Thursday, March 5, 2015

تناقض الخطاب الاعلامي

تناقض الخطاب الاعلامي
نجم العيساوي[i]
=======================
تمتاز الشخصية الانسانية بحب الغلبة والذات والحصول على المكاسب واسترضاء من بيده سلطان أو جاه، وهذه صفات ملازمة لطبيعة الانسان وان اختلفت فبقدر نسبي من انسان لانسان او من مجتمع لاخر، ويعود ذلك الاختلاف النسبي الى القدرات الذهنية التي أودعها الله تعالى الانسان، لكن قسطاً كبيراً من مظاهر هذه الصفات يمكن ان نرجعها الى النظام الاجتماعي القائم في ذلك المجتمع والاطر القيمية التي تتوارث فيه من خلال المنهجية الاجتماعية او السياسية التي تحكمه وينقاد لها الناس طوعاً أو كرهاً.

ويعتبر الحديث أو المقال الصحفي المطبوع من أهم ادوات التعبير الاعلامي عن الذات او الجماعة وغالباً ماتتصف الاحاديث الصحفية او المقالات بأنها اقرب الى التعبير عما يرغب الانسان بالتعبير عنه لتوفر الاستقرار الذي يسبق البوح، او التفكر قبل الادلاء بالحقائق، فهي تختلف عن الحديث الاعلامي المباشر او الاجابات الارتجالية لأي انسان وفي اي موقع، لكن الحديث المباشر هو اكثر وسيلة يمكن ان تأخذ منها الحقيقة بدون رتوش، لانها تعبر عما هو موجود فعلاً في ذهن الانسان ساعة الحديث، وليس له أن يتهيأ كثيرا ليغير الحقيقة او يزيف التصريح، ولطالما استفاد الصحفيون من الاحاديث المباشرة والارتجالية من الاخر في الحصول على حقائق وارقام وقرارات ما كان لهم أن يحصلو عليها بطلب كتابة المقال او تزويد المتحدث بالاسئلة مسبقاً.

على أية حال، فان اكثر الشخصيات التي تقع في التناقض الاعلامي هي الشخصيات السياسية سواء كانت برلمانية او حكومية او حتى شخصيات مستقلة خارج البرلمان والحكومات. وهذا يفسر بطبيعة النظام السياسي الموجود واليات تبادل السلطة ونوع العلاقات الدولية التي تحكم سياسة البلد مع العالم، ومهنية الجزء التنفيذي في النظام السياسي الحكومي ومدى رضا الناس عن الجانب التشريعي والخدمي فيه، حيث يكون في كل جزء من هذا النظام مؤيد ومعارض، وسيكون هناك ايضا من هو نفعي ومصلحي، أو حتى مبتديء في اللعبة السياسية لايدري اين يقف ولايعرف اين هو يقف، عليه فخطاب هؤلاء جميعا سيختلف تبعا لذلك، يضاف الى ذلك الخلفية الفكرية السياسية ومهارة التعبير عن البرامج والاهداف للشخص او الجهة السياسية، وضغوط الصفقات والوعود السياسية الخارجية او الداخلية، فيخرج الخطاب الى الفضاء الاعلامي بأوزان مختلفة ومتباينة وفي احيان كثير متناقضة.

أنواع الخطاب الاعلامي:
الخطاب السياسي: وهو الخطاب الذي يتضمن التعبير عن القيم السياسية المفترضة ويصف طبيعة العلاقات الداخلية للمنظومة السياسية في البلد عموماً وغالبا مايقوم بهذا الخطاب شخصية سياسية، ويهدف بطبيعته النظرية الى تحقيق مصالح عامة.

الخطاب الحزبي: وهو نفس الخطاب السياسي الا انه يتضمن التعبير عن القيم السياسية لحزب ما، ويصف طبيعة العلاقات الحزبية والتنظيمية لذلك الحزب، ويهدف الى مكاسب حزبية ومصالح محددة.

الخطاب الفكري: وهو الخطاب الذي يتم التعبير فيه عن القيم الفكرية الجامعة ويتصف بكونه يحاكي المنطق والعقل وهو خطاب تفسيري يستخدم منهج التحليل الكمي والكيفي في الاقناع، وغالبا مايكون هذا الخطاب هو خطاب لاهداف تثقيفية او توعوية او سياسية لغرض الترويج لفكرة او توضيحها وتفسيرها.

الخطاب العقائدي او الديني: هو الخطاب الذي يتضمن افكارا عقائدية وحقائق ايمانية اعتقادية يتبنى هذا الخطاب دعاة الاديان والافكار الشمولية ويهدف هذا الخطاب الى التبشير او التعليم او التذكير او الترويج لفكرة او حقيقة دينية او عقائدية عامة لغرض تبنيها او الايمان بها. ومن ذلك الخطابات الدينية التي تدعو الى الايمان بشيء والكفر بشيء اخر وبشكل واضح وصريح.

الخطاب الاجتماعي: يتضمن هذا الخطاب قيما مجتمعية واخلاقية عامة ويدعو الى مباديء مشتركة للبيئة التي يوجه لها الخطاب، او مشتركات انسانية عامة يمكن ان يتفق عليها المجتمع الانسان بصورة عامة لانها تنطلق من حقائق انسانية شاملة لاتتحدد بمجتمع او نظام معين، كالدعوة الى الفضيلة والاحترام.

الخطاب الرسمي: وهو الخطاب الموجه من جهة رسمية سواء كانت تشريعية او قضائية او حكومية او أممية الى جمهور الناس بغية وصف حالة سياسية او تشريعية او قضائية او حكومية معينة لوضع الناس بصورة مايحدث وتحقيق التواصل معهمن وغالبا ما تكون هذه الخطابات في المناسبات السياسية او الازمات او الانفراجات المحلية او الدولية.

الخطاب الجماهيري: وهو الخطاب الذي يقوم به شخص ما او جهة ما رسمية او غير رسمية حكومية او غير حكومية ويستهدف الجمهور الخاص المؤيد او الجمهور العام بغية اعلامه او اقناعه وغالبا ما يتم من خلال وسيلة اعلام جماهيرية كالتلفزيون والاذاعة او الميادين والساحات العامة التي يتجمع فيها الناس بلا محددات.

تناقض الخطاب:

دائما يقال ان الانسان عدو مايجهل، ثم ما ان يالف شيئا حتى يصاحبه بشكل من الاشكال، وكثير من تلك الامور التي كان يتردد انسان ما الاقتراب منها تراه بعد فترى يخوض فيها، وهذه طبيعة اجتماعية مقترنة بعلم الانسان او جهله، حبه او بغضه، ايمانه او انكاره، ومن ذلك يتعدد خطاب الانسان حتى انه ليقع في بعض الاحيان بالتناقض في الخطاب لوجود اصول راسخة في ذهنية الانسان لم تتزعزع بعد تعبر هذه الاصول عن قيم او اخلاق معينة التحقت بها بعدئذ جملة مستجدات تبدو لاول وهلة انها متناقضة وقد تكون فعلا كذلك، فهنا يبدأ الصراع الخطابي خاصة لمن لم يعرك الحياة الجديدة بعد ولم يمتهن المهارات الكافية لتوظيف المستجدات لخدمة الاصول او العكس.

أسباب التناقض في الخطاب الاعلامي:
-         الضعف السياسي
حيث يكون القائم بالخطاب ضعيف الفقه السياسي ولايملك أرضية أو تجربة سياسية تمكنه من مواكبة التغيرات التي تشهدها الساحة السياسية على المستوى الحكومي او التشريعي فتصبح بضاعته قليلة ولايقوى على مواكبة المستجدات والتعبير عنها بحذاقة ولباقة وفطنة. أو ان البيئة التي يمثلها لازالت تخوض جولات الحوار والتفاوض مع الاطراف الاخرى ولم يجتمع الرأي على قرار ما، فالتصريح والخطاب اثناء مخاض الاتفاقات السياسية غالباً مايعتريه التناقض والتردد وعدم وضوح أول الكلام من آخره.

-         ضعف المهارة
وبعض التناقض يأتي من عدم تمكن المتحدث من مهارات الحديث والخطاب فلايبدأ البداية الصحيحة وبالتالي ينتهي نهاية خاطئة، او انه يبدأ بشكل صحيح لكن الحديث يستدرجه بصورة عاطفية الى البوح بامور ليس له ان يبوح بها او أنه يستعجل الامور لضعف ملكته في التحكم بحديثه.

-         ضعف القناعة:
وقد يكون المتحدث غير مقتنع تماما بما يقول او بما يمثله، وبالتالي يقع في تناقض القول بين مايؤمن به وما يطلب منه ان يقال خصوصا عند تمثيل جهة او شخص ما، وسبب عدم القناعة اما لعدم صحة المضمون او لعدم بلوغ المتحدث الى قناعة كاملة بما يجب ان يقول، ولاسباب منها تتعلق بقدراته الذهنية او بالغموض الذي قد يحيط بقضية ما ولم يحط بها خبرا.

-         ضعف المبدأ:
واحيانا يكون ضعف المبدا وبطلانه هو السبب في تناقض الخطاب، وهذا يكون عندما يؤمن المتحدث ان المبدأ الذي الزم به باطل وفيه مخالفة واضحة ويحمل التناقض في أصله، فهنا يحدث التناقض في الخطاب الاعلامي ويبدو اكثر حينما يكون المتحدث شخصية ذات استقلالية فكرية او منهجية معينة، فيلجأ الى هدم ما بدأه، وربما يبدأ اصلا بغير الصورة التي طلب منه الخطاب بشأنها.

-        
-       اشغال الرأي العام:
وهذا وان كان قليلا الحدوث لضعف المهارات فيه غالباً، فانه يحدث أن يتعمد بعض المتحدثين او الناطقين بذكر حقائق او اقرارات متناقضة بهدف اثارة الراي العام واشغال الجمهور العام والخاص بتحليلات التناقض وكشف اسباب ومبررات ذلك، وقد يجد ذلك من بعض الجهات دعماً خطابياً تحليليا خصاة من قبل بعض وسائل الاعلام التابعة لذلك الطرف والقاء هذه الكرة في ساحة الجمهور لينشغل بها زمناً أو لغرض تمرير شيء ما خلال ذهول الناس في التحليلات والتبريرات .


وسائل الاعلام والتناقض الخبري:
ويكثر في وسائل الاعلام نقل وبث الاخبار المثيرة خاصة اذا كانت تحقق سبقاً صحفيا أو اعلامياً ومتوافقة مع اجندتها وأهدافها. وفي بعض الاحيان تعمد وسائل الاعلام الى نقل خبر دون أن تتاكد منه لمجرد أنه سيحدث صدى في اوساط الجمهور، ثم تعتذر عنه اذا تبين خطأ المصدر أو عدم صحة المضمون، لكن هذا لايلغي بعض الاثار التي سيخلفها نشر الخبر الاول، وبالتالي فان كثرة هذه التناقضات تدلل إما على سياسة خلط الاوراق وصناعة صورة ذهنية معينة، أو هو تخبط اعلامي وغالبا ما تخشى وسائل الاعلام ان تقع في ذلك وتتجنب الضعف الاعلامي خشية ان تفقد جمهورها ومتابعيها.

وهكذا تشهد الحياة السياسية والاعلامية تناقضات متعددة في الخطاب مرد ذلك الى اسباب مختلفة جزء منها يعود الى طبيعة الشخصية وجزء اخر يعود الى طبيعة البيئة السياسية التي يقدم فيها الخطاب السياسي او الاعلامي.







[i] كاتب واعلامي عراقي [najmaleessawi97@gmail.com]

No comments:

Post a Comment