Thursday, March 5, 2015

لعبة الاعلام وحرب المصطلحات

لعبة الاعلام وحرب المصطلحات..
نجم العيساوي[*]
========================
ان الاعلام - كما هو معلوم - تجاوز وظيفة نقل الاخبار وتقديم الدراما، ومتابعة الاحداث، الى صنع الخبر والحدث ورعايته، واكثر من ذلك مشاركته في صنع القرارات الدولية في قيام الحروب او الانقلابات والثورات وزعزعة الامن، في اشارة واضحة الى الاندماج الواضح والصريح -ولو بشكل غير معلن- بين المنظومة الاعلامية مع المنظومة السياسية الدولية.

إن وسائل الاعلام اليوم تخوض حرباً عالمية ليس بالنيابة كما يقال، وانما هي حرب بالاصالة، ومع سبق الاصرار، تستخدم فيها شتى اساليب الحرب الكلامية والصورية، وممارسة الاغتيال الاعلامي، متجاوزة بذلك تناول الالات العسكرية مباشرة وبيدها الى دفع وكلائها او ضحاياها للقيام بهذه المهمة على الارض لتبقى هي راعية الحرب من خلال الفضاء الاعلامي ومن خلال استخدام الكذب الصراح والتدليس والمبالغة والتأجيج واساليب اخرى مستغلة تنوع الشعوب وتعدد الجنسيات وتباين الطوائف ملهبة الثارات والنزاعات، لتصنع حروبا بين الناس بلا مبرر انساني سوى الطغيان العولمي وروح التوسع والاستعباد.

ان الحرب الاعلامية تعتبر اليوم من أشد الاسلحة فتكاً بالناس وهي إن لم تبدُ نتائجها بصورة فورية لكنها لن تتأخر كثيراً وان بدأت سيكون الصراع وخيماً وشديداً بلا هوادة، خصوصا ان الاعلام الدولي يؤمن بمبدأ " زرع الفكرة بصورة بسيطة لتنمو وتكبر بشكل طبيعي"، لاسيما ان وسائل الاعلام الراعية للارهاب وللحروب ستبقى تؤجج من نار الحرب المستعرة حتى يهلك الابرياء ويحترق الاخضر واليابس، لتترك ارض المعركة هشيما تذروه الرياح، والناس بين فقيد او جريح، او عاجز عن الكلام والصياح، وبعدئذ ستدخل مجاميع نهب الثروات وتقاسم السلطات وستمثل وسائل الاعلام تلك دور رجل الانقاذ ليرش الماء على الرماد، ويضع الضحايا في الاكياس، ويظهر بصورة المتفضل في دفن الموت بعد سحقهم.

ان وسائل الاعلام تقف وراءها مصانع كبيرة وورش ضخمة تصمم هيكل الحروب وترسم خطوات اثارتها وتضع خريطة تناولها مقرونة بسقوف زمنية محددة، وموزعة لمهام اطرافا ورافد دعمها واسنادها، لتشرع وسائل الاعلام بتنفيذ هذه الاجندات والتصاميم بطريقة حرفية ومنهجية من خلال برامجها وحواراتها ومضامين اخبارها، وبهذا تقوم وسائل الاعلام المجندة بدور كبير في الخطوات الاستباقية للحروب لتمهد لها اسلوب المواجهة وتهيئة اطراف النزاع وترشيح ارض الصراع وموطن اللقاء، لتكتمل الخطوة الاولى بالاعداد و"صناعة العدو" والتحشيد ضده أمام الراي العام، لتتلوها الخطوة السياسية في قرار التوقيت وبدء المواجهات واشتعال حرب جديدة وهكذا..

حرب المصطلحات:
ومن الاساليب السياسية والاعلامية الجديدة في الحرب على الاخرين هو استعمال مصطلحات وعبارات تأجيجية أو ترويجية أو تشويهية أو تمهيدية كخطوة من خطوات مسيرة تنفيذ اجندة معينة، والاعلام هنا يقع عليه الجزء الاكبر في اشاعة هذه المصطلحات وترويجها بطريقة يُخيل للجمهور أنها مصطلحات حقيقية ناتجة من فعل سابق، لكن الحقيقة هي صناعة جديدة يشترك فيها اباطرة الاعلام والسياسة ودهاقنة الحرب، وهي اساليب لا أخلاقية اعتاد عليها من يسلك سبيل انتهاك الحقوق والحريات والهيمنة اللامشروعة في ظل اندماج أو خضوع بلاد العالم الثالث للسيطرة الغربية او الشرقية وغياب وحدة الهدف الانساني تحت سطوة التفرق والتشتت التي تعاني منها دول العالم الثالث خاصة، والانقياد السياسي والامني والاقتصادي لسطوة المارد الراسمالي بعد الاشتراكي.
ومن ابرز المصطلحات التي استخدمها الاعلام الغربي الراسمالي والشرقي الاشتراكي ونقر على اوتارها هي: [الحرب القذرة – الارهاب – تهديد الامن العالمي- التمييز العنصري- التمييز الطائفي – الاغلبية – الاقلية- المناطق المتنازع عليها- التطبيع- التطرف- الفكر التكفيري – العنف-... الخ ]
هذه المصطلحات وغيرها استعملها الاعلام وسخرها القوي ضد الضعيف، والصقها بكل من يحاول رفع الظلم عن نفسه، ووصل الامر الى أن من يدافع عن نفسه ولو بكلمة، يجد وسائل الاعلام قد تهيأت واستعدت للنزال والقت حمم براكينها الكاذبة لتزعم ان هذا ارهابي متطرف يؤمن بالعنف ويلغي الاخر ويمارس التمييز الطائفي والعرقي، ومع كل هذا الجهد الاعلامي المضلل لن تجد من اعلام اخر يمكن ان ينصره او يقول الحقيقة، الا حروفا تقال على استحياء ووجل، وان قيلت فهناك من يعلن الحرب على وسائل الاعلام تلك.

الاعلام والسياسة قرينان:
كما قلنا فان الاعلام اليوم قرين السياسة ولايكتفي بمتابعة الحدث بل يصنعه، ولهذا تجد بلاد العالم الثالث تغص بتنظيمات مسلحة او سياسية تولد بين لحظة واخرى، وتولد قوية مدعومة تمارس البطش والقوة ضد ابناء جلدتها، وهذا لاشك يدخل ضمن القدرات العالمية للهيمنة والسيطرة وتحقيق الاجندات بطريقة الحرب بالوكالة، وهنا ايضا يبرز دور الاعلام في الترويج لهذه التنظيمات حتى اذا ما انشغل الناس في مواجهة هذه التنظيمات او التهرب منها، كانت هناك صناعة جديدة لتنظيم اخر او شخصية اخرى، لتبقى الشعوب المستهدفة رهينة المستجدات تجرع سم الصمت أو نار الحرب، فهي بين المطرقة السندان.
ومن اساليب حرب المصطلحات ايضا هو الترويج وممارسة ارهاب الصحة النفسية، وقد حدث ان تم اشاعة مصطلحات لبعض الامراض والفايروسات المفترضة والصاقها بشخصيات او دول من اجل اشاعة الفوضى وممارسة التضليل لتمرير صفقات معينة تحت جنح ليل الضغط النفسي الذي يتولد نتيجة اشاعة تلك المصطلحات او تسخيرها لارهاب الناس ومن هذه المصطلحات التي تم استغلالها او صناعتها لذلك الغرض: [الجمرة الخبيثة – انفلونزا البقر – انفلونزا الطيور – فايروس الكورونا... الخ.].
وهذ يدعونا أن نحاول فهم اللعبة لعبة الاعلام والسياسة، وان كنت ازعم أن اللعبة كبيرة جدا بدأ الغزل عليها من سنين طوال دخلت فيها منظومات ودول واموال وشبكات اقتصادية وبالتالي فمن الصعب الوصول الى جميع خيوط اللعبة وفهم غزلها او تفكيكه، لكن ما لايمكن انكاره ان هناك لعبة قذرة يمارسها الاعلام العالمي ضد دول العالم الثالث وان المصطلحات التي يتعامل بها هي اما مصطلحات موجودة في كل شعوب الارض يستغلها الاعلام في تأجيج الفتن والحروب والمصالح الخاصة، أو أنها مستحدثة من صنيعته ليضرب بها دولا آمنة ويستنفر كل مواطن الخلاف البشري او الطائفي او العرقي ليشعل حرباً يخسر فيها جميع الاطراف الا من اشعلها.
واليوم لابد أن تنتبه شعوب العالم الثالث الى الاعلام الموجه سلبا اليهم لاشغالهم والى ضرب وحدة بلادهم ولحمة مجتمعاتهم، وبقدر ما يجب ان يتمتع به نظام الحكم في اي دولة بنوع من الدبلوماسية والعلاقات العامة الدولية الا انه يجب أن لايبقى خاضعا للهيمنة الغربية بطريقة الاستسلام الكامل، فهي سياسة ستأتي عليه كما أتت على غيره من قبل، ولا أمان على الثور الاسود بعد أن قضي على الثور الابيض.
وعند الحديث عن شعوب العالم العربي تجد أن الاعلام الغربي خاصة قد جند نفسه وامكاناته لاجل ابقاء هذه الدول وشعوبها رهن اشارة المنظومة الغربية ان حرباً فحرب أو سلماً فسلم، أو ربما إن سلماً فاستسلام، لذا تجد اغلب وسائل الاعلام الغربية – وبعض وسائل الاعلام العربية في المركب الغربي ذاته- تتناول مواطن التنوع في شعوب هذه الدول كأنها غابات تحترق أو انها تسونامي المحيطات، وتظهر اي خلاف في الراي على انه خلاف طائفي، وبالطبع فانه مهيأة لذلك جندها الطائفيين الذين سيحيلون اختلاف الراي حقيقة الى خلاف طائفي حقيقي، فكلا اليدين تعملان بالتكامل والتنسيق فيدٌ ترصد ويدٌ تدعم وتساند وتجند، وهذا ماجرى في اغلب بلادنا العربية واستطاعت المنظومة الاعلامية  ان تحشد لذلك وتنجح في اثارة الحروب والفرقة واضعاف هذه الدول واستسلامها للدول "الكبرى".
يضاف الى ذلك الجهد الاعلامي العربي نفسه، والذي ينقسم الى إعلام تابع يعبر عن أجندة سياسية ضيقة وضيقة جداً، أو إعلامٍ مدجن ومذاب في سوْرة ونشاط  الحركة الاعلامية العامة، أو إعلام ضعيف أو مسخر لاستعراض ماخف من الطرب والفنون، وقليل ذلك الاعلام الذي يتناول قضايا الامة بروح سامية واساليب هادفة.
ويتنامى الخطر اكثر عندما تردد وسائل الاعلام العربي المصطلحات ذاتها التي صنعها الاعلام السياسي الغربي وسخرها لخدمة الاجندات السياسية التي تروم التوسع والاستعمار والاستعباد واثارة الحروب في العالم الثالث، وتبدو بعض وسائل الاعلام العربية منتشية عندما تردد تلك المصطلحات تحسب أنها في اكتشاف جديد او اختراع اعلامي مبهر، وتستجيب من حيث تعلم او لاتعلم الى رغبة الاجندة السياسية واهداف واضعيها، وتكون بذلك قد اختصرت الجهد والوقت ووفرت عناء ترويجها وتكاليف اعلاناتها واقناع رجال الصحافة ومؤسساتهم.
من آثار المصطلحات المصنعة:
ان للمصطلحات المصنعة في ورش التصميم السياسي والاعلامي ودهاليز التخطيط والهيمنة تأثيراً بالغاً على ذهنية المتلقي للرسائل الاعلامية والتي غالباً ما يتم تكرارها بصورة مكثفة وبطريقة مخططة ومدروسة حتى يصدق ما لايُصدق، ويتحول بعض المتلقين الى ابواق تروج تلك المصطلحات، وتبني عليها الشائعات، وبعض الانظمة تقنن لها القوانين حتى لو لم تتضمن روح القيمة او السلوك الذي يحتاج الى تقنين، لكنها استجابة تحدث بصورة مقصودة في اغلبها خاصة من الجهات المستفيدة، واحيانا بصورة عفوية من قبل عموم المتلقين لكنها تؤدي الى النتيجة ذاتها، فتلحق ضرراً بالغاً بأمن الناس وحقوقهم واستقرارهم وولائهم لاوطانهم، وتسع الفجوة بين الحاكم والمحكوم وبين المتنفذين والجمهور، وبين فئة واخرى، ويقف عندها المجتمع على كف عفريت يفقد بوصلته وقدرة السيطرة على مجريات الامور، وتخرج من يده سلطة القرار والاستقرار.




[*] كاتب واعلامي عراقي [najmaleessawi97@gmail.com]

No comments:

Post a Comment