الإعلام الذكي.. منظور يتجلى في الأزمات

اعتاد العالم على التعامل مع الإعلام التقليدي (الفضائيات والإذاعات) والإعلام الجديد (شبكات التواصل الاجتماعي) كل بصورة منفردة مستقلة، ويندر أن يحدث تناغم بينهما إلا في حدود ضيقة، مثل غياب الإمكانات المادية وفقدان الأفضل، وساحات المعارك والتظاهرات، إذ قد تجد من يتواصل مع وسائل الإعلام التقليدي من خلال وسائل الإعلام الجديد لكن ذلك قليل ويقتصر على ما ذكرنا أعلاه.

لكن اللافت حينما يلجأ لذلك رئيس جمهورية تركيا مثل رجب طيب أردوغان حينما تعرض إلى محاولة انقلابية فاشلة في ليلة الجمعة 16-7-2016، وكان من أبرز عوامل فشل الإنقلاب هو ظهور الرئيس التركي في قناة تلفزيونية خاصة هي قناة «سي إن إن تورك» عبر اتصاله بها من خلال خدمة الـفيس تايم (Face Time) من هاتفه المحمول - بعد أن انقطع بث التلفزيون الرسمي «تي آر تي» (TRT)- ليخاطب الشعب بالنزول إلى الشارع والحفاظ على الديموقراطية التركية، وكان له ما أراد، وفشل الإنقلاب.

والعنصر الأهم في عملية الاتصال تلك، ليس هو استخدام وسيلة تواصل جديدة مع وسيلة تواصل تقليدية وحسب، إنما العنصر الأهم كان هو إدراك لشخصية عامة مثل أوردوغان وهو في قمة الشعور بالأزمة الفعلية الحقيقية لأهمية تواصله مع جمهوره بطريقة اتصالية جعلت من الإعلام التقليدي يمتزج مع الإعلام الجديد في جسد واحد، والعنصر المهم الآخر هو الآنية في تعانق الإعلامين وليس بث الإعلام التقليدي لمادة مسجلة أو منشورة في منصات التواصل الاجتماعي، لقد كانت لحظة تأريخية في عالم الإتصال التي أظهرت بصورة جلية ما يمكن أن نسميه الإعلام الذكي.

ومن منظور الإعلام الذكي فإن القائم بالاتصال يلجأ إلى استثمار وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد أثناء الأزمات لإدارة شؤون المؤسسة أو الدولة أو الأفراد التابعين أو حتى الجيوش والتظاهرات، حتى لاتجد وسائل الإعلام التقليدية بدا من أن تتعامل مع الصورة أو الخبر عبر تلك الوسائل كمصدر رئيس لها واعتماده، وبالتالي فإن الفرضية القائمة لذلك هو امتزاج الإعلامين التقليدي والجديد في الأحداث والأزمات بوجود قائم بالاتصال مدرك لأهمية ذلك. كما نرى أنه يمكن في المستقبل القريب أن يظهر التناغم والتمازج بين الإعلامين عبر تقنيات جديدة ومتطورة، وبدقة عالية.

لكن من المآخذ التي قد تعكر هذا التناغم هو أن مصادر البث مستقلة للإعلامين التقليدي والجديد، فالأول يعتمد الأقمار الصناعية، والثاني يعتمد شبكة الاتصال العالمية (الإنترنيت)، وفي حالة توقف أحدهما لاسيما اثناء الأزمات فلن يحدث التناغم والتمازج، وبالتالي انعدام الاتصال بين الإعلامين.

يعني على سبيل المثال، ماذا لو تم قطع الإنترنت من قبل الإنقلابيين في تركيا، كيف يتمكن الرئيس التركي من التواصل مع الإعلام التقليدي؟، وهذا يضع العالم اليوم أمام أهمية وضرورة إيجاد البديل الاتصالي المناسب والسريع والفوري، كأن يكون هناك أجهزة فيديو عبر الأقمار الصناعية، أو ايجاد شبكة تواصلية واسعة تشمل مؤسسات الدولة وبعض المناطق والنقاط الجماهيرية العامة لغرض ايصال الرسائل إليها في حالة انقطاع الإنترنت او التشويش وغير ذلك.

وبناء على كون الإعلام الجديد ومنصاته أدوات اتصالية يمكن استثمارها لحشد الرأي العام وتحريك الجماهير، فإن الشاشة الذكية الصغيرة لن تلغي الشاشة التقليدية الكبيرة، والأيام حبلى وما يدري ما بأجنتها إلا الله، إذ يمكن أن تحدث التغيرات التكنولوجية والإتصالية تغيرات سياسية كبيرة، لاسيما إذا تعانق الإعلامان، عندئذ سيكون الشعب والجمهور وأنظمة الحكم في مقابلات ولقاءات مستمرة، ولن يدوم البرج العاجي لأحد، كما يمكن أن يكون ذلك حصنًا لنظام الدولة من العبث والتآمر.

إن النقطة الفريدة في الشاشة الكبيرة هو الحماس الذي تحدثه في جمهورها الجمعي والذي أعتقد أنه يفوق الحماس لجمهور الإعلام الجديد (الشخصي)، لأن جمهور الإعلام التقليدي يتواصل مع الشاشة ومع من حوله، بينما في الإعلام الجديد فهو على الأغلب تواصل فردي والحماسة فيه تبقى مظنة استمرارها قائمة مثل انقطاعها.

هذا كله سيجعل العالم كله، وخصوصا العالم الذي يشهد أزمات وأحداث متكررة ومستمرة يميل ميلا عظيما إلى تعزيز عملية الامتزاج الاتصالي بين النوعين، سواء كان ذلك خوفاً على منظومة أو دولة أو خوفًا من منظومة أو دولة. فإلى أين سيصل العالم؟ وهل يكفي للعالم الثالث أن يقف متفرجاً؟ والدنيا حوله تدور بسرعة ولاتعقب؟