الاعلام
المصري.. وأزمة النظام
=======================
لايمكن بحالٍ الوقوف على صورة الاعلام المصري البعدية او
الحالية دون أن نقدم بين يدي ذلك وصفاً أولياً عما كانت عليه قبل ذلك.
ان المتتبع لصورة الاعلام المصري قبل الثورة يجده لايعدو
أحد صورتين؛ صورة الاعلام الذي ينطق بهوى الحاكم وبطولاته واظهار أن ابتسامة
الحاكم لشعبه تعدل معجزة من معجزات الانبياء، وان ابناء الحاكم وحاشيته فيهم من
الورع والتقوى مايفوق ورع وتقوى حواري الانبياء وصحابتهم.
والصورة الاخرى تمثل الفن بكل تفاصيله التي يوجد فيها
جانب من الخير لكن الشياطين تعشعش في تفاصيلها فهو اعلام يركز على امتاع الجمهور
بمشاهد النكتة والفكاهة تارة، والفروسية والمطاردة تارة اخرى، والاعم الاغلب في
الصورة هو استغلال المراة في الجانب السيء كسباً للمال والشهرة، وتدميراً لما
يتجلجل في صدور الناس من قيم واداب.
وحتى لانوصف بالمبالغة نستثني من تعميمنا بعض المنتجات
هنا وهناك لاتتجاوز اصابع الكف؛ كانت تعنى بالجانب التنموي والاصلاح الاجتماعي..
اذ كان الاعلام –ايجازاً- كما هو في اغلب البلدان المستقرة رهن الحاكم والتاجر
وحسب.
أمّا بعد الثورات والانقلابات:
بعد الثورة المصرية انقسمت وسائل الاعلام المصرية الى
وسائل ذات توجهات مختلفة ومتباينة وذلك بسبب حالة الاستقطاب السياسي والدولي وبدأت
من ذلك الحين مواجهات اعلامية بين وسائل الاعلام كلٌ حسب توجهه..
ومن ابرز المشاهد الملفتة للانتباه هو عودة وسائل اعلام
النظام القديم لتروج للاخفاقات والمشاكل التي تعتري تشكيلة النظام الجديد لتؤكد من
خلال منتجاتها ميولها ورغباتها ان تبقى بوقاً يردد صدى الحاكمين اكثر منها صوتاً
يعبر عن حقيقة او صورة للواقع الجديد..
ومن ناحية اخرى، صُنّعت برامج جديدة لتؤدي من خلالها بعض
وسائل الاعلام والفضائيات خاصة منها دوراً غريباً ومشبوهاً في تأجيج النزاعات
والسجالات واثارة الفتن ونشر الكراهية في منحى خطير جعل مصر ام الدنيا على كف
عفريت فإما يلتهمها او يلقي بها في بحر من الصراعات ولجج من الخلافات كانت مصر في
غنى عنها لولا ترسانة الاعلام الظالمة والتي سهّلت مخططات الغرباء في قطع الطريق
على التغيير الديمقراطي والسلمي..
ولعل من ابرز الاسباب التي تكمن وراء هذا الانحدار
الشديد لسلوكيات الاعلام المصري هو غياب الحس الوطني في القائمين على هذه الوسائل
ووقوعهم في حبائل المال الحرام الذي غذوا به من الجهات التي تعشق ان يحكم مصر
فراعنة غلاظ شداد على شعب مصر، متميعين متنازلين لصفعات الصهيونية ومخططاتها..
لقد كان المؤمل للاعلام المصري –استنادا الى الصورة
النمطية- ان يسهم في بناء الراي العام بناءاً ايجابياً ويتجنب الاشتراك في مهزلة
تديرها الهيمنة الغربية على بلادنا العربية، لكنه تجاوز كل مواثيق الشرف الاعلامي
بل حتى الانساني.. وصدق من قال ان من الضمائر ماتشترى بالمال، وفعلا فقد خاب الامل
وخاب المؤمل.
الحريات الاعلامية:
ان تقرير مرصد الحريات الاعلامية التابع لمؤسسة عالم
جديد للتنمية وحقوق الانسان- احدى جمعيات العمل الاهلي في مصر قد رصد عدداً من
الكوارث الاعلامية في التعامل مع مايجري في مصر، منها عدم لجوء الصحف قومية او
مستقلة للتدقيق في المعلومات وتوثيقها والاعتماد على شهود عيان، وعد توفير معلومات
كافية تساعد القاريء على تكوين رؤية واضحة وسليمة عن الاحداث.
ومما اشتهر في الاعلام المصري الارتجال في كل شيء الامر
الذي اسهم بشكل كبير في اضطراب الجمهور تبعاً لاضطراب وسائل الاعلام، خاصة ان
لوسائل الاعلام دورا كبيرا في تحديد اولويات الجمهور حسب نظرية ترتيب الاولويات،
بل صار الامر ادق من ذلك بكثير فصوت واحدٌ في الاعلام قادر اليوم على ان يهزّ
الملايين سلبا او ايجابا.
ان الاعلام المصري قد استغل مواضع القوة في الشعب المصري
ليحيلها بالحيلة والخداع الى مواضع ضعف وهدم، فألب التنوع الفكري والثقافي ليصوره
اشبه بموقد نارٍ كثر نافخيه، واهمل الدور الحقيقي في تبن اجندة وطنية واضحة جامعة
لتوعية المواطنين، ولا اصفه بأقل من انه اساء الى شعبه من خلال لعب دور الهزل
والمسخرة والتمثيل تارة او التاجيج والاثارة والتهريج تارة اخرى، فهو يرتكب
الخطايا عن عمد وقصد مع سبق الاصرار والترصد.
وبالتالي فان الاعلام المصري ساهم في نشر الخوف والذعر
وزعزعة الامن العام ولعب على اوتار ماكنا نعهد منه ذلك لكنها تغيرات المواقف وتبدل
لحن الوطنية بسلم النفعية وجعل من جمهوره باكيا حزينا.
واليوم يمكننا القول ان الاعلام المصري فقد مصداقيته يوم
اصرّ على عد ايصال الحقيقة بل وتشويهها ومجاراة الانظمة كيفما تكون؛ فاشية او
نازية، دكتاتورية او طائفية، مما جعل أم الدنيا – مصر – اشبه بدولة الاقطاعيين؛
نبلاء وعبيد.
وياليت نصحي ينفع فانصح ان يعود الاعلام المصري الى
ضميره، وان يعمل جاهدا على الانتصار لارادة شعبه وعدم الخوض مع الخائضين حتى
لايلقى مصير الهالكين.
No comments:
Post a Comment