اصلاح
التعليم.. رؤية نقدية تأملية
=======================
ليس جديدا ان تطرح قضية اصلاح
التعليم، فقد طرحت ابتداءاً في بدايات القرن العشرين ابان الحركات الثورية
والاصلاحية والتجديدية التي انبثقت اصلا في القرن التاسع عشر، ومن بين الأمثلة
البارزة على ذلك تحركات طلاب جامع الأزهر في القاهرة وطلاب جامع الزيتونة في تونس
دون أن ننسى تجربة عبد الحميد بن باديس في الجزائر وجاءت هذه الدعوات ايضا كمنهج
مواجهة للمحتل والاستعمار الاوربي انذاك.
واليوم اذ نطرح قضية اصلاح التعليم
ليتجدد العهد في ظل ظرف عربي داخلي دقيق وقلق وفي ظل وضع عالمي محموم باتساع دائرة
فعل العولمة والهيمنة الغربية.
والمسألة ليست مسالة ارقام عدد الذين لايجيدون القراءة
والكتابة او طبيعة المنهج التعليمي داخل المؤسسات التعليمية وحسب، وانما المشكلة
اعمق من ذلك وابعد، فالمشكل الحقيقي في مدى مطابقة المناهج ومساقاتها مع ماوضع من
اهداف تعليمية على مستوى الدولة والمجتمع، ومامدى تفاعل التخطيط القومي مع نتاج
المؤسسات التعليمية واستثمار هذه الطاقات السنوية في بناء الدولة ومواكبة الامم.
ان عملية التعليم عملية مركبة
ومتداخلة العناصر، وقد تشترك عدد من العوامل في خلق ازمة تعليمية او تسبب تخلفاً
في مسيرة التعليم سواء كان ذلك على مستوى التعليم الاساسي او الثانوي او الجامعي،
بل ان العملية المرحلية هذه والتسلسل التعليمي يقوم على اساس المرحلة التي تسبقه، فنجاح المراحل الاولى
وتهيئة الظروف المناسبة لها وتقديم الدراسات والبحوث والمشاريع التي تسهم في رقي
المستوى التعليمي منهجاً ومضموناً واستثماراً.
واذا ذكرت المناحي السلبية او
المعوقات للارتقاء بطلبتنا وجامعاتنا ومناهجنا فيمكن القول انه المشكلة مركبة
ومتداخلة – شانها شان طبيعة العملية التعليمية- وبالتالي لابد تحديد ظواهر الضعف والوقوف
على ابرز اسباب هذه الظواهر من مشاكل وعقبات مضافا لها الوصف الواقعي لمستوى
التعليم ومن ثم نعرج الى اهم الطرق والوسائل التي من شانها دفع العجلة نحو الامام.
ومن اهم مايمكن تشخيصه من مشاكل حقيقية للتعليم في الوطن العربي:
1. عدم تطابق المناهج والمساقات
التعليمية مع الاهداف الموضوعة، بل احيانا تكون الاهداف موضوعة بطريقة بعيدة عن
الواقع وظروف التعليم.
2. عدم تفاعل التخطيط
القومي مع نتاج الجامعات وفقدان خطة لاستثمار هذه الطاقات والكفاءات والشهادات في
خدمة الدولة، والتقوقع في الهياكل الرسمية التقليدية والاطر النمطية القاتلة ايضا
سبب اتساع الفجوة بين المؤسسات التعليمية كجهة منتجة ومؤسسات التخطيط الرسمية كجهة
مستثمرة ومستشرفة.
3. هجرة العديد من
الشهادات والكفاءات وحملة الدرجات العلمية الى خارج البلاد العربية او داخلها اما
بسبب الظروف المادية السيئة او الظروف الامنية الاسوأ مما يسبب نقصا واضحاً في
معاهد العلم وجامعاتنا ويشكل مشكلة حقيقية في مسيرة البلد التعليمية.
4. غياب اوقلة الساعات
العملية والتدريبية في الاختصاصات التي تتطلب ذلك وفي عموم اقسام الجامعات العربية
مما يجعل مستوى الخريجين العملي ضعيفا وبالتالي يؤخر استقطابهم من قبل الشركات
والمؤسسات للعمل والتوظيف.
5. عدم الاستفادة من
خبرات التعليم الموجودة في الوطن العربي من خلال تبادل الخبرات والمناهج وقلة
المؤتمرات الجامعة لهذا الغرض، هذا مع وجود تجربة جديدة هي اتحاد الجامعات العربية
والتي هي الان محطة أمل وفي الوقت نفسه ستكون هي امام تحدي كبير هو، اصلاح التعليم
الارتقاء به في الجامعات العربية.
وجميع المشاكل الاخرى من مستوى
تعليمي وتدني الخبرات وامور اخرى تندرج تحت هذه الاوصاف الخمسة بشكل من الاشكال.
ولاشك أن فشل
التعليم في مهمته الحضارية والثقافية والاجتماعية سيعود على المجتمع بامراض لا اول
لها ولا اخر كالفساد المالي والاداري والعنف والجهل والتبعية والعبث المالي
والبشري ولهذا وغيره صارت جامعاتنا تستجيب للموضات والافكار التي ياتي بها الشباب
خارج الاطر العلمية والثقافية والمعرفية الصحيحة بدل ان تقوم الجامعات هي بصياغة
ثقافة المجتمع وتأصيل الاصيل منها وقبول المعارف والافكار البناءة للامة لينحصر
دورها في رعاية الجيل بشهادات ومناهج متوارثة سائدة دون ان يكون لها قدم السبق في
الوعي الحضاري المتميز الذي يصنع جيلاً متميزا بثقافته ومعارفه وابداعاته ليكونوا
اضافة نوعية في حياة شعوبهم واممهم.
ماوراء المنظور:
هل يعود ذلك
الضعف او تلك المشاكل الى هشاشة التكوين في جامعاتنا؟ او غياب التخطيط العلمي في
المؤسسات التعليمية والوزارية؟ ام هو التجاذب بين جامعات تهدف الى ملء الفراغ وحسب
وبعض الجامعات التي تهدف الى الربح المادي اكثر منه البشري؟ ام هو قلة الأبحاث والدراسات
التي تعنى بقضايا الإنسان وتعليمه؟ أم هو غياب الإنفتاح والإشعاع ومحدودية الحريات
الأكاديمية؟ أم هو غياب تصور شمولي يبنى على التحفيز ومن ثم الإبداع والمبادرة
الحرة وإنتاج المعرفة؟
اذا
ماسر تأخر تنفيذ المشاريع الاصلاحية اذا كانت المشاكل مشخصة والاسباب محددة
والعلاجات معروفة؟
نعتقد
–كما اشرنا في البداية- ان العملية الاصلاحية مركبة ومتداخلة ومع ضرورة الاخذ بنظر
الاعتبار كل هذه الظروف والاسباب بعين الاعتبار الا ان حاجة مهمة لامفر من العمل
عليها الا وهي ترسيخ ثقافة الاصلاح وقبول النقد البناء وتعزيز ثقافة العمل
الايجابي بدلا من ثقافة تعزز أحادية التفكير، وترسخ الروتين البيروقراطي والأنا.
وما
نتحدث عنه لايعني الغياب الكامل للايجابية او الابداعية او القيمية في جوانب كثيرة
من جامعاتنا، لكن هذا لايقعد بنا ان نسعى الى مواكبة العالم واللحاق برواد العلم
في الجامعات الكبيرة، بل ان لدينا من العقول مايفوق امما اخرى بلغت بالعلم مدارج
السماء لانهم اصروا وارادوا ونحن قعدنا وتكاسلنا.
في
الكونجرس الامريكي، تم استدعاء "بييل جيتس" مؤسس شركة
"مايكروسوفت"؛ لمناقشته عه حول إصلاح التعليم، وإذا به يتحدث وهو حزين:
"إنني أتحدى التعليم الأميركي الآن بإنجاب عقول مبدعة، كالعقول الهندية،
والصينية، والباكستانية، والماليزية، إن ما يأتيني منهم أفضل مما يأتيني من أميركا".
ترى
لماذا هذا الانزعاج و الحزن الصادر من "بييل جيتس" وخصوصاً أنه يتحدث مع
أفضل دول العالم في التعليم؟ لماذا لم يتحدث معهم بلغة الفخر، والبهرجة، مع أنهم
يستحقون ذلك الثناء؟
اجل
جامعاتنا العربية كانت ولم تزل تنجب افضل الكفاءات لكنها مغمورة في وطنها، مطموسة
بلادها، محاربة بين اهلها، فاذا كان لابد من الحديث عن العلة فهي علة المنظومة
الثقافية والسياسية في بلادنا التي لاتميز بين عالم ومتعالم، وحاذق ومتحاذق، بل
الادهى من ذلك الاهمال مع سبق الاصرار للعقول المبدعة والشهادات العلمية العالية.
وبمناسبة
انعقاد مؤتمر اتحاد الجامعات العربية في جامعة الشرق الاوسط في عمّان فاني ادعو
المؤتمرين واصحاب القرار في الجامعات الى تقديم رؤية اصلاحية تقع على عاتق
الجامعات وفروعها تتضمن مشروعا حضاريا يضيف لبلادنا العربية القاً جديدا واشعاعا
حضاريا واعداً يتمثل بايجاد مايشبه "المنطقة الاكاديمية الحرة" يتم فيها
تبادل الطلبة والاساتذة والتعاون العلمي على ان يكون مقترنا بخطة استراتيجية يكون
من اعظم ثمارها علماء متخصصون ومبدعون وهيئة تعليمية عربية تجعل الحرم الجامعي
حرما آمناً لكل العرب وفق سياسة استقطاب الكفاءات والشهادات والعمل على توحيد
الجهود العربية العلمية كخطوة في اعادة الدور الحضاري للامة ولعل الجامعات تسبق
الانظمة الاقتصادية والسياسية فتوحد العرب من جديد في شيء اسمه "الاتحاد
العلمي للجامعات العربية" استشرافاً لمستقبل واعدٍ اسمه " الاتحاد
العربي" فيكون العرب امة واحدة كما اراد الله.
نشرت هذه المقالة اثناء انعقاء مؤتمر اتحاد الجامعات العربية في جامعة الشرق الاوسط في المملكة الاردنية الهاشمية 2014
No comments:
Post a Comment