Friday, July 22, 2016

النظرية النقدية ومدرسة فرانكفورت الاعلامية


النظرية النقدية ومدرسة فرانكفورت الاعلامية

THE CRITICAL THEORY OR FRANKFURT SCHOOL

نجم العيساوي


مقدمـــــة

النظرية النقدية أو مدرسة فرانكفورت

توطئة:

تعد النظرية النقدية من أهم النظريات التي انتعشت في فترة مابعد الحداثة بألمانيا، وإن كانت هذه النظرية قد تبلورت في فترة مبكرة، في ثلاثينيات القرن العشرين، وذلك بمدرسة فرانكفورت، وتجسدت في عدة ميادين ومجالات معرفية، كالفلسفة، وعلم الاجتماع، والسياسة، والنقد الأدبي. بيد أن هذه المدرسة اتخذت طابعا فكريا مغايرا منذ السبعينيات من القرن العشرين، وانضم إليها مثقفون آخرون، قاموا بإغنائها نظريا وتطبيقيا. ومن ثم تحولت النظرية عند مارتن جاي (M.Jay):"من (نادي ماركس) قبل هجرتها من فرانكفورت، إلى (نادي ماكس) بعد عودتها، وحيث هناك في المهجر فَقدَ الحرف(R) الذي تبدأ به كلمة الثورة([1]) (Revolution). ويعني هذا انتقال مدرسة فرانكفورت من أفكار ثورية ماركسية إلى أفكار متطورة في عهد ماكس هوركايمر، حيث تم التركيز على الفلسفة أكثر من التركيز على التاريخ والاقتصاد كما كان في السابق. وبالتالي، فقد استهدفت النظرية النقدية تقويض الثقافة البورجوازية الرأسمالية الاستهلاكية. وعليه، فهدف النظرية النقدية هو تغيير المجتمع على جميع المستويات والأصعدة، وتحقيق التحرر البشري، والمؤالفة بين النظرية والممارسة، والجمع بين المعرفة والغاية، والتوفيق بين العقل النظري والعقل العملي، والمزاوجة بين الحقيقة والقيمة. زد على ذلك، فقد كانت النظرية النقدية بمثابة تجديد نقدي للنظريات الماركسية والراديكالية.

كما تعد النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت أول تيار فلسفي ـ اجتماعي نقدي ومعاصر وجه نقده الى الأفكار التي دعا اليها عصر التنوير ونكص عن تحقيقها، في محاولة لوضع نظرية نقدية للمجتمع تربط بين التفكير والممارسة ربطاً جدلياً. حيث تعد كتابات مدرسة فرانكفورت بمثابة الأساس الذى نهضت عليه النظرية النقدية فى علم الاجتماع ولا زالت تحظى بكثير من الاهتمام والدراسة حتى الآن. (هانى خميس،2002)

هذا، ويمكن التمييز بين فترتين في النظرية النقدية أو مدرسة فرانكفورت: فترة الريادة من الثلاثينيات إلى أواخر السبعينيات، وهي فترة هوركايمر، وماركوز، وأدورنو، وفروم...، وفترة التجديد من بداية السبعينيات إلى سنوات الثمانين من القرن الماضي، وهي فترة يورجين هابرماس، وألفرد شميدت، وكلاوس أوفي، وألبرخت فيلمر... وقد احتفظت النظرية النقدية الجديدة لمابعد الحداثة باهتمامها الخاص بفلسفة العلوم الاجتماعية، ونقد الإيدولوجيا.

المبحث الاول

مفهوم النظرية النقدية:

يقصد بالنظرية النقدية تلك النظرية التي كان ينطلق منها رواد مدرسة فرانكفورت في انتقادهم للواقعية الساذجة المباشرة، فالنظرية النقدية تعني نقد النظام الهيجلي، ونقد الاقتصاد السياسي، والنقد الجدلي. وتهدف هذه النظرية إلى إقامة نظرية اجتماعية متعددة المصادر والمنطلقات، كالاستعانة بالماركسية، والتحليل النفسي، والاعتماد على البحوث التجريبية. وبتعبير آخر، فالنظرية النقدية هي تجاوز للنظرية الكانطية، والمثالية الهيجيلية، والجدلية الماركسية، فهي نقض للواقع، ونقد للمجتمع بطريقة سلبية إيجابية. ويعني هذا بشكل آخر أن نقد متناقضات المجتمع، ليس فعلا سلبيا، بل هو فعل إيجابي في منظور مدرسة فرانكفورت. ويرتبط مفهوم" النظرية النقدية" بعنوان كتاب هوركايمر: "النظرية التقليدية والنظرية النقدية" (1937م)، وقد جمع فيه صاحبه مجمل التصورات التي عرف بها أصحاب مدرسة فرانكفورت سواء النظرية منها أوالتطبيقية، كما ضمنه مجمل المقترحات التي كانوا يؤمنون بها لإنقاذ الأدب وتصحيحه. ومن ثم، فالنظرية النقدية هي تجاوز للنظريات الوضعية التي كانت ترفض التأملية الانعكاسية منهجا في التعامل مع الموضوع المرصود. ومن جهة أخرى، فقد استهدفت النظرية النقدية تنوير الإنسان الملتزم تنويرا ذهنيا وفكريا، وتغييره تغييرا إيجابيا، بعد أن حررته من ضغوطه الذاتية،عن طريق نقد المجتمع بتعريته إيديولوجيا([2]).



من المعلوم أن النظرية النقدية في مجال الأدب وعلم الاجتماع قد ارتبطت بمعهد البحوث الاجتماعية أو بمدرسة فرانكفورت الألمانية التي يمثلها كل من: تيودور أدورنو (Theodor.Adorno)، وماكس هوركايمر (M.Horkheimer)، وهربرت ماركوز (H.Marcuse)،  ويورغن هابرماس(J.Habermas)، ووالتر بنيامين(W.Benjamin)، وفردريك لوبوك (F.Pollock)، وإيريك فروم (E.Fromm)، ولوفينتال(L.Lowenthal)، ووألفريد شميت (Alfred shmidt)، وكلاوس أوفي (C.Offe)، وأولبرخت فيلمر(A.Wellmer)، وفرانز نيومان (F.Neuwmann)... وقد ظهرت هذه المدرسة في ألمانيا في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين،وقد انتقل المعهد إلى نيويورك إبان المرحلة النازية، ثم استقر بفرانكفورت مرة أخرى في عام 1950م. وقد تأثر تحليل مفكري هذه المدرسة ونقدهم للثقافة الحديثة والمجتمع بما تعرضوا له من مضايقات وتعسفات وضغوطات في عهد الفاشية.



مدرسة فراتكفورت النشأة والمصطلح:

أما عن مصطلح "مدرسة فرانكفورت" فهو مصطلح غير رسمي يستخدم للتعبير عن المفكّرين الذين انتسبوا لمعهد البحث الاجتماعي أَو الذين تأثروا به. وهو لم يكن عنواناً لأي مؤسسة واقعية، وحتى المفكرين الرئيسيين لمدرسة فرانكفورت لَم يستخدموا هذا التعبير لوصف أنفسهم، فهو واحد من تسميات عدة لهذا التجمع الفكرى بالاضافة الى تسميات أخرى عديدة لها مثل الماركسية الأوروبية Euro Marxism تمييزا لمفكريها عن التفسيرات التى قدمها منظروا الأممية الثانية والثالثة للماركسية، وفكر الهجرة Migrtion thought اضافة الى تسمية جورج لوكاش لها بفندق الهاوية الكبير دلالة على تعدد الأطر النظرية والمنهجية لمفكريها([3]).



يعتقد كرامسي بان الحالة الاجتماعية الماركسية يمكن ان تنجح على اساس صياغة الانسان ثقافيا. وركز على مجالات تعليم الاعلام.

يؤمن لوكاس بضرورة الغاء العادات الثقافية الموجودة لتحل محلها مباديء الماركسية الثورية، فيقول: انني ارى ان الاسلوب الثوري في المجتمع هو الحل الوحيد لاسطورة التقاليد وانه لابد من سحق القيم القديمة وصنع قيم جديدة من قبل الثوريين. ان كرامسي ولوكاس هما من اوجدا مدرسة فرانكفورت.

فمدرسة فرانكفرت تربط دراساتها بين التحليل الماركسي والتحليل النفسي الفرويدي لتشكل ماصبح معروفا بـ "النظرية النقدية"

هذا، وقد جاءت النظرية النقدية كرد فعل على الوضعية (Positivism) التي كانت تعنى مع أوجست كونت بدراسة الظواهر الاجتماعية دراسة علمية موضوعية تجريبية، باستخدام الملاحظة والتكرار والتجربة، وربط الأسباب بمسبباتها، بغية فهم الظواهر العلمية فهما علميا دقيقا. وكانت الوضعية تهتم أيضا بوصف الظواهر دون تفسيرها، لأن التفسير يرتبط في منظور الوضعية بالـتأملات الفلسفية والميتافيزيقية. كما استبعدت الوضعية البعد الإنساني والتأملي والأخلاقي في عملية البحث. وقد وجهت مدرسة فرانكفورت إلى هذه النظرية الوضعية انتقادات قاسية. وفي هذا الصدد، يقول توم بوتومور في كتابه: "مدرسة فرانكفورت":"اتخذ أصحاب مدرسة فرانكفورت موقفا مناهضا لها، فانتقدها أدورنو لعجزها عن اكتشاف المصلحة الذاتية التي قد تسهم في تحقيق تقدم موضوعي، بسبب القصور الكامن في أسسها المنهجية، وفشلها في إقامة صلة قوية بين المعرفة من ناحية والعمليات الاجتماعية الحقيقية من ناحية أخرى.لذلك، انتقدها هابرماس بسبب طبيعتها المحافظة، وقصورها عن فهم العلاقة الخاصة بعلم الاجتماع والتاريخ، انطلاقا من أن علم الاجتماع الوضعي لا يأخذ في اعتباره دور التحولات التاريخية في تشكيل المجتمعات.

وبشكل عام، هاجم مفكرو مدرسة فرانكفورت سعي الوضعية إلى تحقيق المعرفة العلمية، وتكميم الحقائق، بما يؤدي إلى ضياع المعنى الجوهري للظواهر الاجتماعية. وأنه ارتباطا بذلك، فقد أدى تمثل الوضعية لنموذج العلم الطبيعي في علم الاجتماع إلى فصل المعرفة عن بعدها الأخلاقي، وهو ما يعني استبعاد الموقف الأخلاقي للباحث، عن طريق الادعاء بأن علم الاجتماع هو علم متحرر من القيمة، وهو ما يعني أيضا أن هذا العلم يمكن أن يكون أداتيا بالنسبة للقوى الاجتماعية المتسلطة، أو هو وسيلة للتحكم والهيمنة كما حدث في الرأسمالية المتقدمة([4]).



اسباب فشل التغيير الاجتماعي الثوري:

ان رواد النظرية الناقدة ومدرسة فرانكفورت ارجعوا اسباب الفشل الذريع للتغير الاجتماعي الثوري الذي تنبأ به ماركس ارجعوه الى القدرات الفائقة للبنية الفوقية للمجتمع – أي نظم الايدولوجيات- المتمثل في وسائل الاعلام المعاصرة وقدرة هذه الوسائل على ايقاف سير العمليات المؤدية للتغيرات الاقتصادية.



المبحث الثاني

رواد النظرية النقدية:

بادىء ذي بدء، فرواد مدرسة فرانكفورت ليسوا متفقين على تصور مذهبي ونظري واحد، فهم مختلفون في كثير من الآراء والتصورات، ولكنهم يتفقون في بعض النقاط المشتركة، بل يمكن التمييز بين النظرية النقدية الكلاسيكية والنظرية النقدية الجديدة.



ماكس هوركايمر

ومن ثم، يعد ماكس هوركايمر من المؤسسين الحقيقيين لمدرسة فرانكفورت، وقد كان مديرا لها منذ 1931م، وقد اهتم في بداية المعهد بدراسة الفلسفة الاجتماعية،ونقد المذهب الوضعي والمثالية الألمانية والوضعية المنطقية، وهاجم الميتافيزيقا الغربية على غرار جاك ديريدا ومارتن هايدجر. وقد عاب هوركامير على الوضعية ميلها الكبير إلى العلمية والموضوعية والتجريبية، وتشييء الإنسان، وفصل الحقيقة عن القيم، كفصلها المعرفة عن المصالح البشرية.

وهكذا، يقدم هوركايمر، مقابل الوضعية وعلى النقيض منها، "نظرية جدلية تظهر فيها الحقائق الفردية بذاتها في ترابط لا لبس فيه دائما، وتسعى لأن تعكس الواقع في كليته. فضلا عن ذلك، فإن الفكر الجدلي، يوحد المكونات التجريبية في تركيبات من الخبرة... المهمة للمصالح التاريخية التي يرتبط بها الفكر الجدلي... فعندما يعي فرد فعال من ذوي الحس السليم الوضع الكريه للعالم، فإن الرغبة في تغييره تصبح هي المبدأ المرشد الذي ينظم به الحقائق المعطاة، ويشكل منها نظرية... وبقدر ما يعتمد التفكير الصائب على إرادة قويمة، بقدر ما تعتمد الإرادة القويمة على التفكير الصلب"([5]).

ويتابع ماكس هوركايمر التعريف بنظريات مدرسة فرانكفورت وتوجهاتها في مقال قيم تحت عنوان: "النظرية التقليدية والنظرية النقدية" (1937م)، يوضح فيه أسس المدرسة ومرتكزاتها النظرية والتطبيقية. وقد سعى هوركايمر جادا إلى تسليح الطبقة العاملة (البروليتاريا) بفكر نقدي تغييري، ووعي طبقي تنويري. وقد اهتم هوركايمر بالمجال الثقافي، واهتم كذلك بالفرد كمركز للفكر والعمل، متأثرا في ذلك بالفلسفة الوجودية السارترية وفلسفة ماكس فيبر، واعتنى بشكل من الأشكال بعلم نفس الفرد والتحليل السيكولوجي. وقد انتهى هوركايمر في نهاية حياته عن أن يكون منظرا نقديا، فتحول إلى راهب ديني وصوفي، حينما جعل كانط وهيجل فوق ماركس.



هربرت ماركوز: الاعلام وصناعة الانسان ذو البعد الواحد

ولد ماركيوز في برلين، و حصل على الدكتوراه من جامعة فرايبورغ تحت إشراف هيدجر، عمل في معهد البحث الاجتماعي في فرانكفورت حتى عام 1933 حيث تم إغلاق المعهد لدى تسلم النازية الحكم في ألمانية . واضطر ماركيوز لمغادرة ألمانيا هرباً من البطش النازي إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث انضم إلى معهد البحث الاجتماعي في جامعة كولومبيا عام 1934، وخلال الأربعينات عمل مع العديد من المؤسسات الثقافية الحكومية في أمريكا، ودرّس في العديد من الجامعات الأمريكية بنجاح منذ عام 1950 هارفارد، كولومبيا، كاليفورنيا، برانديس(عما رعكاش، 2007)

وقد عرف ماركوز بعدائه الشديد للهيمنة التقنية، وكان يعتبر العقل المنغلق سببا في استلاب الإنسان، وتحويله إلى آلة انتاجية ليس إلا. ومن ثم، فقد بلور ماركوز فلسفة تشاؤمية بسبب اغتراب الإنسان في المجتمع الصناعي الحديث الذي تغلب عليه التقنية، ويضيع فيه الإنسان باعتباره ذاتا وكينونة ووجودا، وهي نفس النزعة التشاؤمية الموجودة عند ماكس فيبر، و يرجع هذا التشاؤم إلى شعور فئة معينة من المجتمع.أي: الشريحة العليا المثقفة من الطبقة الوسطى، أوالصفوة المثقفة بالإحباط وخيبة الأمل.

حلل ماركيوز المجتمع الرأسمالي - متأثراً بمشاهداته للمجتمع الأمريكي - محاولاً استكشاف الحلقة الجديدة في استغلال الإنسان، فأسس لمفهوم الهيمنة لتوضيح كيفية استعباد الإنسان في مجتمع التقنية والعقلانية الأداتية، حيث الإنسان مستلب لصالح فيض إنتاجي استهلاكي (ماركس) ومستعبد من قبل لاشعور(فرويد) ذاخر بأمراض مجتمع التقنية الأداتي، فركز ماركيوز تحليله على النسق الثقافي و الإعلامي لتوضيح كيفية السيطرة على الإنسان بحيث تغدو الديمقراطية قمعاً مموهاً . . (عما رعكاش، 2007)


طرح ماركيوز رؤيته الرئيسية للسلطة الهائلة للتكنولوجيا وخاصة تكنولوجيا الاتصال والاعلام فى كتابه " الانسان ذو البعد الواحد" حيث اوضح التفاقم الهائل لسلطة الآلة والتكنولوجيا فى المجتمعات الصناعية المتقدمة ودورها فى انتاج نمط من العلاقات بين الفرد والمؤسسات التى تتحكم فى الوجود الاجتماعى. فقد قام ماركيوز بتاسيس نظريته النقدية من خلال رصد واستقصاء وسائل السيطرة والهيمنة التكنولوجية والثقافية داخل المجتمعات الرأسمالية المتقدمة تكنولوجيا. ويرى أن الأدب والفن والجنس يتم استيعابها فى هذه المجتمعات داخل الموجة العاتية للاستهلاك والنزعة التجارية، الأمر الذى يحول الثقافة الى غذاء استهلاكى يومى أحادى البعد (عواطف عبد الرحمن،2002)

من ناحية ثانية يؤكد ماركيوز على أن المجتمع المعاصر يتسم بالانغلاق والهيمنة على المستوى الفكرى والسياسى والاجتماعى، حيث يحول الانسان فيه الى انسان ذو بعد واحد بمعنى أنه لا يسمح له ابدا بالتطلع الى التغيير بحيث يندمج كليا فى مجتمعه و يتكيف كليا مع ما هو قائم ولا يتطلع الى ما وراء ذلك (هانى خميس، 2002)

كما شرح ماركيوز أسباب انكفاء النقد وتخدره في المجتمع التقني الرأسمالي حيث أنه في ظل المجتمع الصناعي المعاصر الذى وصفه بالطابع الكلى فإن أسس النقد يتم تقويضها، من خلال تكريس منظومة كاملة للسيطرة والهيمنة.

وتعد التقنية او التكنولوجيا عند ماركيوز كعقلانية هى فى ذاتها الية من اليات الهيمنة كما ذهب ادورنور وهوركهايمر.

لذلك يرى ماركيوز أنه فى المجتمع التقني ينحو الإنتاج منحى الكلية totalitarian ليحدد الحاجات الفردية و نشاطات الحياة الاجتماعية، فتزول الحدود بين عالم الحياة الخاص و العام، و تندمج الحاجات الفردية بالحاجات الاجتماعية، هذه الكلية (التوتاليتارية) سمة مشتركة بين أنظمة أوربا الشرقية والأنظمة الرأسمالية .(عمار عكاش، 2007).



يرى ماركيوز ايضا أنه وعلى الرغم من أن التطورات التكنولوجية اللا متناهية، إلا أن المجتمع الصناعي التكنولوجي المعاصر ذو نزعة كلية استبدادية سياسياً و اقتصادياً، ويحقق تحكمه عبر تصوير بعض المصالح الخاصة لفئة معينة كما لو أنها مصلحة عامة، والإشكالية هنا أن القمع السياسي لا يتم بالطريقة البدائية السافرة إنما يتم عبر نظام نوعي للإنتاج و التوزيع مترافق مع تعددية حزبية وصحافة حرة و فصل للسلطات مما يموِّه العملية، و يجعل الاستبداد ذا عباءة ديمقراطية . (عمار عكاش، 2007)

لذلك فهو يرفض التصور القائل بحيادية التكنولوجيا ويراها آلية من آليات الاستبداد:

"The notion of the ‘neutrality’ of technology can no longer be maintained. Technology as such cannot be isolated from the use to which it is put; the technological society is a system of domination which operates already in the concept and construction of technique." (Marcuse, 1964)

و حتى يوضح ماركيوز كيف تتم الهيمنة و الرقابة على الأفراد حتى لا يخرجوا عن الإطار المرسوم لهم لضمان سير النظام على أكمل وجه، يجب التمييز بين حاجات حقيقية و حاجات كاذبة، فالحاجات الكاذبة هي الحاجات التي تفرضها مصالح اجتماعية معينة لتبرير العدوان و الظلم، و هي تحقق شعوراً بالسعادة لكنه شعور زائف كونه يمنع الفرد من إدراك الشقاء العام، و بعبارة أخرى " تجعله يرى الرفاه في الشقاء "

ولقد اشار الى مصطلح مهم هو صناعة الثقافة Culture industry حيث تقوم الصناعة بتلبية جميع حاجات المشاهدين، تلك الحاجات التى يتم اصلا تحديدها مسبقا، بحيث يرى المشاهد نفسه مستهلكا لصناعة الثقافة التى توهمه بانها تشبع احتياجاته. وبذلك فمن خال الاعلام والثقافة تم السيطرة على الفرد وبسطت الدولة هيمنتها عن طريق تعزيز الوعى الزائف وتقييد الفكر المعارض والنقدى من جانب الانسان الذى تحول ليكون ذو البعد الواحد. (هانى خميس، 2002)

ولقد استخدام مصطلح الصناعات الثقافية كلا من أدورنو وهركهايمر ايضا وقاما بتوضيح ان السينما والافلام والاذاعة والصحافة تمثل نسقا متسقا أدى لفوضى ثقافية تطبع كل الاشياء بطابع نمطى واحد فى حياتنا اليومية.



إن هذه العملية تجعلنا ندرك زيف الحرية الرأسمالية الملازمة للمجتمع المعاصر كما يؤكد عمار عكاش، "فدوماً هناك حاجات ملّباة لكنها حاجات مخلوقة من خارج الإنسان مفروضة عليه، و هذه العملية تدور بدون توقف"، وبالتالى فمن غير المنطقى ان توصف بانها حرية اختيار لاشياء مفروضة سلفا " فالحرية الإنسانية لا تقاس تبعاً للاختيار المتاح للفرد إنما العامل الحاسم الوحيد في تحديدها هو ما يستطيع الفرد اختياره و ما يختاره، فقدرة المرء على اختيار سادته بحرية لا تلغي حقيقة وجود السادة و وجود العبيد " .(عمار عكاش، 2007، ص3)


كما يرى ماركيوز إن الثقافة الرفيعة التي يرى فيها فرويد Freud جزءً من عملية التسامي عن الواقع، و التي يعتبرها ماركيوز ضرورية لخلق عالم بديل، فشلت، نتيجة هيمنة العقلانية التكنولوجية .فقد تدنت الثقافة الرفيعة إلى ثقافة جماهيرية، و بمتابعة وسائل الإعلام الجماهيري يمكننا رصد مظاهر الانحطاط الثقافي، حيث يجري الخلط بين الدين و الفلسفة و التجارة و السياسة و الفلسفة و التجارة في خدمة شكل بضاعي، و حتى موسيقى الروح المروّجة إعلامياً هي موسيقى تجارية . وفى هذا الاطار يقول أدورنو وهوركهايمر انه ينبغى على السينما والاذاعة الا تتمادى فى الادعاء بانها فنون وفى الواقع هى مجرد اعمال تاخذ طابع ايديولوجى لتبرير سوء منتجاتها.


وفى ضوء هذا الفهم لتسليع الفن يقول عمار عكاش أن تحويل الثقافة الرفيعة الى ثقافة شعبية لا يعنى كوننا نجحنا فى الوصول بالادب والفن الى المستوى الجماهيرى على العكس لقد تم تسطيح الفن وتهميش قيمته من خلال التكنولوجيا و ثورة وسائل الاتصال والاعلام الجماهيرى " فموسيقى باخ تستخدم كموسيقى ناعمة للمطبخ، و مؤلفات أفلاطون و هيغل وبودلير وشيللر وماركس وفرويد تباع في المخازن العامة، فعلى الرغم من أن المجتمع المعاصر ألغى الشكل الأرستقراطي للثقافة باعتبارها ثقافة نخبة غنية مثقفة (أي ثقافة مجتمع قمعي) لكن ذلك لا يـعني أن هذا المجتمع هو مجتمع غير قمعي، فهو حول الفن إلى فن أحادي البعد ".(عمار عكاش، 2007)



وقد بين ماركوز في كتابه: "إنسان البعد الواحد" باختفاء الدور التاريخي الفعال للطبقة البورجوازية والطبقة البروليتارية على حد سواء، و هناك قوة واحدة مخفية متحكمة في مسار هاتين الطبقتين معا هي العقلانية العلمية التقنية. وليست هناك طبقة معارضة، فقد تم استيعاب الطبقة العاملة واسترضاؤها من خلال تحفيزات مادية استهلاكية، وترشيد عملية الإنتاج ذاتها. وقد أثارت أفكار ماركوز:"استجابة سريعة لدى حركة الطلبة الأمريكية في أواخر الستينيات بمعارضتها للنظام، ولدى حركات طلابية أخرى في دول أوروبية شتى إلى حدما. لكن الحركات الاجتماعية في ذلك الوقت كانت جميعها واقعة تحت تأثير تحليلات متنوعة عن البنية الطبقية المتغيرة، وعن مغزى التكنوقراطية والبيروقراطية، التي قدم علماء الاجتماع إسهامات ملحوظة بصددها"([6]).



وتتركز أفكار هربرت ماركوز سياسيا حول ثلاث قضايا شائكة:

دور الطلاب في العالم الرأسمالي، والحركة الطلابية في فرنسا عام1968م، ودور الطبقة العاملة الحديثة في الغرب.



تيودور أدورنو

ويعد تيودور أدورنو من أهم رواد النظرية النقدية، ومن المؤسسين الفعليين لمدرسة فرانكفورت، وقد انصب اهتمامه على مجال الثقافة، وبخاصة الموسيقا، والتحليل النفسي، ونظرية علم الجمال، متأثرا في ذلك بوالتر بنيامين، ولم يعرف بالنظرية الجدلية، بقدر ما عرف بالجدل السلبي في نقده للنظريات الفلسفية والنظريات الاجتماعية، كأنه يعيدنا بهذه الأفكار السلبية إلى مذاهب الشك والنسبية. وإذا كان هوركايمر وماركوز لهما صياغة اجتماعية إيجابية على أساس التصور الهيغلي للعقل، فإن آراء أدورنو كانت بعيدة عن الماركسية، على الرغم من كونه يدعي أن فلسفته مادية جدلية. وقد انتقد أدورنو مرات عديدة أفكار ماركس، وخاصة علم التاريخ والمادية التاريخية، ولم يهتم بحال من الأحوال بتحليل ماركس الاقتصادي، وعلاقته بنظريته عن الطبقات، بل أخذ من جورج لوكاش المستوى السلبي من النقد الإيديولوجي في نقد الوعي الطبقي البورجوازي. وقد ساهم في بلورة النقد الثقافي كما يبدو ذلك واضحا في بحثه الذي كتبه مع هوركايمر بعنوان:"جدل التنوير" (1944م)، حيث انتقد فيه العقل العلمي الوضعي الذي يقدم حقائق زائفة عن الوضع البشري، وانتقد العلم والتقنية، وكان يرى أنها سببا في استلاب الإنسان واستغلاله، وأنها وهم إيديولوجي زائف ليس إلا. كما انتقد الثقافة الجماهيرية الساذجة التي تساعد على انتشار الإيدولوجيا الواهمة.

ومن جهة أخرى، رفض أدورنو نظرية لوكاش الواقعية التي تقوم على الانعكاس المباشر، حيث يتحول الأدب أو الفن في منظوره إلى مرآة تعكس بطريقة مباشرة مايقع في الواقع محاكاة وتمثلا ونقلا وتصورا. وقد اهتم أدورنو بالجمال اهتماما لافتا للانتباه، ويعد أدورنو كذلك من رواد نظرية الجمالية الجديدة، حيث ألف كتابا تحت عنوان:"نظرية الجمال"، حيث يعطي مفهوما جديدا للفن والجمال مخالفا للتصور الماركسي الذي يرى أن الجمال تمثل للعالم وانعكاس له، بينما يرى أدورنو أن الجمال أو الفن وسيلة هروب غامضة. و"هكذا، يرفض أدورنو نظرة لوكاش إلى الواقعية، مؤكدا أن الأدب لا يتصل اتصالا مباشرا بالواقع على نحو ما يفعل العقل، فتباعد الفن عن الواقع هو الذي يكسبه قوته ودلالته الخاصة. ويتوقف أدورنو عند الطرائق التي يستخدم بها المسرحي صمويل بيكيت الشكل، والموسيقار شوبنبرج الثورة اللانغمية، ليصور خواء الثقافة الحديثة"([7]).

ويعني هذا أن شعرية الأدب لا تكمن في مفهوم المحاكاة، بل في الانزياح والابتعاد عن مفهوم الانعكاس المباشر. كما أن الفن عند أدورنو يتخذ موقفا نقديا وسلبيا من العالم. وفي هذا السياق، يقول دافيد كارتر (David karter): "انتقد أدورنو نظرية لوكاش القائلة: إن للفن علاقة مباشرة مع الواقع. وبالنسبة لأدورنو، إن الفن، بما في ذلك الأدب، معزول عن الواقع، وهذا هو مصدر قوته تماما. إن أشكال الفن الشعبي تؤكد فقط، على مطابقة قواعد المجتمع، وتخضع لتلك القواعد أيضا، ولكن الفن الحقيقي يتخذ موقفا نقديا، في منأى عن العالم الذي أنشأه: "الفن هو المعرفة السلبية للعالم الفعلي". ورأى أدورنو الاغتراب واضحا في كتابات بروست وبيكيت على أنها تثبت هذه المعرفة السلبية للعالم الحديث"([8]).

ومن هنا، فالنظرية النقدية - حسب أدورنو - هي نقد للواقعية الماركسية الانعكاسية الساذجة، التي تعقد الصلة المباشرة بين الأدب والمجتمع في جل تناقضاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية.

ويرى أدورنوا أن علم الاجتماع يجب أن يهتم بالايديولوجيا عن طريق أبحاثه في التواصل، ووضعه الى جنب المنتجين والمستهلكين لصناعة الثقافة الموضوعة بهدف انتاج معارف محدودة وعقل محدود، غير أن علم الاجتماع اذا أراد أن يصبح ناقدا للايديولوجيا يجب عليه أن يحلل وسائط الاتصال العامة ويدرس" سيناريوهاتها" التي تعرف بثقافة الجماهير، والتي تصب بعناية بالغة في تبرير ما هو موجود والسيطرة المحكمة على الذوق والنقد على حد سواء .

وعلى العموم تعلن تلك الايديولوجيا أنه ليس هناك ما هو أحسن مما هو كائن (وهذه الثقافة دعائية ليس إلا، وما تنفك تتحول رويدا رويدا إلى إرهاب، عندما تعمل على إقرار الوضع القائم كأمر لا مناص أو بديل عنه)([9]).



وفي الأخير، "لم ير أدورنو إمكانية لتحرير الفرد من التسلط والهيمنة، لا في ظهور جماعات معارضة جديدة، ولا في التحرر الجنسي، وإنما ارتأى هذه الإمكانية بالأحرى في عمل الفنان الأصيل الذي يواجه الواقع المعطى بالتلميح إلى مايمكن أن يكون. وعلى هذا، فإن الفن الأصيل يمتلك قوة غلابة، لدرجة يضعه أدورنو في مواجهة العلم الذي يعكس الواقع الموجود فحسب، فيما يمثل الفن الأصيل شكلا أعلى من أشكال المعرفة، وسعيا متجها إلى المستقبل وراء الحق"([10]).



والتر بنيامين

أما والتر بنيامين (1892-1940م)، فيعد أيضا من رواد مدرسة فرانكفورت، وقد تأثر بكتابات كارل ماركس وأفكار جورج لوكاش الواقعية، وتكمن أهميته في كونه قدم أفضل الصيغ في الفكر النقدي للأدب، وقد ساهمت نظريته بشكل من الأشكال في ظهور البنيوية التكوينية عند لوسيان كولدمان. وقد اهتم بالفن كأدورنو اهتماما لافتا للانتباه،حيث درس الأدب في ضوء مفاهيم ماركسية، حيث اعتبر الفن والإبداع الأدبي إنتاجا والمؤلف منتجا، كما يتضح ذلك جليا في كتابه: "المؤلف منتج" (1934م). وقد طالب بنيامين أن يكون الإنتاج ثوريا، وعاملا فعالا في خلق علاقات اجتماعية جديدة بينه وبين المتلقي.ويعني هذا أنه يدعو إلى الفن الثوري الذي يغير المجتمع شكلا ومضمونا، وينوره بشكل إيجابي عبر تمرير رسائل ثورية. ومن هنا، يعتمد الفن عند والتر بنيامين : "على تقنيات معينة من الإنتاج، شأنه في ذلك شأن غيره من أشكال الإنتاج.أي: يعتمد على أنماط معينة في الرسم والنشر والعرض المسرحي...إلخ. هذه الأنماط جزء من القوى الإنتاجية للفن، وجانب من مرحلة من مراحل تطور الإنتاج الفني، تتضمن جماعا من العلاقات الاجتماعية بين الفنان المنتج والمتلقي المستهلك"([11]).

ومن جهة أخرى، يرى بنيامين أن الاستنساخ الصناعي قد قضى على الفن الراقي والسامي، وحوله إلى كليشيهات لاحياة فيها ولاروح. وهكذا، يقول بنيامين في مقاله: "العمل الفني في عصر الاستنساخ الصناعي" (1933م): "إن الأعمال التراثية في الفن كانت تحيط بها هالة من التفرد والتميز والتباعد والديمومة.ولكن الاستنساخ الآلي للرسم، مثلا، قضى على هذا التفرد، وأحل محل اللوحة الفريدة نسخا شعبية، فحطم بذلك من هالة الفن المتوحد المغترب، وأتاح للمشاهد أن يرى اللوحة حيث يشاء، وحين يشاء. وإذا كان البورتريه يحافظ على تباعده عن الموضوع، فإن آلة التصوير تنفذ إلى الموضوع، وتقارب بينه وبين المشاهد إنسانيا ومكانيا إلى أبعد حد، فتقضي على أي سحر غامض ينطوي عليه الموضوع. يضاف إلى ذلك أن الفيلم في آلة التصوير يجعل الناس جميعا خبراء، ماظلوا قادرين على التقاط الصور الفوتوغرافية؛ فتتهدم الشعيرة التقليدية لما سمي بالفن الراقي"([12]).



إريك فروم

هذا، وقد كرس إريك فروم كتاباته لإنشاء علاقة بين التحليل النفسي والماركسية،" عن طريق توسيع تفسيرات سيغموند فرويد فيما يتعلق بالفرد، لتشمل الموقع الطبقي للأسرة والوضع التاريخي للطبقات الاجتماعية. وتابع فروم في أعماله اللاحقة هذا الهدف الرامي إلى إقامة علم نفس اجتماعي ماركسي، يمكن أن تندمج فيه نظرية فرويدية معدلة، وبخاصة في نموذجه عن: "الشخصية الاجتماعية"، التي صاغها في ملحق كتابه: "الخوف من الحرية". ومع ذلك، توقف فروم في ذلك الوقت عن إقامة أية علاقات مع المعهد. فقد كان تفسيره السوسيولوجي الجديد، والذي يعد أكثر تجريبية وأكثر ماركسية للتحليل النفسي، موضع نقد كل من أدورنو وماركوز بعد فترة وجيزة"([13]).



يورجين هابرماس

أما يورجين هابرماس مجدد مدرسة فرانكفورت، فيمثل النظرية النقدية في مرحلة ما بعد الحداثة، وهو من أبرز المعبرين عن الاتجاه العقلاني، إذ نقد الطابع التقني والوضعي القمعي للعقل في الممارسات الرأسمالية والاشتراكية.

ويمثل هابرماس الجيل الثانى للنظرية لمدرسة فرانكفورت وهو الجيل الذى قاد النظرية النقدية نحو مرحلة متقدمة من الشمول والاتساع وجعلها أكثر انفتاحا على العلوم الأخرى. وهو ينتمى الى حقلى الفلسفة والسوسيولوجيا . صدر له 20 مؤلفا أبرزها كتاب النظرية والتطبيق الذى يحوى نقدا عميقا للماركسية. (عواطف عبد الرحمن، 2002)

ويعد أيضا عند توم بوتومور المفكر الأكبر لما بعد مدرسة فرانكفورت أو النظرية النقدية الجديدة. و"على الرغم من قربه من الماركسية، فإنه يختلف مع ماركس في أمر أساسي: فهو يرى أن ماركس قد أخطأ في إعطائه للإنتاج المادي المركز الأول في تعريفه للإنسان في رؤيته التاريخية، باعتباره تطورا للأشكال والأنماط الاجتماعية.



اهتم هابرماس بدراسة الثقافة والاعلام كما تناول الصحافة الراسمالية التى تدافع عن النظام القائم والسلطة المرتبطة بها مصلحيا وايديولوجيا، كما تناول من خلال التتبع الدقيق اساليب السلطة فى تطوير لغتها داخل الصحافة لمواجهة التطور الذى انجزته المعارضة .


صاغ هابرماس فى دراسته للتطور الاجتماعى والسياسى فى اوروبا مقولة جديدة هى "المجال العام " public sphere وكانت هذه المقولة هى موضوع رسالته التاهيلية للتدريس فى الجامعة، وقد اعدها عام 1961 ونشرها عام 1962، وجاءت بعنوان : التحولات البنائية للمجال العام . تناول هابرماس فى هذا العمل رؤيته للمجتمع باعتباره شبكة من العلاقات قوامها آلية محددة هى التواصل. قام هابرماس بدراسة المجال العام منذ نشأته فى القرن السابع عشر وتطوره عبر القرنين الثامن عشر و التاسع عشر وحتى اضمحلاله طوال القرن العشرين. (أشرف منصور، 2003)

وقد عرض فى دراسته كيف بدأ المجال العام فى القرن السابع عشر بين مجال الدولة والمجال الخاص من الاسرة والمجتمع المدنى، فلم يكن ذلك المجال جزءا من مجال الدولة بل على العكس كان معارضا لها ولآلياتها القانونيه والبيروقراطيه، كذلك لم يكن جزءا من المجتمع المدنى الذى تحكمه آليات السوق و المصلحة الشخصية. كذلك عرض لتطور مفهوم الرأى العام فخلال النصف الأول من القرن التاسع عشر حدث للمجال العام تحولا بنائيا وتاريخيا حيث أدى الحوار النقدى الذى أتاحه المجال العام الى التاثير على شكل الدولة الحديثة مما أدى الى تأثير مباشر فى سياسات الحكومات. وفى اطار ذلك تناول هابرماس الأدب فى مرحلته الكلاسيكية والانسانية الشمولية الى مرحلة أخرى هى تحويل الانتاج الثقافى الى سلعة حيث أشار ال اختفاء الدور النقدى الجاد فى العروض الثقافية واصبحت الدعاية والتسطيح هما البديل السريع مما ادى الى قتل الوظيفة الحيوية التى كان يمارسها النقد الأدبى. (أشرف منصور، 2003)



وبهذا الفهم يتضح ان المجال العام يعد وسيطا بين المجتمع المدنى والدولة، والدليل على ذلك أن المجال العام أقدم من القانون المدنى الذى جاء لينظم الحريات الاساسية كحرية الرأى والنقاش والنشر والاجتماع. (أشرف منصور، 2003).


ولهذا، يرى هابرماس أن التفاعل الاجتماعي هو أيضا بعد أساسي من أبعاد الممارسة الإنسانية، وليس الإنتاج وحده، وهو ما يوضح فلسفته التي تقوم على مفهوم الاتصال أو التواصل، وعلى أسبقية اللغة، وأولويتها على العمل.

والعقل الاتصالي عند هابرماس، هو فاعلية تتجاوز العقل المتمركز حول الذات، والعقل الشمولي المنغلق الذي يدعي أنه يتضمن كل شيء، والعقل الأداتي الوضعي الذي يفتت الواقع ويجزئه، ويحول كل شيء إلى موضوع جزئي حتى العقل نفسه"([14]).



إن هذا التطور يسجل ابتعادا أكثر عن نظرة مدرسة فرانكفورت في مرحلتها الأخيرة، وأصبح هذا التباعد أكثر صراحة بإعلان هابرماس أنه يتناول النظرية الاجتماعية بوصفه: "منظرا ماركسيا مهتما بمواصلة التعاليم الماركسية في ظل ظروف تاريخية متغيرة على نحو كبير". وهكذا، قدم هابرماس عناصر النظرية الماركسية المعاد بناؤها في عملين مهمين خلال السبعينيات، دار أولهما حول مشكلات الشرعية في المجتمعات الرأسمالية إبان مراحل تطورها الأخيرة، والثاني حول المادية التاريخية"([15]).



هذا وتعد اطروحة هابرماس فى المجال العام أساسا لفلسفته فى التواصل لأسباب عديدة حددها اشرف منصور فى النقاط التالية:

  • كان المجال العام هو مجال الحوار العقلانى الحر ولذلك اكتشف هابرماس ضرورة تحديد الشروط التى تجعل الحوار حرا غير خاضع للهيمنة
  • اكتشف هابرماس مستوى آخر من العقلانية يختلف عن العقلانية الاداتية والوظيفية السائدة فى مجال الاقتصاد والادارة والتكنولوجيا وهى العقلانية التواصلية
  • اذا كان جوهر الحوار فى المجال العام تكوين ارادة عامة وموقف موحد فهذا لا يتم الا باجماع واتفاق كل الاطراف المشاركة، لذلك كان فى حاجة الى صياغة نظرية تكشف عن شروط الوصول الى اجماع حر وطوعى (أشرف منصور، 2003، ص 190)

    ولقد واصل هابرماس تاسيس مشروعه النقدى الذى بدأه فى (المجال العام) من خلال العديد من الاصدارات أبرزها (التكنولوجيا والعلم كايديولوجيا) و (العقل والشرعية) حيث ظل يسعى الى تكوين منحى فكرى نقدى يطرح أنماطا جديدة من الاتصال الافقى بديلا عن الاتصال الرأسى الذى يلتزم به النظام على نحو يعمق العلاقة بين الفرد ومجتمعه.كما ناقش فى مؤلفه مدى قدرة التكنولوجيا على تحقيق تحرر الانسان موضحا أن التكنولوجيا لم تحقق هذا الهدف بل أدخلت الانسان المعاصر فى قوالب اجتماعية جديدة منبثقة عن المؤسسات التكنولوجية المهيمنة. (أشرف منصور،( 2003
    وتتجلى أهمية هابرماس في أنه فتح الفلسفة المعاصرة على نظرية التواصل، بشكلها المتميز، ثم سار بها قدماً، كي تمس السلوك الاتصالي، سعياً منه إلى تشخيص حال العالم بشكل عام، والمجتمعات الأوروبية بشكل خاص، ومحاولاً تحليل أسباب ونتائج ما يهدد الحياة الإنسانية، وبالأخص محاولات تحطيم بنيات الاتصال في خصوصياتها الإنسانية التي ترتبط بالقوى اللاعقلانية في عالم اليوم. (عمر كوش، 2009)

    يُعرّف التواصل بعملية نقل معلومة أو خطاب من مرسل إلى مستقبل أو من باعث إلى متلق، الغاية منها تبليغ معلومة أو رسالة معينة إلى متلق معين، وتتم بواسطة قناة اتصال معينة. وهي عملية بسيطة، لكنها تحمل مركبات ومفارقات واختلافات، نظراً لأن الرسالة التي يراد تبليغها ليست على الدوام واضحة ودقيقة وتحمل المعنى المتفق عليه أو المراد تبليغه، حيث تميل جميع الرسائل باتجاه التعدد والاختلاف والتنوع، وبالرغم من أهمية مستوى المتلقي فإنه لا يسجل على الدوام معطى الرسائل بشكل سلبي، بل يحاول الفهم وإصباغ الرسالة بدلالة معينة. كما أن قناة الاتصال تقوم بدور مؤثر في محتوى ومضمون الرسالة، وذلك تبعاً لكونها وسيلة سمعية أم بصرية. ولا يهدف التواصل إلى الإخبار فقط، بل إلى التأثير والإيهام والإغراء، لذا فإن العملية التواصلية تتصف بخاصية التعقيد، وتستلزم السؤال والاستفهام والتحليل الدراسة وحتى البحث.
    ووفقا لذلك أسس هابرماس نظريته في الفضاء العام وكيفية تشكل الرأي العام، حيث يرى بأن الفضاء العام كان مجالاً أو ميداناً للتعبير عن الرأي الفكري والنقدي فى الديموقراطيات القديمة، ثم جاءت وسائل الإعلام لتحتله وتشوهه، وتسيطر على مضمونه، كي تجعله دعامة للإيديولوجيا والمصالح.
    وبات من الضروري، مع تحول العلم والإيديولوجيا إلى أدوات للهيمنة، مساءلة الفضاء العام والتفكير في التواصل من جديد، وذلك من خلال تأسيس نظرية اجتماعية وثقافية في التواصل تسمح بالشروع في تفكير عقلي ونقدي جديد ومستقل لقضايا عصرنا، وهو أمر لا ينهض إلا بواسطة نظرية الفعل التواصلي حسب هابرماس. (عمر كوش، 2009)



    وبناء على ماسبق، فقد حدد هابرماس أربعة أنواع من الأزمات التي تعاني منها المجتمعات الرأسمالية المعاصرة: الأزمة الاقتصادية، وأزمة العقلانية، وأزمة الشرعية، وأزمة الدافعية أو أزمة التحفيز.ومن ثم، فقد حاول أن يقدم تقويما للتحول الذاتي للرأسمالية المتطورة. ومن هنا، فإن هابرماس يقدم قراءة تقويضية للمجتمع الرأسمالي، وقراءة تفكيكية للمجتمع البورجوازي المعاصر.
    و"في الظن أن المسألة الأكثر وضوحا، هي مدى ابتعاده عن أفكار مدرسة فرانكفورت الباكرة، حيث نجده قد سار، إلى حد ما، في عكس الاتجاه الذي بدأه أدورنو وهوركايمر، بإيلائه أهمية أكبر للنظرية الماركسية في المجتمع على نحو متميز، حين كرس مزيدا من الاهتمام لتحليل الهياكل الاقتصادية والسياسية، فيما نجد، على العكس، إشارات ضئيلة في أعماله لصناعة الثقافة.
    وعلى الرغم من أن هابرماس لم ينسب إلى الفلسفة دورا بارزا للغاية، مثل ذلك الذي حازته في فكر أدورنو وهوركايمر، فإن واقع الحال بلا شك، وبخاصة في أعماله الباكرة، أنه كان لا يزال مشغولا إلى حد بعيد بنقد الوضعية، وكان تأثيره ملحوظا بقوة كبيرة في المناظرات ما بعد النظرية حول الأسس الفلسفية للعلوم الاجتماعية"([16]).

    وعليه، فقد مر فكر هابرماس – حسب سامي خشبة- بمرحلتين رئيستين: مرحلة نقد العقل الوضعي الذي ساد الغرب مع نضج الرأسمالية، وتطور العلوم الإنسانية والتجريبية. والمرحلة الثانية التي انشغل فيها هابرماس ببناء نظرية اجتماعية قائمة على حركة تنويرية جديدة أو استئناف القديمة، وصياغة عقلانية تسترشد بالمنجزات العصرية لعلوم الطبيعة والعلوم الاجتماعية، وخاصة علم الاجتماع، وعلوم اللغة والاتصال، وعلم النفس التربوي التطوري([17]).

    المبحث الثالث
    مفاهيــم ومواضيع مدرسة فرانكفورت
    مواضيع المدرسة النقدية
    ان النظريات النقدية تتميز بتناولها للمواضيع الاتية:

  • تاكيد حق الفرد بالحرية و الاختيار
  • مجال يوضح صيغة العلاقات بين وسائل الاعلام و القوى المسيطرة بالمجتمع وترفض الدراسات الجزئية
  • دراسة علاقات وسائل الاعلام من خلال مخرجاتها
  • تتفائل النظريات النقدية بنظرتها الى جمهور المتلقين واصفة اياه بالعنيد
  • الاهتمام بالمستوى الاوسع في الدراسات النقدية لا يعني اغفال المستويات الاصغر


    مفاهيم مدرسة فرانكفورت الاعلامية:
    بعض النظريات الثقافية يشار اليها كنظرية نقدية ذلك لان علماء النظريات الثقافية نقدوا وسائل الاعلام وسخروا بحوثهم خصيصا لنقد وتغيير الوضع الموجود. كما ان النظرية النقدية اثارت تساؤلات حول كيفية تقديم طرق بديلة لما ينبغي ان تكون عليه سلوكيات وسائل الاعلام.

    النظرية الاعلامية لمدرسة فرانكفورت:

  • النسخة الاولى لنظرية الماركسيين الجدد
  • كان التحدي هو النازية الالمانية والبحث عن سبب كون التكنلوجيا الاعلامية نفسها معضلة في تمثيل المجتمع.
  • الجمهور يتقبل المحفزات الضعيفة.
  • وسائل الاعلام تكسر الروتين من خلال مشاهدة الافلام التي حلت محل الاوبرا.
  • النازيون استخدموا وسائل الاعلام لتكون ثقافة رفيعة المستوى بدلا من الثقافة الشعبية المزيفة.
  • ركزت على التقنية الاعلامية وليس على المحتوى المقدم بوسائل الاعلام.
  • راجعت دور وسائل الاعلام لوقت كبير ومناطق كثيرة.
  • توقعت تاثير وسائل الاعلام على التنيظمات الاجتماعية والثقافية.

    كما تناولت مدرسة فرانكفورت دور وسائل الاعلام من حيث:

  • ستراتيجية بحث التاثيرات الايجابية لوسائل الاعلام.
  • تحديد المتغيرات التابعة والمستقلة.
  • البحث عن الدليل الفعلي والقوة السببية لوسائل الاعلام.
  • ان الاعلام يجب ان يستخدم لتحقيق اهداف قيمية ويجب ان نقيم فيما اذا كانت وسائل الاعلام حققت ذلك ام لا، وان ننتقد الاستعمال السيء لها والعمل على تحسين استعمالها لانجاز اهداف قيمية.

    نماذج من الاهداف القيمية:
    ان الحضارة الغربية تؤكد ان القيم الاساسية والممارسات الاجتماعية بحاجة الى رعاية واهتمام. مثل:

  • الديمقراطية والتي تساوي بين جميع المواطنين في الممارسة السياسية والاجتماعية.
  • التحولات الثقافية للمجتمعات والتي يجب ان تحترم.
  • استهلاك المنتجات يقوم على احتايج فعلي اكثر منه على رغبات وسائل الاعلام.

    وبالتالي فان المدرسة النقدية قدمت مدرسة فرانكفوت الالمانية من امثال هور كايمر وادرنو وماركيوز وفروم وهذه المدرسة تعطي الاولوية في تحليلهم للمحيط الثقافي والاجتماعي الذي تتم فيه عملية الاتصال وقد تأثرت بالفكر الماركسي وهم يعتمدون على البحث النظري المجرد الخالي من المعطيات الموضوعية وقد تفرعت هذه المدرسة الى اتجاهات مختلفة منها اصحاب اتجاه الاقتصاد السياسي والاتجاه اللشمولي و الاتجاه الثقافي النقدي والاتجاه الامبريالي الثقافي.



النظرية النقدية في الميزان:

الايجابيـــــــات: من أهم إيجابيات النظرية النقدية:

  • أنها تنتقد التوجهات الرأسمالية بالتقويض والتشريح والتفكيك.
  • تنتقد النظريات العلمية والوضعية التي أهملت الإنسان، والذات، والمجتمع، والمصلحة الاجتماعية، والقيم الأخلاقية، واعتبرت الإنسان موضوعا مشيأ، تتحكم فيه الحتميات الجبرية، وأنه لا قوة له ولا فاعلية في صنع التاريخ أو تغيير المجتمع.
  • جاءت النظرية النقدية لتصحيح أوضاع المجتمع وتغييرها، وذلك عن طريق تعرية المؤسسات الرأسمالية المهيمنة، وفضح أوهامها الإيديولوجية، وتطوير المفاهيم الماركسية في ثوب جديد، أو إعادة صياغتها مرة أخرى كما فعل هابرماس. وقد تحققت فعلا قطيعة إبستمولوجية بين النظرية النقدية القديمة والنظرية النقدية الجديدة.

    انتقادات الموجهة لمدرسة فرانكفورت الاعلامية:

  • اختلاف آراء مفكري مدرسة فرانكفورت من شخص إلى آخر
  • واختلاف توجهات مدرسة فرانكفورت لمابعد الحداثة عن مدرسة فرانكفورت في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين
  • كما استبعدت المدرسة اهتمامها بالتاريخ والاقتصاد إلى حد كبير، وانحرفت انحرافا كبيرا عن مبادىء الماركسية الكلاسكية كما عند الجيل الثاني من مفكري معهد فرانكفورت
  • وقد همشت النظرية النقدية الجديدة مع هابرماس الطبقة العاملة باعتبارها طبقة ثورية سياسية فاعلة ومغيرة.
  • لذا، وصفت مدرسة فرانكفورت بأنها: "ماركسية بدون بروليتاريا"([18]).



وفي هذا النطاق، يقول توم بوتومور في كتابه: "مدرسة فرانكفورت": "وقد أخفقت مدرسة فرانكفورت في الالتزام بالطريقة القاطعة التي اقترحها هوركايمر للنظرية النقدية، حين ذكر أنها لا تمتلك المفاهيم والأدوات التصورية القادرة على سد الفجوة بين الحاضر والمستقبل"([19]).

ويمكن القول أخيرا بأن النظرية النقدية في عمومها قد ابتعدت في مراحلها الأخيرة عن الماركسية التي انطلقت منها في بداياتها، بل اعلنت هذه النظرية فشلها حينما اعتبر هابرماس بأن نظرية مابعد الحداثة حالة مرضية؛ بسبب اختلال التوازن بين ماهو معنوي وماهو مادي.



أخيرا:

يمكن القول بأن مدرسة فرانكفورت قد مرت بمجموعة من المراحل، فقد انشغلت في الثلاثينيات والأربعينيات بالاشتراكية الوطنية، ومعاداة السامية، واهتمت في الخمسينيات بصناعة الثقافة، واعتنت في الستينيات بالحركات الثورية التحررية، لا سيما ثورة الطلبة والأقليات العرقية، لتهتم في سنوات السبعين وبعدها بنظرية المعرفة، وإعادة النظر في الكثير من الآراء الماركسية، وبناء أسسها من جديد، وصياغة نظرية ماركسية جديدة، والاعتناء بالقضايا السياسية والمجتمعية في ضوء النظرية النقدية. وقد ارتبط علم الاجتماع بالماركسية، ووضعت النظرية النقدية إبستمولوجيا بين الفلسفة والعلم، وخاصة مع مفكر التجديد هابرماس.



ومن هنا، "يبدو أن مفهوم مدرسة فرانكفورت عن تدهور، أو تلاشي الطبقة العاملة كقوة سياسية، قدم أساسا على فكرة طوباوية وخيالية عن الثورة، التي هي بأية حال الطريق الوحيدة، أو الأكثر ماركسية، لتصور عملية الثورة الاجتماعية. وربما يكون هذا المفهوم قائما أيضا على انعكاس الخبرة الاستثنائية الأمريكية، الناجمة عن غياب طبقة عاملة منظمة سياسيا في المجتمع الأمريكي، على فكرهم، ولا سيما في حالة ماركوز"([20]).




الخلاصة

وهكذا، نصل إلى أن النظرية النقدية هي قراءة ماركسية للمجتمع، ونقد للنظرية العلمية والوضعية التي أهملت الإنسان والذات والتاريخ والمجتمع والأخلاق. ومن ثم، تعمل النظرية النقدية على تنوير المرء الملزم، وتنويره عقلانيا وذهنيا، وانتقاد الاغتراب في المجتمع الرأسمالي، وإدانة فكرة التشييء والاستلاب والقمع الآلي. ومن ثم، تستند النظرية النقدية في قراءتها للأدب والفن إلى مفاهيم النقد المراكسي الكلاسكي أو الماركسية المعدلة في نظرية هابرماس. ويمكن أن نحدد مجموعة من المراحل التي قطعتها النظرية النقدية الجديدة، فكان هناك في البداية اهتمام بنقد الوضعية العلمية، ومعاداة الفكرة السامية. وبعد ذلك، انتقل الاهتمام إلى المجال الثقافي مع ماركوز، ليتم الإنصات إلى الحركات الثورية الطلابية والأقليات المضطهدة، لتتخذ النظرية النقدية توجها جديا مع هابرماس، حيث بدأت النظرية النقدية الجديدة تقدم تصورات مختلفة حول المجتمع متأرجحة بين الفلسفة والعلم، كما أعيدت صياغة الماركسية من جديد على أسس علمية وسياسية واجتماعية مابعد حداثية، لتنتهي النظرية النقدية بالثورة على مابعد الحداثة نفسها، وذلك حينما وقع اختلال مجتمعي وحضاري بين القيم المادية والقيم المعنوية، فترتب عن ذلك أن أصبحت مابعد الحداثة حالة مرضية مأساوية.


المراجــع

  1.  رمزى زكى، الليبرالية المتوحشة:  ملاحظات حول التوجهات الجديدة للرأسمالية المعاصرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2007
  2.  هانى خميس، النظرية النقدية وازمة علم الاجتماع: دراسة تحليلية لكتابات مدرسة فرانكفورت، رسالة ماجستير غير منشورة، قسم الاجتماع، كلية الآداب، جامعة الاسكندرية، 2002
  3.  توم بوتومور، مدرسة فرانكفورت، ترجمة حافظ دياب، دار اويا للطبع والنشر، ليبيا، 2004
  4.  عواطف عبد الرحمن، النظرية النقدية فى بحوث الاتصال ن دار الفكر العربى، القاهرة، 2002
  5.  مدرسة فرانكفورت: شعلة اليسار الجديد، ترجمة أحمد جميل حمودى، مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، 2008
  6.  عبد الله المطيرى،يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت: النظرية النقدية التواصلية، جريدة الرياض، السعودية 14-12-2006
  7.  اشرف منصور، النقد المعاصر للفكر السياسى الليبرالى، المجلس الأعلى للثقافة، مصر 2003
  8.  عمار عكاش، قراءة في كتاب الإنسان ذو البعد الواحد لهربرت ماركيوز: من القمع السافر إلى الهيمنة، الحوار المتدمن، العدد 2062 بتاريخ 8-10-2007
  9.  عمر كوش، التواصل وفلسفة الفعل التواصلى، جريدة المستقبل، لبنان، العدد بتاريخ 2-12-2009

10- Theodor Adorno and Max Horkheimer, the Culture Industry: Enlightenment as Mass Deception, 1from Dialectic of Enlightenment, New York: Continuum, 1993.


11- Douglas Kellner, Habermas, the Public Sphere, and Democracy: A Critical Intervention, Avilable online:

http://www.gseis.ucla.edu/faculty/kellner/

12- Severin, Werner J &.Tankard, James W (2001) Communication theories: origions, Methods, and Uses in the mass media, fifth edition, longman inc. p 217


13- Karthik K. Ramachandran (2006) , The Evolution OF Media Industries and The Public Sphere: Does The Blogsphere Serve as aPublic Sphere? M.A thesis, Georgetown University, USA


14- Marcuse, Herbert (1991) , One-dimensional Man: Studies in the ideology of Advancd Industrial Society (1964) Boston: Beacon Press. Avilable online: http://www.marxists.org/reference/ar...-man/index.htm







([1]) توم بوتومور: مدرسة فرانكفورت، ترجمة: سعد هجرس، دار أويا، طرابلس، ليبيا، الطبعة الثانية سنة 2004م، ص:13.
([2]) - انظر: د.سعد البازعي وميجان الرويلي: دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، سنة 2000م.ص:200.
([3]) توم بوتومور: مدرسة فرانكفورت، ترجمة: سعد هجرس، دار أويا، طرابلس، ليبيا، الطبعة الثانية سنة 2004م، ص14.
([4]) توم بوتومور: مدرسة فرانكفورت، ترجمة: سعد هجرس، دار أويا، طرابلس، ليبيا، الطبعة الثانية سنة 2004م، ص:212-213
([5]) توم بوتومور: المرجع السابق، ص:44-45.
([6]) توم بوتومور: المرجع السابق،ص:83
([7]) توم بوتومور: المرجع السابق، ص:188
([8]) ديفيد كارتر: النظرية الأدبية، ترجمة: د. باسل المسالمه، دار التكوين، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى سنة 2010م، ص:63.
([9]) هربرت ماركيوز : العقل والثورة هيغل ونشأة النظرية الاجتماعية،ترجمة د فؤاد زكريا، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1970.ص55
([10]) توم بوتومور: المرجع السابق، ص:88-89
([11]) تيري إيجلتون: الماركسية والنقد الأدبي، ترجمة: جابر عصفور، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 1986م، ص:62.
([12]) تيري إيجلتون: الماركسية والنقد الأدبي، ترجمة: جابر عصفور، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 1986م، ص:63-64
([13]) توم بوتومور: المرجع السابق، ص:52
([14]) توم بوتومور: المرجع السابق، ص:160
([15]) توم بوتومور: المرجع السابق، ص:116
([16]) توم بوتومور: المرجع السابق، ص:125
([17]) توم بوتومور: المرجع السابق،ص:160-161
([18]) توم بوتومور: المرجع السابق، ص:133
([19]) توم بوتومور: المرجع السابق،ص:207.
([20]) توم بوتومور: المرجع السابق،ص:105-136

No comments:

Post a Comment