قدرة الاعلام الجديد على تطوير الممارسة السياسية

قدرة الاعلام الجديد على تطوير الممارسة السياسية

تحليل لأهم النظريات والاتجاهات العالمية العربية

The Modern Media

 to Develop the Political Activities

Analyzing of Most Important Theories & Directions in Arab & World

أولاً: تطور وسائل الإعلام والاتجاهات النظرية الأساسية بشأن اثارها

إن مصطلح (الميديا) Media والذي يعني الإعلام، هو مصطلح عام يشير إلى الأداة (كتاب، مذياع، شبكة الكترونية.... الخ)، لكن يشير أيضاً إلى نقل المعارف والرسائل بين الأشخاص.

وان من الأهمية بمكان التطرّق إلى التطوّر الذي عرفته وسائل الاتصال الجماهيري قبل التطرّق إلى التطور النظري، رغم أن ذلك ينبغي ألا يدفع إلى الاعتقاد باقتران النظريات بصنف تكنولوجيا الاتصال، التي انصبت على تحليلها، إذا إن العديد من النظريات تبقى صالحة كأساس لفهم أثر وسائل الاتصال التي ظهرت بعد انشائها، وتجتذب أنصاراً جدداً حتى بعد ذهاب مؤسسيها.

1 – تطور وسائل الإعلام: من الكتاب إلى وسائل الاتصال الجماهيري

أ – وسائل الإعلام التقليدية

يعَدّ الكتاب إحدى وسائل الاتصال التي أنتشرت بسبب الأنشطة المتمحورة حول المطبعة في أوربا في منتصف القرن الثامن عشر. وقبل أن يصير الكتاب أكثر تداولاً، كان اقتناؤه في بداية الأمر مقتصراً على شرائح محددة تتمثّل في الطبقات المستنيرة من المجتمعات الغربية، التي امتلكت الإمكانات المالية اللازمة لاقتنائهه، خاصة أن ثمنه كان مرتفعاً بسبب اعتماد طباعته على عمل عائلات احتكرت أشغال طباعة الكتب بنسخ محدودة لكنها غالية.

وبعد أن تم التحوّل نحو كتب العلماء وكتب الترفيه، عرف رواج الكتب ازدياداً كبيراً، ولابد من الاشارة إلى لحظة الانعراج الكبير في وسائل الاتصال الجماهيرية خلال هذه الفترة ستحصل مع ظهور الصحافة، التي تباع بسبب الإشهار بأثمان تقل عن ثمن طباعتها، فارتفعت النسخ المسحوبة منها من 80 إلى 180 ألف نسخة، وهو أمر ساهم فيه إضافة إلى اقبال الجمهور وارتفاع هامش الحرية الذي سمحت به الأنظمة السياسية في أوربا وأمريكا آنذاك، وتطوّر تكنلوجيا الطباعة.

من جهة أخرى، سمح تطوّر التكنولوجيا في ميدان الصورة والصوت للسينما مع بداية القرن العشرين بأن تصبح أداة رئيسية لنقل القيم والرسائل، وتشكّل مجالاً لتعاون مختلف الفنون انطلاقاً من الرواية إلى المسرح والموسيقي.... ألخ .

ومنذ منتصف القرن العشرين، شهدت تكنولوجيا الاتصال تطوّراً متسارعاً، انطلاقاً من اختراع المذياع ثم التلفزة، إلى شبكات الاتصال التي مكّنت من سرعة نقل المعلومات، وصولاً إلى البث الفضائي والهواتف النقالة وشبكة الإنترنت.

ب – خصائص وسائل الإعلام الجديدة

شهدت تكنولوجيا الاتصال تحولاً كبيراً ادت الى ان ننقل من آلات تعتمد على التماثل (analogue) ألى أخرى رقمية (Digital)؛ ومن آلات لها وظيفة وحيدة إلى آلات متعددة الوظائف، وهو مايجعل وسائل الاتصال الجماهيري تملك خصائص ترفع من كفاءتها ومن فعاليتها في القيام بالأدوار التي صُنعت من أجلها. ومن بين اهم هذه الخصائص يمكن الإشارة إلى ما يلي:

(1) الاستعارة والالتقاء

الاستعارة هي قيام وسيلة الاتصال باقتباس المواضيع والتقنيات المستعملة في وسيلة أخرى سابقة لها، أو لاحقة عليها بشكل لايجعلها مجرد استعمال مماثل لما تؤديه الوسيلة المستعارة منها.

فمثلاً ترتكز معالجة النصوص في الحاسوب على تقنيات الآلة الكاتبة، لكنها تقدّم إمكانات أكثر ممّا كانت توفّره هذه الاخيرة. كما أن التلفزة تستعمل الشاشة المقتسمة والعنوان لتقدم الأخبار، مثلما يحصل في الإنترنت. هذا يجعل وسائل الاتصال الجماهيري تتأثر في ما بينهما، وهو مايجعل تطورها أكثر من مجرد تعاقب يؤدي إلى حلول الوسائل الجديدة محل القديمة منها[1].

أما الالتقاء، فيشير إلى سفر المضامين بين مختلف وسائل الاتصال، الأمر الذي يؤدي إلى نوع من التوحد في معالجتها، أو إلى حصول تأثيرات متقاربة.

 (2) وسائل الإعلام الجديدة (وسائل ذكية)

صارت وسائل الاتصال اليوم أكثر ((ذكاء)) لأنها تتوافر على حواسيب صغيرة مدمجة فيها،  وذلك حتى بالنسبة إلى الاستعلامات الشخصية، وهو ما يوفّر للمستعمل إمكانية التشفير وفك التشفير، وتخزين المعلومات، متجاوزاً الاستعمال البسيط الذي كان يميز ما سبقها من وسائل الاتصال. وكذلك الهاتف النقال في نسخة الحالية لايقدّم فقط وظيفة الاتصال، ... ومثل ذلك المدوّنات على الإنترنت التي تسمح للمتصفحين بالتفاعل مع ماهو معروض من خلال انتقاده أو إغنائه، والأمر نفسه ينطبق على الصحافة على شبكة الإنترنت، ... مع العلم أن الصحافة الإلكترونية تتكوّن في جزء كبير منها ممّا هو مكتوب في الأول.

2 – تطوّر النظريات بشأن تكنولوجيا الإعلام

شهدت النظريات التي حاولت تحليل وتفسير أدوار وسائل الإعلام تغييرات مهمة[2] على مدى القرنين الماضيين. وقد بلغ عدد تلك النظريات مايقرب 150 نظرية نكتفي باستعراض مضامين بعض نماذجها، رغم أن بعض هذه المقتربات تجاوزها الزمن والأحداث، ابتداء من نظرية وسائل الاتصال الجماهيري في القرن التاسع عشر، وصولاً إلى مجموعة من الاتجاهات المعاصرة.

أ – نظرية وسائل الإعلام الجماهيرية والثقافة الجماهيرية

تعود الأفكار الأولى المندرجة ضمن إطار مرحلة الاتصال الجماهيري إلى النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وهي فترة تميزت بالانتشار السريع للمصانع الكبرى في المناطق الحضرية، بالتزامن مع ارتفاع وتيرة هجرة الأفراد من المناطق الريفية إلى داخل المدن في الدول الصناعية، وظهور المطابع التي سمحت بإنشاء الصحف القابلة للبيع بأسعار منخفضة لجمهور من القراء أخذ في الازدياد بوتيرة متسارعة.

وقد تميز الكتّاب المنتمون إلى هذا المقترب بالتشاؤم حيال مايمكن أن تؤدي اليه وسائل الاتصال من مساوئ، من قبيل تقويض النظام الاجتماعي القائم والمؤسسات الديمقراطية، وتهديد ثقافة وقيم النخبة آنذاك .. هذا التشاؤم النظري اختلط مع سيادة نوع من التفاؤل بشأن وسائل الاتصال الجماهيري كأداة يمكن أن تستعمل من أجل إعادة ترميم النظام المجتمعي القديم أو بناء آخر جديد

ب – مدرسة فرانكفورت:

أنتجت  مدرسة فرانكفورت بصفة مبكرة نموذجاً مبكراً للدراسات الثقافية النقدية لوسائل الإعلام الجماهيرية والثقافة؛ إذ طوّرت هذه المدرسة لوسائل الإعلام مقترباً نقدياً ومتعدد التخصصات يقوم على الجمع بين نقد والاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام، وتحليل النصوص، ودراسات الآثار الاجتماعية والأيديولوجية الناجمة عن استقبال الجمهور للثقافة الجماهيرية والإعلام.

وقام أنصار هذه المدرسة، ومن أبرزهم تيودور أدورنو وماكس هوركايمر بفحص الصناعات الثقافية كشكل من اشكال إدماج الطبقة العاملة في المجتمعات الرأسمالية.

كما ركزت مدرسة فرانكفورت على التكنولوجيا والثقافة، مشيرة إلى تحوّل التكنولوجيا إلى قوة رئيسة لتكوين التنظيم الاجتماعي وإنتاجه وللسيطرة عليه.

ج – نظرية الأثر المحدود لوسائل الاتصال الجماهيري

مع منتصف الخمسينات من القرن الماضي، قام لازارسفيلد (Lazarsfield ) وباقي الباحثين في وسائل الاتصال الجماهيرية ذوي النزعة التجريبية، بتجميع كمّ هائل من المعطيات والبيانات. وقد دفعهم تحليلها إلى الاستنتاج بأن وسائل الاتصال لم تكن قوية على النحو الذي كان يُخشى منه أو يؤمل به. على العكس من ذلك، خلص هؤلاء الباحثين إلى أن الناس يمتلكون آليات عديدة لمقاومة تلك الوسائل، وإلى أن مواقفهم تخضع للعديد من العوامل، مثل الأسرة والأصدقاء والجماعات الدينية[3]. وان مفاد هذه النظرية أن يقوم المرسل بارسال الرسالة عن طريق قناة مناسبة إلى الجمهور من خلال أناس يمكن تسميتهم بالقادة أي أن الاتصال يتم على مرحلتين وليس دفعة واحدة.

د – الماركسية الجديدة

ظهرت انسجاماً مع النظرية الأم الماركسية حول دور وسائل الاتصال الجماهيري، وتضم مجموعة من المنظرين المنتمين إلى تيارات الاشتراكية الأوربية – الذين قاوموا بشدة هيمنة الولايات المتحدة الاجتماعية المهيمنة من خلق سلطتهم والحفاظ على استمراريتها، من خلال استثمار الإمكانات التي تخولها تلك الوسائل، والمتمثلة من خلال تقدميمها آلية مريحة وإنها تُستعمل لتهمش المعارضة، وتقديم الوضع القائم باعتباره السبيل الوحيد المنطقي والعقلاني لهيكلية المجتمع.

هـ - مدرسة الدراسات الثقافية الإنكليزية

خلال الستينيات، طوّر بعض الماركسيين الجدد في بريطانيا مدرسة النظرية الاجتماعية، التي يشار إليها على نطاق واسع باسم الدراسات الثقافية البريطانية. وقد ركز المنتمون إلى هذه المدرسة من أمثال (ستيوارت هال وريتشارد هوغارت...) بشكل كبير على وسائل الاتصال، وتوجهوا إلى تقييم كيف يمكن أن يؤدي ذلك الاستعمال إلى جعل الناس يساندون الافكار التي تدعم النخب المهيمنة. وأظهرت الدراسات الثقافية البريطانية كيف تشكّل الثقافية نماذج متميزة للهوية وللعضوية في الجماعة ذات مقومات كبيرة لمقاومة الثقافة والهوية المهيمنة، وخلق هويات وأنماط خاصة بها.

و – الاتجاهات النظرية الحالية

وفق هذه النظرية، يعمل الباحثون على تتبّع ودراسة الأطر التي يملكها الأفراد، من أجل تحديد الاتجاهات في تعريف القضايا، والكيفية التي يتم التعاطي بها معها، ومقارنة تغطية وسائل الاتصال لها وفحص الاختلافات في تلك التغطية. أما أهمية دراسة الأطر، فتتمثّل في كون هذه الأخيرة تؤثر في مواقف الجمهور وسلوكاته، وهو تأثير تفسره تلك النظرية بكون الأطر التي تستخدمها النخب (مثلا، السياسيون، ووسائل الإعلام، وجماعات المصالح.. إلخ. يعيد الجمهور أستخدامها عادة، متخذاً ماتوحي به واؤدي اليه تلك الأطر من المواقف وقرارات وسلوكيات

ثانياً: الإعلام الجديد وتفعيل الممارسة السياسية اتجاهات عالمية

لوسائل الاتصال الحديثة آثار في الحقل السياسي بصفة عامة، وفي الممارسة السياسية بصفة خاصة. ولعل من أهم مؤشرات تلك الآثار دور تلك الوسائل في تقوية النشطاء (Activities)، وفي إدخال الانتخاب الإلكتروني وما يترتب عليهما من تفعيل للمشاركة السياسية للأفراد.

1 – النشطاء الإلكترونيون

أ – انتشار الظاهرة.

ساهم ازدياد استعمال وسائل الاتصال الجديدة في تغيير جوهر العملية السياسية بصفة عامة، والتعبئة الاجتماعية بصفة خاصة، وصار فاعلو الحقل السياسي أكثر ميلاً إلى استخدامها في إطار المهام التي يضطلعون بها، وداخل الاجندة المتحكّمة في تحركاتهم: الاتحادات، الاحزاب السياسية، الحكومات. هذا الاتجاه العميق مس أيضاً مؤسسات المجتمع المدني، التي عرفت ظهور مايُعرف بالنشاط (النضال) الإليكتروني (E-activism) الذي يشير إلى استعمال تكنولوجيا الاتصال، مثل الرسائل الإلكترونية والمواقع والـ "بودكاستينغ" (podcasting) من أجل مختلف أشكال النشاط.

أشار دوغلاس شيلر في كتابه (New Community Network) ألى أن حوالي 500,000 من الأفراد يستعملون بانتظام مئات من شبكات الجماعات على الإنترنت في الولايات  المتحدة الامريكية والعالم. إنهم يتوحدون في مختلف المؤسسات المحلية (مثل المدارس، الجامعات، .. والمؤسسات غير الربحية) في شكل موارد مجتمع واحد توظف من الاضطلاع بوظائف متعددة، أن ذلك يحصل من خلال الآليات التالية:

• الربط بين أعضاء جماعة معيّنة، وتشجيع النقاش، ودعم الثقافة المحلية.
• المعلومات ذات الأهمية الخاصة لحاجات الجماعات ومشاركة قاعدة عريضة من المواطنين.
• توفير الخدمات الأساسية بتكاليف عادلة ومعقولة، أو على أساسي مجاني

إن ماسبق لايعني أن الجماعات  على شبكة الإنترنيت هي جماعات غير موجودة في الواقع بل موجودة وبحاجة إلى أن يلتقي أفرادها وجهاً لوجه من أجل تمتين الروابط بينهم وإن تكن الإنترنت هي أحد الفضاءات المهمة لذلك.

وفي إطار سيرورة وسائل الاتصال الحديثة هذه واستعمالها من قِبل الأفراد والجماعات ظهرت البرمجيات الاجتماعية[4]، التي ساهمت في أحداث ثورة في مجال الإنترنت التقليدية بسبب ماتمنحه للأفراد والجماعات من مجالٍ للمشاركة والتفاعل.

ب – تكنولوجيا المعرفة والاتصال وفعالية النشاط

يندرج النقاش حول دور وسائل الإعلام في إطار البحث حول الاتصال السياسي بصفة عامة، وأثرت تلك الوسائل في التعبئة والمشاركة السياسية. ومن بين النظريات المتداولة في هذا الخصوص يمكن الإشارة النظريتين التاليتين:

(1) نظريات لانغ

ترجع هذه النظريات إلى كورت لانغ (K. Lang) وغيلاديس لانغ (G. Lang) اللذين يقولان بوجود ارتباط بين انتشار شبكات الأخبار وتوسع مشاعر الانقطاع عن العملية السياسية، ذلك بأن طريقة تغطية الأخبار التلفزيونية للأحداث يمكن أن تؤثر في التوجهات الأساسية للناخبين اتجاه المؤسسات العامة. وهما يريان أن تلك التغطية تزيد من حدة العناصر المتضاربة للعملية السياسية التي تغذّي بدورها سخرية الأفراد منها على نحو عام. وفي الاتجاه نفسه يوكد ميشال روبنسون أن وسائل الإعلام، من قبيل التلفزة والجرائد، كمصدر للمعلومات السياسية، تتسبب في العزوف السياسي، وذلك بفعل العوامل التالية:

• الحجم الكبير وغير المتجانس لمشاهدي الأخبار التلفزيونية.  
• التصورات العامة لشبكات الاخبار.
• الطابع التفسيري لتغطية الأخبار التي يقدمها التلفزيون.
• تركيز التقارير الإخبارية على العناصر السلبية
• تركيز شبكات الأخبار على المواضيع المرتبطة بالصراعات والعنف.

وقد ترسخ هذا الاتجاه النظري حول وسائل الإعلام في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، واتخذ منحى خاصاً في السياق السياسي لأمريكا الشمالية ؛ فأخبار التلفزة  في الولايات المتحدة تقدّم الحياة السياسية بطريقة أكثر سلبية من تلك التي تتضمنها الجرائد ولهذا يمكن القول إن العزوف السياسي يزداد بازدياد الأخبار السيئة في قصص السياسيين والمؤسسات السياسية.

 (2) نظريات التعبئة السياسية

تشدّد هذه النظريات على التأثير الايجابي لوسائل الإعلام في المحافظة على المشاركة الديمقراطية وتشجيعها. وبصفة خاصة، يرى أنصارها ضرورة التفرقة بعناية بين الآثار السلبية والآثار الإيجابية لمختلف وسائل الإعلام، للرسائل والمشاهدين. فعلى سبيل المثال، تذهب بيبا نوريس (P. Nourris) إلى أن المستهلكين المنتظمين لأخبار التلفزة والمعتادين قراءة الصحافة السياسية، وبغضّ النظر عن مدى التغطية التي تقدمها تلك الرسائل، هم أكثر ميلاً إلى الاهتمام والاطلاع والانخراط في الحياة السياسية. وعلى العكس من ذلك، يعَدّ المواطنون الذين يتعرضون لمحتويات الإثارة التي تتضمنها وسائل الإعلام أكثر ميلاً ألى اكتساب سلوكات العزوف والسخرية من الأحداث السياسية.

ان وسائل الاتصال الجديدة، ومن ضمنها تكنولوجيا الشبكات في الإنترنت، تخول الأفراد والمنظمات فرصة القيام بأنشطة متعددة، كإنشاء المدوّنات أو الانخراط في الشبكات الاجتماعية، وتخوّل مستعمليها إمكانية تخفيض تكلفة نشر الأخبار والأعمال، وتبوئ "المواطنين الصحفيين"  مركزاً مهماً في مواجهة مؤسسات الإعلام التقليدية القوية.

كما تقدم الحملات الانتخابية مجالاً آخر بتزايد فيه استعمال تقنيات الاتصال الجديدة بشكل يسمح بالقول إننا أمام إمكانيات جديدة لتفعيل الممارسة السياسية فحملات النشطاء  في الدول الغربية، التي تستخدم المدوّنات والشبكات الاجتماعية في الدعاية على الإنترنت وتوظف الموقع الالكترونية لجمع الأموال، تجسّد أشكالاً جديدة للانخراط الجماهيري في السياسية؛ انخراط يتميز بالتوجيه الذاتي والعفوية كما يقع أحياناً خارج الهياكل الرسمية للفاعلين.

2 – التصويت الإلكتروني

خلال السنوات الأخيرة، بدا أن التصويت الإلكتروني يسترعي الاهتمام الكبير لمختلف الفعاليات: الحكومات، البرلمانات، الناخبين، الباحثين والمقاولات الصناعية. وقد تزايد الاهتمام ذلك بفعل ازدياد الاعتناء بقضايا الحكومية الإلكترونية، والديمقراطية الإلكترونية، والحكومة الإلكترونية.... إلخ. من جهة، وبفعل الرغبة في تجاوز مشاكل الأنظمة الانتخابية المحلية، التي تفتقر بدرجة كبيرة إلى المرونة على مستوى الزمن المخصص للأنتخاب وحضور الناخب في مراكز الاقتراع، وتحول في أحوال كثيرة دون قيام المواطنين بالإدلاء بأصواتهم، من جهة أخرى.

ويعرف هذا النوع من التصويت بأنه النظام الذي يخوّل الناخب إمكانية الإدلاء بصوته من خلال استعمال نظام إلكتروني عوض ورق الاقتراع؛

ويمكن القول إن للتصويت الإلكتروني عدة إيجابيات، من بينهما:

• تمكين الناخبين من الإدلاء بأصواتهم من مكان آخر غير مركز اقتراع الدائرة الانتخابية التي ينتمون إليها.
• تسهيل عملية إدلاء الناخبين بأصوتهم.
• تسهيل المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات لجميع من يملكون حق التصويت.
• زيادة الإقبال على التصويت والمشاركة في الانتخابات.
• جعل التصويت يتماشى مع التطوّرات الجديد التي تعرفها المجتمعات.
• تقليص مدة تنظيم عمليات الاقتراع والاستفتاء وخفض تكلفته.
• إعلان نتائج الاقتراع بسرعة، وزيادة درجة الوثوق بها.
•  

ثالثاً: الإ علام الجديد وتفعيل الممارسة السياسية في الوطن العربي

مع انتشار استعمال وسائل الاتصال الحديثة في البلدان العربية، أزداد اللجوء إليها كأداة للتعبئة، كما تعَدّ أداة مهمة في زيادة وعي الأفراد وتوسيع آفاقهم، خاصة في ظل ظهور فاعلين جدد "المدونين"، وبداية تشكُّل فضاء عام جديد "الشبكة الإلكترونية"..

1- الإعلام الجديد وسؤال التعبئة والمنتديات

نحاول ان نرصد دور تلك التكنولوجيا في تفعيل الممارسة السياسية في البلدان العربية، من خلال تحليل زيادة استعمالها في عملية التعبئة والسياسية أولاً، وثم عبر الوقوف على طاهرة المنتديات السياسية في الوطن العربي، التي عرفت انتشاراً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، ومن المحتمل أن تزداد أهميتها في السنوات المقبلة.

أ – الإعلام الجديد وسؤال التعبئة

رغم حداثة هذه الوسائل في الوطن العربي، يلاحظ ازدياد كبير في انتشار استعمالها خلال السنوات القليلة الماضية، كأداة للتعبئة الاجتماعية والسياسية في عدد من البلدان العربية، من بينها المغرب ومصر والبحرين والكويت ولبنان. ويعَدّ الصحفيون والمنظمات غير الحكومية مثلاً من اكثر الهيئات استعمالاً للإنترنت في عملهم المهني، كما أن لكثير من تلك المنظمات مواقع إلكترونية. إن أعضاء هذه الأخيرة يستعملون الرسائل الإلكترونية من أجل التواصل في ما بينهم، وكذا صفحات الويب بهدف جلب المانحين.

وتلجأ الأحزاب المعارضة بدورها إلى الإنترنت والرسائل الإلكترونية من أجل تنظيم الاحتجاجات، بل إن النشطاء يقومون بالتقاط صور للعسكريين ورجال الشرطة وهم يقومون بضرب المحتجين، ثم يسربون الصور عبر الإنترنت لإطلاع الرأي العام الوطني الدولي عليها

ولم تكن الرسائل النصية إلا الموجة الحديثة من سلسلة موجات استعمال تكنولوجيا الاتصال من قبل المعارضين خلال السنوات الـ 15 الماضية إذ استعمل والناشطون والمعارضون نشرات الفاكس خلال بداية منتصف التسعينات من القرن الماضي كما استعملوا القنوات التلفزيونية الفضائية التي غيّرت بدورها المشهد الإعلامي خلال الفترة عينها، قبل أن تهيمن خلال السنوات الأخيرة الأقراص المدمجة وأقراص الفيديو الرقمية والإنترنت على قنوات نشر الأفكار السياسية في منطقة الخليج وكرد فعل على هذه التوجهات، قامت حكومات المنطقة بممارسة الرقابة على ترخيص أجهزة الفاكس، وإغلاق مواقع الإنترنت التي تعود إلى المعارض، وتشجيع المستثمرين المساندين لها على شراء وإدارة القنوات الفضائية. إلا أنها واجهت أسئلة في ما يتعلق بمنع الرسائل النصية للهواتف، لأن من شأن ذلك أن يؤثر في نشاط شركات الاتصال التي ارتفعت أسمها بارتفاع استخدام الهاتف والرسائل النصية 55 بالمئة من الكويتيين يمتلكون هواتف محمولة في حين تصل النسبة إلى ثلث المواطنين في العربية السعودية.

يتبيّن ممّا سبق أن النشطاء ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية تعتمد على الهاتف (الهاتف النقال والرسائل النصية) ، وعلى الفاكس التواصل المباشر أكثر من اعتمادها على الإنترنت.

أما العامل الاساسي الذي يفسر ذلك، يتمثل في ضعف انتشار الإنترنت في المجتمع، بالإضافة إلى المجهودات والتكاليف المطلوبة لاستخدام موقع إلكتروني وصياغته في عملية التعبئة.

ب – الإعلام الجديد والمنتديات

يعمل عدد من الأفراد في الوطن العربي على إنتاج صحافتهم وأفكارهم من خلال الاستفادة من تقنيات المدونات. وليس المدوّنون صحفيين بالضرورة، ولايشعرون بضرورة احترام قواعد قانون الصحافة أو المدوّنات الأخلاقية للصحفيين، فينشرون أعمالاً لا تخضع للرقابة المسبقة لسلطات الاتصال، وهم يُعرفون بالصحفيين المواطنين (Citizen Journalists).

وقد ظهرت المدوّنات بداية في المنطقة العربية باللغات الأجنبية (وخصوصاً الإنكليزية والفرنسية) مع حرب الخليج (2003)، إلا أن تحسّن تكنولوجيا الكتابة باللغة العربية ساهم في ظهور عدد كبير من المدوّنين بالعربية. وفي عام 2006، قُدّر عدد المدونات بالعربية بـ  40,000  ومن المحتمل أن يزداد تأثيرها مع ازدياد عدد مستعملي الإنترنت في البلدان العربية. أما عدد المدوّنات السياسية في المنطقة، فيُقّدر بــ 4360 مدونة للأخبار السياسية في المنطقة.

أهمية دراسة المدوّنات

1.   أنها تمكّن من معرفة مدى تأثير الإنترنت، وبصفة عامة وسائل الإعلام الجديد على طريقة ممارسة السياسة.

2.   في الوطن العربي، تقدم المدوّنات الإلكترونية جزءاً من الخطاب العام، وتحليله يساعد على كشف جزء من الاسئلة المتعلقة بالمنطقة وحياتها السياسية.

3.   تسمح المدونات بفهم تجليات الخطاب على الإنترنت وفي العالم الواقعي للنشاط السياسي والحركات الاجتماعية، لأن المدوّنات يمكن أن تستعمل أيضاً أداة لتعبئة الأفراد بالإضافة إلى وظيفتها الإخبارية والتواصلية.

4.   إنعاش المجال العام العربي وتطويره من خلال أشكال جديدة للتحليل والخطابات، وعبر إسماع عدد كبير من الأصوات..

2 – محدّدات الإعلام الجديد في الوطن العربي

أن فعالية وتأثير الاعلام السياسي الإيجابي يبقيان مرهونين في الوطن العربي بمجموعة من العوامل، في مقدمتها درجة انتشار وسائله، أي تكنولوجيا المعرفة والاتصال في المجتمعات العربية بالإضافة إلى هامش الحرية التي تكفله الأنظمة السياسية لوسائل الإعلام بصفة عامة.

أ – انتشار تكنولوجيا المعلومات والمعرفة في المجتمعات العربية

لقد عرفت انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصال الجديدة في الوطن العربي خلال السنوات الأخيرة طفرة مهمة، إلا ان تعزيز ذلك الانتشار ليشمل جميع شرائح المجتمعات العربية يعَدّ رهاناً جوهرياً لتفعيل مساهمتها في تطوير الممارسة السياسية للفاعلين كافة، ولتحقيق الانتقال إلى مجتمع المعرفة. نستشهد هنا بمؤشر البنك الدولي لتكنولوجيا الاتصال والمعرفة، الذي يركّز على التقدّم الذي تسجّله الدول على مستوى انتشار خطوط الهاتف الثابت الحواسيب والإنترنت.

بحسب تقرير المعرفة العربي لعام 2009، حقّقت البلدان العربية تقدماً على مستوى ذلك المؤشر، وذلك من خلال القيام بمقارنة بين عامي 1995 و 2009 ، لكن ينبغي ألاّ يحجب هذا التقدّم وضعية تكنولوجيا الاتصال والمعرفة في الوطن العربي ؛ فباستثناء العربية السعودية والكويت، يبقى متوسط الحواسيب لكل 1000 مواطن دون المتوسط العالمي. أما في ما يتعلق بمستخدمي الإنترنت، فغالبية البلدان العربية تتموقع أيضاً دون المتوسط العالمي.

ب – أسئلة الحرية

تُظهر المعطيات الصادرة عن "فريدم هاوس" أن البلدان العربية عرفت اتجاهاً متصاعداً ومتواضعاً نحو الديمقراطية في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، رغم أن ذلك يبقى بعيداً عن المتوسط العالمي خلال الفترة نفسها. وإن رصد حرية الصحافة في الوطن العربي يعَدّ مؤشراً آخر لمقاربة حرية وسائل المعرفة والاتصال الجديدة. وعلى هذا المستوى أيضاً نجد أن المنطقة العربية تعرف حالات اعتقال الصحفين، ومنع وسائل الإعلام.

وقد ساهمت هذه التكنولوجيا في توسيع هامش الحرية الذي يتمتع به الأفراد في الوطن العربي، وفي تحفيز المشاركة والممارسة السياسية. وهي تُعتبر في الوقت نفسه إحدى قنوات رفع مستويات مؤهلاتهم، وتوسيع الخيارات المفتوحة أمامهم.

أما الحرية التي يتمتع بها الأفراد، فتتأثر بالرقابة التي تمارسها الحكومات والتي تتأسس في الغالب على اعتبارات المحافظة على أمن الدولة، والحفاظ على الوحدة الوطنية والآداب العامة. إنها تطرح إشكالية التوفيق بين هذه الاعتبارات وحريات الأفراد، لأن تحقيق التوازن بينهما يساهم بدرجة كبيرة في تحفيز المشاركة ودعمها.

وتعَدّ الإنترنت أحد المؤشرات القوية لقياس حرية تكنولوجيا المعرفة والاتصال الجديدة في الوطن العربي وفي هذا الصدد، يشير تقرير مراسلون بلا حدود لعام 2009 إلى أن من بين البلدان الــ 12 في العالم التي صنّفتها هذه المنظمة بأنها عدوة للإنترنت، نجد أربعة بلدان عربية (العربية السعودية ومصر وسورية وتونس). والتصنيف هذا يقوم على مدى فرض الرقابة على المعلومات على الشبكة، وعلى معاقبة مستعمليها.

وتأخذ الرقابة التي تمارسها الحكومات عادة أحد الأشكال التالية:

1.   تقييد المحتويات من خلال تقنية الترشيح وتصفية المعلومات، وتطبيق الحظر على مواقع، واتخاذ الاجراءات التأديبية، بل حتى مهاجمة المواقع الممنوعة بفيروسات إلكترونية.

2.   التهديدات بالاعتقال أو السجن لمن يلج معلومات غير مرخص لها،  أو لمن يستعمل شبكات الإنترنت للتنظم السياسي المحظور أو للتعبئة السياسية الممنوعة.

خاتمـــــــة

أظهرت التوجهات العالمية والعربية في مجال استخدام تكنولجيا الإعلام الجديد في الميدان السياسي، رغم حداثة هذا الاستخدام، أن هذه التكنولوجيا ساهمت إلى حد ما في ديناميكية جديدة للنشاط السياسي؛ إذ صارت الحواسيب وشبكة الاإنترنت والهواتف النقالة... إلخ وبشكل سريع، أحد المستويات والمجالات الجديدة للمارسة السياسية ولاشك في أن ذلك سيتعزّز بالتدريج خلال السنوات القادمة، مع انتشار تلك التكنولوجيا في المجتماعات وازدياد تقبّل الأفراد لاعتمادها في مختلف أنشطتهم اليومية. ورغم أهمية هذه التوجهات العميقة التي تخترق المجتمعات كافة، ومع الإقرار بدورها في زيادة قدرات الناشطين والممارسة السياسية، فلا ينبغي المبالغة كثيراً في تلك الأدوار، أو الاعتقاد في في الوقت الحالي على الأقل بأنها ستعوض الممارسة السياسية والتقليد المجال الحيوي للكائنات السياسية، التي تستخدم التكنولوجيا الجديدة لخدمة أجندتها وتطبيق برامجها ولهذا فإن الأسئلة القديمة ذاتها تتكرر في حالة تكنولوجيا المعلومات والاتصال الجديدة، أسئلة الحرية، إطاراها القانوني، التوازن بين حقوق وحريات الأفراد والنظام العام....   إلخ.

إن أبحاثاً تفصيلية لاستخدام هذه التكنولوجيا في التنظيمات السياسية، وفي جميع مجالات تدخّلها (الانتخابات، الصحافة، التنظيم والادارة، التواصل بين الأعضاء ومع العالم الخارجي.... إلخ.) يمكن أن توصل إلى فهم أعمق للأستخدامات التي تؤدي إلى فعالية أكبر، وإلى المعوقات التي تحول دون الاستفادة من إمكاناتها. والجاذبية التي تمارسها تلك التكنولوجيا على البحث الاجتماعي والسياسي تنبع بشكل متصاعد من المجالات التي تدرج فيها: الإنتاج، التعليم التدبير..... إلخ وهو الأمر الذي يطرح على البلدان العربية إعداد خطط البحث، وتكوين وفرق ومتعددة التخصصات، بهدف دراسة آثارها في المجالات السالفة، وتوظيف خلاصات تلك الدراسة في مجال السياسة والاقتصاد والمجتمع.

---

[1] Sara Sepulchre, "La Constellation transmediatique de beaking bad: Analyse de La complementarite la television et Internet", Essachess: Journal for communication Studies, vol.4, No.1 (2011), p. 177.

[2]  جميع وسائل الاتصال الجماهيري الإعلامية تشهد تغييرات جذرية في الشكل والمضمون. وتغير أنماط المشاهدين وعاداتهم في مختلف أنحاء العالم وخضوع الأسرة، باعتبارها الوحدة الرئيسية التي يتم فيها استهلاك مختلف وسائل الاتصال واستعمالها،إلى تغيرات ملحوظة تؤثر في استعمال الأفراد لتلك الوسائل وفي سيكولوجيتاهم وثقافاتهم..

[3] Baran and Davis, Mass Communication Theory: Foundations, Ferment, and Future, p. 30.

 [4] تُعرف البرمجيات الاجتماعية بأنها مجموع الأدوات التي تمكّن شبكات الأفراد والجماعات من النشوء والظهور بسرعة. وتتضمن العديد من وسائل الإعلام والآليات والتطبيقات والبرمجيات التي تقوي جهود الأفراد، وتمكنهم من الاتصال بعضهم ببعض.