Thursday, March 5, 2015

الحضــــارة... جامعة ومعهد

الحضــــارة... جامعة ومعهد
نجم العيساوي
==========================
http://www.alamatonline.net/load_files/pics/1357119989.jpgفي البدء، فليس من قبيل الحصر الاصطلاحي كان العنوان وانما للمدى اللغوي الممتد ليشمل كل معاهد العلوم ومدارس الفكر وجامعات المعارف والتقنيات، وكذلك مراكز التعليم الاساس وحتى مادون ذلك.
لمن يقرأ التاريخ ويستنطق الدنيا لن يجد حضارة قامت على وجه البسيطة الا وكان ركنها الركين العلم والعلماء، وما من أمة انتكست او حضارة هلكت الا بسبب لفحات الجهل والسير بتبعية وتقليد وراء الجاهلين واقزام العقول والافكار.
واخرى ابوح بها، انه مامن حضارة تقوم في امة الا ويسود شعبها ويعلو شأنها وتزاحم الامم وتقف بمصاف الاقطاب الحاكمة وليست المحكومة، وبالجانب الاخر ان تقهقر الامة من قمم الحضارة لايعود بها الى تبعية وحسب بل الى جهل مطبق لان روافد الاشراق تتوقف بفعل فاعل وخضوع مفعول أو رضاه.
وقد استطاع العرب المسلمون ان يجعلوا من الاندلس انموذجا حضاريا حقيقيا ليس في الجانب العمراني وحده بل ان اول مابدأوا به هو بناء الانسان المعرفي والفكري والثقافي، فكانت حضارة الاندلس ملأى بمعاهد العلم ومدارس الثقافة والمعرفة، الى جنب ذلك برزت نتاجات العقول الفكرية والهندسية لتبقى بعض ملامحها الى اليوم شاهدة ان العرب كانوا بناة حضارة ودعاة سلام وانهم لازالوا يمتلكون كل عناصر النهوض والبناء وقيام الحضارات .
وقد تأسست في كثير من المدن الكبرى في الأندلس معاهد عليا يمكن مقارنتها بجامعاتنا في العصر الحاضر، وان أقدم الجامعات الأوربية وهي أوكسفورد وكمبريدج وباريز وبادوفا لم تؤسس إلا في العقود الأولى من القرن الثالث عشر أي بعد الجامعات العربية بعدة قرون .
وفي أوائل القرن الخامس الهجري وانبهاراً بالحضارة التي اقامها المسلمون في الاندلس أرسل جورج الثاني ملك إنجلترا ابنة أخيه الأميرة "دوبانت "، على رأس بعثة من ثمان عشرة فتاة، من بنات الأمراء والأعيان، وأرسل معهم كتابا إلى الخليفة هشام الثالث آخر الخلفاء الأمويين بالأندلس جاء في الكتاب بعد الديباجة: " وقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم، والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج من هذه الفضائل، لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة، وقد أرسلنا ابنة شقيقتنا الأميرة " دوبانت " على رأس بعثة من بنات الأشراف الإنجليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش، والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم، وحماية الحاشية الكريمة، وحدب من لدن اللواتي سيتوفرن على تعليمهن، وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها، مع التعظيم والحب الخالص من خادمكم المطيع: جورج.
وقد ردّ الخليفة هشام الثالث على ملك إنجلترا برسالة جاء فيها: " لقد اطلعت على التماسكم فوافقت- بعد استشارة من يعنيهم الأمر- على طلبكم وعليه فإننا نعلمكم بأنه سينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي.
أما هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابلة أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية وهى من صنع أبنائنا، هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي للتدليل على اتفاقنا ومحبتنا والسلام- خليفة رسول اللّه على ديار الأندلس: هشام.
هذا عندما كانت جامعاتنا ومعاهدنا عامرة، واليوم لاشك ان المهمة الملقاة على الجامعات هي مهمة النهوض بالامة واعادة بناء الحضارة المشرقة التي تفيض على الناس خيرا وسلاما وعلما ومعرفة بدل من حضارات مشوهة قامت على العلم دون الاخلاق لتملاه حروبا وصراعات، فالحضارة التي ننشدها من معاهد العلم عندنا هي حضارة الأمّة التي اجتمعت معها مناسب المجد وأرومات الفخر، حضارة الارتقاء بالانسان فكرا وسلوكا، حضارة تقوم على الاحترام والتقدير، حضارة تعمل على تعزيز التعايش الانساني دون الهيمنة السلطوية التي لم تقدم للبشرية الا الدمار.
عليه ان الدور المقدس والذي يكمن في جامعات ومعاهد العلم ينبغي ان لايطمس ويلغى، لان الغاءه يعني ضياع بوصلة الغاية الحقيقية التي وجدت من اجلها وبالتالي انحراف المسيرة او الانصهار في قوالب جاهزة مما يعني ستظل هذه الامة تدور في فلك دائري بلا ثمرة، وهذا ليس هو المرجو من الحرم الجامعي بقدر مانصبوا اليه وهو ان تاخذ الجامعات زمام المبادرة لتقدم للعالم نماذج مجتمعية ومؤسسات تستحق وبكل جدارة ان نقول عنها انها مجتمعات ومؤسسات حضارية.
هكذا كنا وكانت بنا الهممُ           تثور بجَنباتنا كأنّها حِممُ




No comments:

Post a Comment