السلطة الرابعة
المـــــال أم الاعـــــــــلام ..
========================
أن أساس أي نظام ديمقراطي في العالم وجود سلطات ثلاث ومستقلة وهي؛
التشريعية والقضائية والتنفيذية، وقد تموضع الاعلام من حيث التأثير كسلطة رابعة
بعد السلطات الثلاث ذلك لما تقوم به وسائل الاعلام من أدوار كبيرة في التغيير
والضغط والرقابة والمتابعة وكشف المستور وفضح الفاعلين واللاعبين على الساحة
السياسية والاقتصادية بطريقة جعلت من الاعلام سلطة تُخشى، وقد ساعد على ذلك
القانون العالمي لحرية التعبير والصحافة والاعلان العالمي لحقوق الانسان، وكذلك
اسهمت الممارسات الديمقرطية بصورة عامة في تعزيز هذه السلطة ودورها الفاعل في
الحياة الاجتماعية والسياسية على حد سواء.
ويمارس الاعلام وظيفة اظهار
البعيد قريباً والقريب بعيداً، اضافة الى تحجيم الكبير وتكبير الصغير، أكثر مما
تفعل السلطات الثلاث من الناحية الفعلية، فالاعلام اليوم بإمكانه أن يقرب بين
شرائح المجتمع ويمد جسور المودة بين المتخاصمين ويمهد للصلح بين المتنازعين ويحقق
الانسجام بين الخصوم السياسيين الى حد ما، لكن في الوقت نفسه يمكن لهذا الاعلام أن
يوتر العلاقات بين المنسجمين ويشتت جهود المتفقين ويدخل البغضاء في عقود
المتعاقدين ويصنع شروخاً في العلاقات الاجتماعية والسياسية، فيفكك المجتمع ويؤجج
الصراعات والنزاعات.
فما الذي يجعل وسائل الاعلام تحذو بهذا المنحى دون ذاك؟ هل هي طبيعة
الاعلام ذاته؟ أم هي طبيعة المال والتاثير السياسي على وسائل الاعلام؟
المال الاعلامي.. بين الحاجة والتأثير
لاشك أن لكل وسيلة اعلامية هدفها واجندتها، والتي تسعى الى تحقيقها بكل
الامكانات التي تتوفر بين يديها، وبكل السبل التي تتتيح لها الوصول الى تلك
الاهداف.
فمن وسائل الاعلام ما تولد ويولد معها المال من خلال توفير الدعم لها من واضع
اجندتها وصانع سياساتها، فيكون الممول لها أو المسؤول عن ذلك؛ إما المالك الحقيقي،
أو من يمثله، او الجهة الحكومية التي ترعى هذه الوسيلة لما ترى انها ستحقق هدفا من
اهدافها او تروج لبرنامجها وسياستها.
وهناك وسائل اعلام اخرى ولدت ولادة قيصرية – اذا صح التعبير – اذ لم يتم
دراسة او تهيئة سبل الدعم والاسناد المالي لها، لكنها ولدت لحاجة مؤقتة أو رغبة
تنافسية مستعجلة على مدخر من مال لدى مطلق الوسيلة الاعلامية، وهذا يكثر اوقات الازمات والفوضى الاجتماعية والسياسية
والعسكرية.
كما ان هناك وسائل اعلامية تنطلق الى الفضاء بعد دراسة ملية وجهد مدروس
وخريطة مخطط لها، واهداف مرسومة بدقة وعناية، فهي تعرف لماذا ومتى تبدأ ومتى تسرع
الخطى، وتعرف مصادر دعمها وكيفية الحصول على الدعم المشروع، سواء من خلال طبيعة
عملها الاعلاني أو من خلال تبنيها لمشاريع مجتمعية تجد من يرعاها يقيناً.
وقليل هي تلك الوسائل الاعلامية التي تخرج الى العالم دون أن يكون وراءها
جهد مالي او سياسي، والتي ان وجدت ستكون ضعيفة لاتعد عند الحساب، ولاتفتقد عند
الغياب.
وفي وسط هذا الخضم سيكون هناك إعلام تحكمه شريعة الغاب، والذي يدين بمنطق
الابتزاز والمساومة مقابل الحصول على مكاسب مالية او سياسية، وهي ممارسات تقوم بها
بعض وسائل الاعلام التي خطت لنفسها أن تكون إما أداة ضغط وابتزاز في اصل تكوينها
أو وجدت ذلك سبيلاً للحصول على المال والاستمرار ولو بطريقة تخرق مواثيق الشرف
الانساني فضلا عن الشرف الاعلامي.
اذا من يحدد نفوذ أو قوة سلطة الاعلام؟ الهدف أم المال؟
ان المال عصب حياة الاعلام، وهو الوقود الرئيس الذي يزود ماكنة الاعلام
بالقدرة على الاستمرار والتجديد، والمنافسة لاسيما في عالم الاعلام السريع
والمنطلق بقوة نحو الابداع والتجديد والاقناع وجذب الجمهور.
ان للمال الراسمالي الفضائي دوره الكبير في الضغط على الساحة الاعلامية
عموماً وعلى الساحة الاعلامية العربية خصوصاً في فرض اصطفافات معينة قد تقترب او تماثل بعض الاجندات الاعلامية لبعض
الوسائل أو انها مغايرة تماماً وهنا يأتي دور الترويض المالي والذي غالبا مايأتي
متدرجاً لينطلق بعدها بسرعة عالية،
فالمال اذا هو أحد أهم العناصر التي تؤسس عليها الوسائل الاعلامية، وسيكون
أحد أهداف تلك الوسيلة هو ديمومة الحصول على المال، لاستمرار العمل وضمان التواصل
مع الجمهور، والمضي في عرض الاجندة السياسية او الاجتماعية التي تحملها وسيلة
الاعلام تلك، ومن خلال الاستقراء وجدنا أن معظم الوسائل الاعلامية تعمد الى بعض
الاساليب الخاصة بطبيعتها للحصول على المال وضمان ديمومة العمل فيها..
وسائل الاتصال والمال الاعلامي:
-
الاعلانات والدعايات والترويج:
في تعريف الجمعية الأمريكية للتسويق، الإعلان هو: "مختلف الأنشطة التى
تؤدى إلى نشر أو إذاعة الرسائل الإعلانية المرئية أو المسموعة على الجمهور لغرض
حثه على شراء سلع أو خدمات، أو من أجل التقبل الطيب لأفكار أشخاص أو منشآت معلن
عنها".
اما الدعاية فيقصد بها: " النشاط الذى يؤدى الى التأثير فى عقيدة
(تفكير) الجمهور، سواء لجعله يؤمن بفكرة أو مبدأ معين، أو من أجل صرفه عن فكرة أو
مبدأ يؤمن بها, ولها وسائل متعددة منها: الإعلان, الإعلام, الخطب والأحاديث
والمناقشات, تنظيم الاجتماعات, عقد المؤتمرات والندوات, تأليف الكتب والقصص, ترويج
الاشاعات....إلخ".
ومهما يكن فان مايعنينا هو المعنى الشامل، وهذه جميعها تعتبر من مصادر جلب
المال لوسائل الاعلام، حيث تقوم بعمل الدعاية والترويج والاعلانات لصالح مؤسسة او
حزب او جهة رسمية او غير رسمية مقابل مبالغ يتم الاتفاق عليها.
-
التدريب الانتاج (معاهد وشركات)
وبعض وسائل الاعلام تضيف الى جانب مهمتها في الخبر والدراما قيامها باداء
مهمة التدريب الاعلامي او الانتاج الاعلامي من خلال معاهد او شركات مسجلة باسم
وسيلة الاعلام او تحت عنوان اخر.
-
الرعايات
المقصود بالرعايات هو تبني برنامج من برامج الوسيلة الاعلامية من قبل جهة
او شخص ما، يخدم هذا البرنامج او الفقرة الاعلامية هدف الراعي سواء كان الهدف
سياسيا او تجاريا او اجتماعيا او توعوياً عاما. أو ان تقوم بعض الجهات بتوفير بعض
المواد الاعلامية من حسابها لعرضها في هذه الوسيلة او تلك لغرض تحقيق مصلحة ما.
-
الدعم الرسالي والهدايا والمكافآت:
نقصد بالدعم الرسالي هو الدعم المقدم من قبل جهة او شخص ما يؤمن برسالة
الوسيلة الاعلامية ويتبناها، ويجد ان دعمها يحقق له ما يسعى هو لتحقيقه، ويفتح لها
ابواب الدعم الاخرى ويغمرها بهداياه، واحياناً يقدم المكافات للعاملين فيها خاصة
باوقات الاعياد والمناسبات.
-
الدعم الاعتيادي (من المالك)
اما الدعم الاعتيادي فيقصد به مايقدمه المالك والمؤسس لوسيلة الاعلام، او
ما يستحصله من خلال علاقاته او مكانته وغالبا مايكون شبه التزام شهري او سنوي.
-
المساومة والابتزاز
وهناك اسلوب تعمد اليه بعض الوسائل الاعلامية تخترق فيه جميع المنظومات
الاخلاقية الانسانية والاعلامية وهو اسلوب المساومات وعقد الصفقات الترويجية
الدعائية مقابل مناصب سياسية او مكاسب مالية بغير وجه حق، وغالبا ماتستخدم الوسيلة
الاعلامية هذا الاسلوب من خلال قيامها بدور جماعة الضغط او اللوبي
"اللاخلاقي" بغية تحقيق اجندة عادة ماتكون على حساب مصالح الجمهور
الاعظم من الناس.
وفي حالة اخفاق اي صفقة "ابتزاز" من هذا النوع تقول وسيلة
الاعلام بالتنكيل بالطرف الاخر مستخدمة ابشع اساليب التشويه والتضليل والتشهير،
ونشر الغسيل او التلويح باستخدام ملفات مخبأة لهذا الغرض.. ولاشك ان هذا من أرخص
اساليب الحصول على المال الاعلامي.
-
تجار الحروب:
وهناك وسيلة اخرى لجلب المال الاعلامي وهي استغلال تجار الحروب ودعاتها
للوسائل الاعلامية وتسخيرها طوعا او كراهية لاهدافها واغراضها الحربية، فتصبح
بوقاً يدعو الى تاجيج الحرب، او يداً تنقر على وتر النزاعات، او وقودا وحطباً
للفتنة فكلما خبت نارها نفثت فيها وزادت اوارها.
وفي الختام لابد من التاكيد أن الارضية الفاسدة والعقول الفاسدة والاخلاق
الفاسدة والمال الفاسد لايبني الا اعلاماً فاسدأ، وان الارضية الصالحة والعقول
الواعية والاخلاق الحسنة والمال الصالح يبني اعلاما صالحاً وصحيحاً وبنّاءاً.
No comments:
Post a Comment