يمكن أن تختصر فيه العلاقات العامة جهودها من خلال استثمار تقنيات الاتصال الحديثة السريعة والجاذبة، عليه يكون في مقابل المعرفة أو الصورة التي تقدمها العلاقات العامة سيكون هناك مستهلك بشكل من الأشكال ليمثل مكسباً للمؤسسة، لاسيما في المؤسسات التجارية التي تتعامل بالعلاقات العامة الرقمية وقد هيأت أدوات تحقيق خططها ورفعت من مستوى ممارسي العلاقات العامة واستخداماتهم لتكنولوجيا الاتصال الحديثة، وصناعة البرامج الإتصالية المتخصصة، وبكلمة أخرى ستكون لدينا أجهزة علاقات عامة رقمية تمثل أحد أهم مصادر المردود المالي للمؤسسة، لاسيما وأن أغلب المؤسسات اليوم أصبحت فيها العلاقات العامة بوابة للتفاوض والاتفاق، ويتعدى الأمر إلى أبعد من ذلك من قدرة أجهزة العلاقات العامة الرقمية من نشر المعرفة الخاصة بموضوع معين يهم الجمهور الداخلي أو الخارجي، فالثقافة القانونية التي تقوم أجهزة العلاقات العامة الرقمية بنشرها وبثها بين الناس والتي غالباً ما تكون مدعمة بوثائق ومستندات قانونية وصور فعلية، فهي تمثل واحدة من خطوات نشر المعرفة التي تسهم في تقليص عدد الحوادث والمخالفات وحث الجمهور على الالتزام بمضمامينها، فهي من هذه النقطة تمثل مردودا ضمنيا للمؤسسة الكبيرة والمجتمع بشكل عام. ويمثل الإعلام واحدة من وسائل نشر المعرفة التي تسخرها العلاقات العامة الرقمية.

من هذا تحتاج أجهزة العلاقات العامة في مؤسساتنا إلى جهود تشريعية وإدارية للإلتحاق بركب العلاقات العامة الرقمية المتطورة التي تمثل مورداً اقتصادياً حينما نحسن استثمارها، وفي الوقت ذاته بوابة لصناعة الصورة الحسنة للمؤسسة، فهي تمثل أحد أهم عناصر المؤسسات الإدارية التي توفر الوقت والجهد والمال، وتحتاج أيضاً إلى إيجاد بيئة مشجعة من خلال رسم الأهداف الطموحة والحقيقية لمواكبة مسيرة التقدم العلمي في عالم الاتصال، والإرتحال من مواضع الركود والاتكال.

وفي هذا السياق ينبغي التركيز وضع الآليات والتصورات للتغلب على التحديات التي تواجه التحول نحو مكاسب الاقتصاد المعرفي من خلال العلاقات العامة، ومن ذلك تكييف السياسات الإدارية وتغطية تطوير المهارات، وتشجيع المنافسة وتعزيز روح المبادرة وتمكين وتشجيع المبادرات وتمكين العاملين من اكتساب المهارات والقدرات وتبني المسارات التي تتواصل مع المعرفة العالمية. فضلا عن الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في تطبيقات الإقتصاد المبني على نشر المعرفة من خلال تطبيقات الإعلام الجديد ومنصاته المتنوعة واستثمار ذلك في ممارسة العلاقات العامة.