Sunday, November 8, 2015

اسباب وعوامل تشكيل صورة الاحزاب السياسية لدى الجمهور العراقي

اسباب وعوامل تشكيل صورة الاحزاب السياسية لدى الجمهور العربي
نجم العيساوي .. كاتب وإعلامي عراقي

يعد عمل وانتشار الاحزاب في اي بلد من دلائل الحرية والديمقراطية، كما تعد من اكثر مؤسسات المجتمع تمثيلا له، وانتماءا اليه، وان وجود الاحزاب يشير الى وجود فسحة كبيرة من التعبير عن الراي والافكار المختلفة والبرامج المتباينة، وسعي منظم ديمقراطي للوصول الى السلطة ضمن حراك سياسي سلمي، بغية تحقيق برامجها التي تسعى من خلالها الى ازدهار البلاد وانعاش اقتصادها وحفظ حقوق ابنائها.
واستنادا الى تعريف Cohen للصورة النمطية الذي يشير الى انها عمليّة اختزال لوصف شخص ما بخصائصه الكليّة العامة بدلا من خصائصه المتفردة والمتميزة، فهو يشير إلى نتيجة مهمة لبناء الصور النمطيّة وهي أنّ الناس يتعاملون مع الأعضاء من الجماعات الأخرى استنادا على الصور المنمطة التي يحملونها عنهم ولا ينظرون إلى الخصائص المتميزة والمتفردة التي يتمتع بها هؤلاء الأشخاص مما يؤدي إلى إلحاق الضرر بهم خاصة إذا كانت الصور بمثابة حائل يمنعهم من تحقيق النجاح والتقدم في المجتمع.(Cohen, 1997, P.71)

وهناك عوامل ومؤثرات كثيرة تؤدي الى تغيير الصورة كالاحداث الكبيرة؛ فحادثة مفاعل تشير نوبل في (الاتحاد السوفيتي) سابقاً في عام 1986 كان له اثر كبير في صورة الولايات المتحدة الامريكية في العالم، والتي كانت تفتخر بأنها تمتلك اقمار صناعية متطورة جداً بينما لم تعرف بهذا الانفجار الضخم الا بعد اذاعتها في وسائل الاعلام السوفيتية. وفي بعض الاحيان تؤدي الرسائل الجديدة الى تغيير الصورة تغييراً جذرياً وشاملاً. (مصطفى، 2013، ص282)
ان الجمهور يتعامل بشكل يومي بل لحظي مع وسائل الاعلام الجماهيرية وخصوصا التلفلزيون، وان المواطن في المجتمعات المعاصرة يتعرض اليوم وعلى نطاق واسمع ومستمر لفقرات ومضامين وتعليقات لها طابع سياسي تحمله اليه محتلف قنوات الاتصال الجماهيري، ويكاد لايمر يوم دون ان تظهر هذه المضامين السياسية في الصحف والمجلات والاذاعة والتفلزيون، فضلاً عن ذلك فان التصرفات ومظاهر السلوك السياسي ذات طابع اتصالي في الاساس، أو على حد تعبير فاجن فان كل سلوك سياسي يتضمن نشاطاً اتصالياً من نوع ما. (عبده، 2004، ص19) نقلا عن (Deutsch, 1968, P. 205)

وترتبط بكل حزب من الاحزاب – شأنه شأن أي جماعة او منظمة- صورة ذهنية او نمطية تمثل سمعة الحزب او المنظمة لدى الناس خارج حدود التنظيم الحزبي او المؤسسي، وتشترك مجموعة عوامل لتشكيل هذه الصورة عن الاحزاب لدى الجمهور، لكن الصورة الغالبة اليوم هي في الواقع صورة نمطية سلبية وقليل هي تلك النسب التي تشير الى الصورة الذهنية الايجابية عن الاحزاب السياسية عموما، والاحزاب السياسية التي ظهرت للعلن بعد الاحتلال الامريكي للعراق خصوصاً.

ان توجيه وسائل الاعلام للمعلومات هي احدى أهم الطرق المؤثرة على تكوين الصور لدى أمة عن أمة اخرى، ان هذا التاثير مهم عندما نعلم أنه تكتب كل يوم في العالم اكثر من مليون كلمة اعلامية، لايتسلم منها القاريء اكثر من نصف بالمائة، واما ما تبقى من هذا البحر من المعلومات الاخبارية فيخضع لتغيير ضخم، ويقول كارل دويتش وريتشارد ميرت في مقالتهما حول تاثير الاحداث على الصور الوطنية والعالمية ان القائمين على المعلومات العامة هم الذي يجرون هذا التغيير، وهؤلاء القائمون هم الحكومة والنخب الحاكمة في وسائل الاعلام والذين نسميهم "قادة الراي" الذين يختارون من بحر المعلومات الواردة مايناسب اهتماماتهم ويخفون مالايريدون توزيعه ونشره. ويتاثر قادة الرأي هؤلاء في آرائهم ومواقفهم وبدورهم الاجتماعي وبمواقعهم ولمن يعملون ومن يمولهم، ويمولهم صحفهم (وقنواتهم) بجانب القوانين والاجراءات الداخلية، اي الرقابة الذاتية لدى هذه الصحف و(القنوات) التي تقولب آراء المراسلين الصحفيين والمحررين ومواقفهم مع خط الصحيفة (أو القناة). (مسلّم، 1986، ص31)
ان صور قديمة ارتبطت بالاحزاب السياسية اتسمت اغلبها بالسلبية، نتيجة لضعف الاحزاب او فشلها، ومن الاسباب التي ذكرها الدكتور عبدالرزاق الحسني لضعف او فشل العمل الحزبي في العراق في العهد الملكي:  (الحسني، 2008، ص 246- 248 ).
  1. عدم قناعة زعماء الأحزاب بضرورة العمل على أساس التنظيم الشعبي.. بل كان هم الزعماء لغرض التحرر من القيود التي تقتضيها الالتزامات الحزبية.
  2. عدم توفر قابلية التنظيم..  ولئن وجد بين الزعماء من توفرت فيه شروط الزعامة .. فان ذلك الشخص يعوزه روح التنظيم حتى في الأحوال التي اضطر فيها إلى العمل الحزبي.. ونرى هؤلاء الزعماء يركنون إلى مناورات وحركات مرتجلة، تمليها الظروف الطارئة على الوضع القائم، دون تفكير فيما تجره هذه التصرفات من مساوئ، وما تؤديه من أرزاء تصيب حياة الدولة في صميمها، معتمدين على قابلياتهم الشخصية في إجراء هذه المناورات.
  3. إن عددا كبيرا من محترفي السياسة قد اتخذوا من هذه الحرفة وسيلة للعيش، وسبيلا للارتزاق، وهم لهذا لم يضعوا خطة لسيرهم، ولم يرسموا هدفا لإعمالهم، فهم بالطبع بعيدون عن النظم الحزبية، التي توجب تركيز فعاليتهم في حدود مبادئ الحزب، وإلزام أنفسهم بمقرراته. ولئن رأيتهم منخرطين في حزب من الأحزاب، فهم سرعان ما ينقلبون على حزبهم، إذا ما لاح لهم في غيره نفع أعم، أو مغنم أوسع، كما أنهم على أتم استعداد للتبري من الحياة الحزبية حين تعود عليهم بأقل الضرر.
  4. ضعف ثقة الشعب في التنظيمات الحزبية..
  5. إن الأحزاب السياسية في العراق كثيرا ما تتوقف عن أعمالها، أو تحل نهائيا متى حققت أوطارها، وقضت لبناتها، أي أن الأحزاب لم تعش إلا مدة يسيرة..
  6. مساعي اليد الأجنبية، وعملها بكل قوة على إحباط كل مسعى توجيهي في البلاد، لأنها ترى فيه شبح المقاومة المنظمة التي تتعبها وتحول دون تحقيق كثير من أهدافها.

           كما ان التنافس الحزبي والسياسي بين الاحزاب والكتل السياسية اشبه مايكون بصراع حقيقي على السلطة لكنه محكوم باطر قانونية وثقافية، ويستخدم في هذه المنافسة جميع وسائل الاعلام لعرض البرامج السياسية او الرؤى الحزبية المستقبلية لشكل السلطة وامتيازاتها التي تعود على الجمهور، وبالتالي فان لوسائل الاعلام الحصة الاكبر في التاثير على الراي العام وصناعته والتاثير به، وبذلك تلعب دورا مركزيا في الصراعات السياسية، ويمكن لوسائل الاعلام ان تقدم دعماً ايجابياً للاحزاب السياسية من خلال حجم التغطيات الاخبارية ونمط معالجة المضامين والمحتويات، وابراز المواقف والسياسات الوطنية والمقبولة لدى الجمهور العام، ومن وسائل الاعلام خصوصا التابعة للاحزاب السياسية تقوم بدور اشبه بدور السمسرة لعرض بضاعة الحزب هذا او ذاك مقابل تبعية او منفعة معينة، وعلى العكس يمكن ان تلعب دورا سلبيا من خلال عدم تغطية المواقف الجيدة او تركيز التغطيات على استهداف عيوب الحزب بدلا من مناقبه، وبالتالي ونتيجة للتكرار والاصرار وتقديم الوثائق والصور ستضعف جماهيرية الاحزاب وتصبح واهنة لاتقوى على صد الهجمات التي اثارتها وسائل الاعلام ومارسها الجمهور بمختلف مواقعه ووسائله.
           بل حتى على مستوى العالم الغربي بالرغم من ان هناك دراسات تشير الى ضرورة الاحزاب السياسية فانه في الوقت ذاته يرى الراي العام الغربي ان الاحزاب لاتمثل تطلعات الناس الا بنسبة قليلة لاترقى الى نسبة من يرى ضرورتها، هذه الدراسة منشورة بعنوان: الرأي العام " دراسة مقارنة للانظمة الانتخابية " للفترة 1996 – 2000، نشرتها مجلة السياسة الاوربية الغربية  West European Politics، الدراسة شملت دول امريكا واليابان واستراليا حول فيما اذا كانت الأحزاب ضرورية وهل الاحزاب تهتم بتطلعات الناس كانت نتائج الدراسة كالآتي :

الدولة
من يرى ان
الاحزاب السياسية ضرورية (%)
من يرى ان
الاحزاب السياسية تهتم بتطلعات الناس (%)
استراليا
71
23
بريطانيا
77
34
كندا
65
23
الدنمارك
88
30
المانيا
80
18
اليابان
65
21
هولندا
90
43
نيوزلندا
71
26
النرويج
89
39
اسبانيا
83
39
السويد
80
23
سويسرا
78
39
امريكا
56
38
المعدل
76
30
Dalto, Russell J. & Weldon, Steven A. (2005), Public Images of Political Parties: A Necessary Evil?. West European Politics, Vol.28, No.5, (November), USA: University of California, Routledge, Taylor & Francis Group. P.934

كما ان الدراسة قد تناولت ايضا اكثر المنظمات والمؤسسات في دول الاتحاد الاوروبي (1997 – 2004) تعزيزاً للثقة من خلال المواقف الاجتماعية او السياسية، وكانت النتيجة تشير الى النسبة القليلة التي حظيت بها الاحزاب السياسية، اذ كانت هي الادنى خلال سنوات بدأت من 1997 وحتى 2004.
الفئة
1997
1999
2000
2001
2002
2003
2004
المعدل
صافي التغيير
الشرطة
62
62
70
67
65
67
65
64
3
الاذاعة


55
62
61
65
63
61
8
الجيش
61
63
71
70
66
66
63
66
2
الأمم المتحدة
47
48
61
68
53
48
61
55
14
التلفزيون


54
62
55
57
54
56
0
النظام القانوني
43
45
50
51
48
51
48
48
5
الصحافة


38
46
44
47
46
44
8
الكنيسة
50
50
52
44
42
42
41
49
9-
الاتحاد الاوروبي
37




44
41
41
4
الاتحادات
38
35
43
39
38
36
36
39
2-
البرلمان الوطني
40
41
42
51
42
42
35
42
5-
الحكومة الوطنية
37
40

48
39
37
30
39
7-
الشركات الكبيرة
36
35
35
33
34
29
26
33
10 -
الاحزاب السياسية
16
8
18
18
18
16
16
17
0

Dalto, Russell J. & Weldon, Steven A. (2005), Public Images of Political Parties: A Necessary Evil?. West European Politics, Vol.28, No.5, (November), USA: University of California, Routledge, Taylor & Francis Group. P.935

ومن وجهة نظرنا يمكن ان يجمل الاسباب التي تدفع وتساهم في تشكيل صورة معينة سلبية او ايجابية عن الاحزاب السياسية بماياتي:

التركيبة الاجتماعية والنفسية للمجتمع:
من المهم ان نعود الى طبيعة الشعب العربي الذي يميل الى الجماهيرية والعمل العفوي ونبذ التحزب والانحسار على فئة دون اخرى، وتعود اسباب هذا الشعور الى تركيبة العقل العربي ولاسيما العراقي خاصة، والى التنشئة الاجتماعية والثقافية والنفسية، وتجذر الاعراف التي ولدت مع ولادة الانسان العراقي من حب للجميع بلا حدود، وانفتاح مع الاخر بلا قيود، فهو اذا احب كان حبه كلفاً واذا بغض كان بغضه تلفاً، وهذا مما لاشك فيه كانت وراءه نفسية تتقبل الاشياء وفقاً لقبول الناس لها، وترفض الاشياء التي يرفضها الجمهور والمجتمع، وهذا يتعارض مع الطموحات الحزبية المنظمة التي تدعو الى رفض بعض الامور التي درج عليها المجتمع او تعديلها بطريقة يراها الحزب واعضاؤه من قبيل التجديد والحداثة كنمط الزيارات الاجتماعية والهدايا والتحايا وعقد الاجتماعات التي لها اول وليس لها اخر، وهنا لابد من الاشارة الى اننا هنا نصف تركيبة الصدى النفسي للشخصية العراقية وليس بموضع الحكم والتفضيل.

اسباب ثقافية وتعليمية:
تعني الثقافة مجموع العادات والتقاليد والقيم وأساليب الحياة التي تنظم حياة الإنسان داخل البيئة التي يعيش فيها، وان المستوى التعليمي والثقافي لافراد المجتمع العربي عموما كان متباينا بشدة، فكانت اعداد كبيرة وكثيرة من الناس لم يتلقوا من التعليم شيئاً وان قسماً كبيراً ممن نال قسطا من التعليم كان هو التعليم الابتدائي، بالاضافة الى قلة وسائل الاعلام وبدائيتها، واحتكارها من قبل عدد قليل اصحاب المال والسياسة، فقد كان لهذه النسبة والمستوى التعليمي والثقافي اثر في عدم احاطة الجماهير بجميع التغييرات والمخططات التي تجري وتحدث حولهم، وان عدم ادراك الناس للمستجدات الدولية يجعلهم حبيسي محيطهم الخاص جدا، والذي لايعدو فيه هم الفرد سوى البحث عن معلم يلقنه حروف الهجاء او حرفة يقتنص منها لقمة العيش. في هذه الظروف كان وعي الناس بالحياة الحزبية ودورها الحقيقي وعياً منقوصاً لقلة التجربة، وضعف التواصل، وبعد المسافات، وانقطاع الناس الى معايشهم، وانغلاقهم على اعرافهم وتقاليدهم، جعل منهم من يسمع بالاحزاب ينظر اليها كانما هي حدث كوني خارق.
ومن المعلوم ان الصور النمطية تتسم بالثبات النسبي لذا فلقد توارث الناس هذه الصور واستمر هذا التوارث حتى يومنا هذا، ومما اذكره هنا ان قريباً كنت معه في السيارة رأى يافطة عليها اسم احد الاحزاب السياسية التي ظهرت بعد الاحتلال الامريكي للعراق فالتفت اليّ متسائلاً مستغرباً: هل يجوز ان تكون هناك أحزاب؟ أليس الحزب عميلاً؟ أليس الحزب حراماً؟!!
يضاف الى هذا ضعف قدرة الكثير على التمييز بين الصور الذهنية التي يعرضها الاعلام بمختلف وسائله وعدم ادراكه للحقيقية منها والمشوهة، خاصة اذا ادركنا قوة تأثير الاعلام في الانسان من خلال اساليبه في استخدام النص والصورة والصوت ومختلف مكونات وعناصر البرمجيات المتعددة الوسائط.

اسباب تاريخية (رواسب الماضي):
كون الاحزاب وخصوصا في العراق شكلت في فترات حكمها تهديداً لامن المواطن العراقي وقد مارست بعض الاحزاب المتنفذة طيلة فترة حكمها او قربها من السلطة ارهاباً منظماً استهدف الامنين واصحاب الاقلام والمفكرين واصحاب الاراء المخالفة. لذا اصبح الجمهور يكره الاحزاب وبحكم مسبق نتيجة لما تعرض له من ضيق واستهداف وارهاب.
بالاضافة الى تجارب بعض الاحزاب الحاكمة التي عايشها الجمهور فذاق ويلاتها المتمثلة بالتسلط والدكتاتورية والتجاوز على حقوق الانسان الشخصية والملكية، وممارسات اقصاء وتهميش ذوي العقول المبدعة والمفكرين والاساتذة لمجرد انهم يشكلون خطرا لنظرية الدكتاتورية.
كما ان العهود السالفة شهدت احزابا حاكمة منعت قيام اي حزب معارض او حتى مؤيد في بعض البلدان وشرعت لذلك قوانين تحرم وتجرم الانتماء للاحزاب وايقاع اقسى العقوبات لمن يثبت انتماؤه لحزب ما، تصل الى عقوبة الاعدام بل في احيان كثيرة هي العقوبة الوحيدة وليس اقل من ذلك، ان هذا قد ولد انطباعا عاما ساد في المجتمعات وانتشر وترسخ نتيجة استمرار الممارسات وتكرار عرضه بوسائل الاعلام، فزهد الناس في الاحزاب وانطبعت في اذهانهم بمرور الوقت انها حالة مكروهة منبوذة، وقد كان هذا طبعا تحت سقف السوط والعصا، تدعمه وسائل اعلام الاحزاب الحاكمة بالتضليل والترهيب.

مواقف الاحزاب السياسية:
ان  بدايات ظهور الاحزاب السياسية في العراق تزامنت مع مرحلة مجتمعية عصيبة، كانت اغلب الاحزاب تدين للاجنبي بالتبعية والولاء، وكانت عامل هدم وتفكيك واعتداء على ثقافة المجتمع العراقي انذاك ولغته متمثلا ذلك من خلال ممارسات جمعية الاتحاد والترقي في تركيا التي اهانت اللغة العربية وسخرت من تقاليد القبيلة التي يمتاز بها العراقي انذاك ولايزال، مما جعل الجمعيات والاحزاب عنصر استفزاز ونفور للمواطن العراقي.

كذلك ان من اعظم مايفسد صورة الحزب لدى الجمهور هو المواقف السياسية المتذبذبة والضعيفة، وقد يكون التأرجح بين التأييد والرفض لموقف ما هو اكثر خطورة من الموقف الواحد الواضح ولو كان في اتجاه مغاير لرغبة الجمهور، لان الموقف المتأرجح يلام عليه من جميع الخلق، لكن اتخاذ موقف حاسم وواضح من قضية ما بعد اجتهاد ودراسة يكون اسهل للحزب ان يدافع عن موقفه أو حتى ان يعتذر.

وبالرغم من ان تعدد الاحزاب وتنوعها هو مظهر من مظاهر الديمقراطية الا ان ممارسات بعض الاحزاب على المستوى التنظيمي او الجماهيري لاتدل على ذلك، بل هي اقرب الى الدكتاتورية منها الى الديمقراطية، وبالتالي اضحت معظم الاحزاب مجرد شعارات لم يقبض منها الجمهور سوى الوعود البراقة، وحتى ان مفهوم التداول السلمي للسلطة لم يجد الناس تطبيقه بشكل صحيح، وانما نتيجة الممارسات الخاطئة الكثيرة تسلقت الظنون الى اغلب افراد الجمهور ان هذه الاحزاب تتستر بالسلمية لكنها تمارس طرقاً اخرى غير ديمقراطية للوصول الى السلطة.

التعميم والوعود المبالغ فيها والعجز عن ايفائها:
ترتكب الحكومة او قيادات الاحزاب ورجال السياسة خطأ كبيراً عندما يتسابقون في اعطاء الوعود بزيادة الرواتب او تعويض حصة الفرد، ثم تعجز عن الايفاء بها للشعب، او غير ذلك.
وهذا يؤثر على درجة المصداقية لرجال السياسة والتي سيتم سحبها على جميع الساسة بالحكومة … وبالنتيجة سيصبح رجل العلاقات العامة هنا بوقاً لأذاعة ما يقوله صاحبه او مرؤوسوه ليس الا وسحب ذلك عليه ايضا.
ولاننسى فان أغلب الاحزاب السياسية تعمل على اثارة طموحات الجماهير وتقدم لهم الكثير من الوعود والعهود، لكنها بمرور الوقت تنسحب عما وعدت به، لعجزها ولعدم ادراكها ان السياسة والجمهور يقومان على اساس الادراك الكامل لقدرات الكفتين، فما يمكن الايعاد به، يجب ان يكون بمقدرة الحزب فعله، وان يكون ضمن حاجات الناس ومتطلباتهم.

عليه فإن اثارة تطلعات وأماني الجماهير بصورة اكبر من قدرة الحزب على اشباع هذه الاحتياجات يؤدي الى ثورة من الاحباطات والانفضاض من حوله، وهذا يتكرر كثيرا في الدول النامية، حيث وصف "روجرز" فترة الستينيات بأنها فترة ثورة الاحباطات المتصاعدة، ويقول: "إن قادة الدول النامية قد اكتشفوا ان دعواهم السياسية لم تكن سوى كمبيالات عجزوا عن تسديدها ولذلك ساد عدم الاستقرار السياسي في كثير من دول افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية". (حجاب، 2009، ص67)

الازدواجية والعجز والضعف:
كما ان ضعف أو قصور الاحزاب عن الاضطلاع بدوره في التغيير والاصلاح وفي توطيد الوحدة الشعورية واستيعاب المجتمع العراقي ككل، كان بالمقابل هناك بعض الاحزاب تعمل على تفتيت الموحد واذكاء الانتماء الطائفي او العرقي على حساب الانتماء الوطني والقومي.

أضف الى ذلك ان بعض الاحزاب تتناقض نظرياتها وادبياتها مع ممارساتها وتطبيقاتها، وتعيش حالة من الازدواجية يراها الجمهور ولايراها التنظيم الحزبي او يتغاضى عنها ويبررها، وهناك من الاحزاب من تضعف فيها المراقبة الذاتية فيسيء افرادها ويجتهد قادته بـ"اسراف" خارج اطر المباديء التي يتضمنها نظام الحزب بحجة الظروف، فيتعلم الاتباع القفز على المباديء، ومن اخطر نتائج هذا التناقض هو اما عجز الحزب وموته، او اتساع الفجوة بينه وبين الجمهور، وربما تسقيطه جماهيريا واعلامياً.

ظروف نشاة الاحزاب:
ان الاحزاب تظهر غالبا كضرورة اجتماعية تخرج لتؤدي دوراً واضحاً ومخططاً، وهذا شأن اغلب الاحزاب التي تظهر وظهرت في اوربا، لكن الاحزاب السياسية في العراق كان اغلبها وليس جميعها قد ظهر لمجرد تطلع مصلحي للوصول الى السلطة او المشاركة فيها او الحصول على مهمة سياسية يقتات عليها ويتكسب من ورائها، وبالتالي فلم يكن جميع الاحزاب بمستوى قوة تغيير اجتماعية بل كان يولد الحزب وهو مولود بلا برنامج تنمية او اصلاح وانما في الاغلب للتسلط والتسلق الوظيفي والمصلحي وحسب.

 اقتران الحزب بممارسات النظام الحاكم:
 اقترنت مع الاحزاب الحاكمة او القريبة ممارسات ظالمة تجاه الناس، وكان بعض الاحزاب لايخفي عمالته للاجنبي وتنفيذه لاجندة الاحتلال البريطاني، بالاضافة الى ملاحقة الناس على محاصيلهم الزراعية وموارد ارزاقهم من خلال فرض الضرائب والاتاوات عليهم بغير حق، كل ذلك جعل صورة الحزب الحاكم او القريب من الحاكم مقترنة بقهر الناس وظلمهم، ولطالما لجأت الشعوب المقهورة الى تعميم الصورة بسهولة لتشابه الشكليات والوقوع في التعميمات.

المبالغة في نخبوية الاحزاب وشخصنتها: 
ان طبيعة الظروف المجتمعية والسياسية انذاك ساهمت على ان تتشكل الاحزاب بنمط تنظيمي نخبوي، مما جعل الاحزاب تتقوقع على اعضائها ومصالحها وان كانت تعلن ان اهدافها لخدمة الجماهير، لكن الوقت والتجارب لم يسعفها لتثبت ذلك، كما ان الوضع السياسي والامني لها كان من الصعوبة بمكان، لاسيما لبعض الاحزاب التي قضت دهراً من الزمان في المعارضة، فحال هذا الوضع دون ان تحتك بعض الاحزاب بجمهورها او ان تتواصل معه بشكل مباشر وفعال، مما جعلها اشبه باحزاب ملكية خاصة لاتمثل جماهير الناس تمثيلا عمليا، وقد مضت على هذه السنّة معظم الاحزاب السياسية سواء كانت معارضة ام لا، لأن ذلك صار نمطاً تقليدياً يرثه الحزب من الحزب الاخر، ليشكل صورة نمطية سلبية لاي حزب يظهر لو تمت ولادته اللحظة.
كما ان بعض الاحزاب قد وقعت في مطب آخر وهو شخصنة الحزب بشخص معين من اعضائه، لرمزيته او علميته، وهذا الارتباط جعل الناس يحسبون على هذا الرمز كل خطواته، وحركاته، وسكناته، فاذا ما اجتهد مخطئاً او مصيباً كان ذلك بمثابة القاصمة للحزب ان جاءت نتيجة اجتهاده ليس بما يتوافق وطموحات الناس ورغباتهم.
ويعتقد ايضا ان عدم قدرة الاحزاب على تجديد نفسها من خلال تطوير منهجها وقياداتها واساليب عملها سيجعل مثل هذه الاحزاب عرضة للتلاشي والانتهاء او الرفض والنفور، كما قد تقع بعض الاحزاب في اشكالية اخرى وهي اختزال الحزب في قيادة مدى الحياة، فتشيخ الرجال ويشيخ معه التنظيم الحزبي، فيحجر على المبدعين ويضيق على المجتهدين، ذلك لان الاحزاب ظاهرة اجتماعية تشتمل على بعض العوامل المتغيرة او المتطورة؛ كالافراد مثلا، فاذاما توقف التاييد والكسب او انفرط عقد افراده او انفض الناس من حوله، او ضعفت ثقة الجمهور به أو ثقة التنظيم بقيادته، فهذه كلها علامات مرضٍ تستدعي اعادة التفكير في المنهجية التي يتبعها الحزب من خلال ممارساته التنظيمية او السياسية او الجماهيرية.

اقتصار دور الاحزاب على بلوغ السلطة والاستحواذ عليها:
لقد اقتصر دور الاحزاب على بلوغ السلطة والاستئثار بها والاستحواذ عليها والتحكم برقاب الناس وممارسة المنسوبية والمحسوبية وتقريب الموالين واقصاء المخالفين، دون ان تشهد الناس منها اعمالاً او برامج اجتماعية اصلاحية عامة او مواقف وطنية تجتمع عليها الكلمة، فهي بهذا مؤسسة هدم لا بناء.
وهناك من يعد كثرة الاحزاب هي احد المشاكل او الاسباب التي دعت الناس الى تشكيل صورة نمطية عن الاحزاب، لكن الحقيقة ان كثيرة الاحزاب ما هي الا علامة لحرية الممارسة الديمقراطية، وانما بوصف اخر نقول ان كثرة الاحزاب مع ضعف البرامج ورداءة الاداء وتسلق الجاهلين والتبعيين هو احد اهم اسباب انتكاسة صورة الاحزاب في ذهن الجمهور العراقي.
كما ان بعض الاحزاب صار ينطبق عليها قول" جوليان فروند": ))إن السياسة تشبه "كيس سفر يحتوي ما تنوع من الأشياء، فيه م شئت من الصراع، والحيلة، والقوة، والتفاوض والعنف والإرهاب، والتخريب والحرب والقانون ((.............

محدودية النشاط السياسي والاجتماعي والجماهيري والمبالغة في النشاط الاقتصادي:
كما ذكرنا فان الناس لم تشهد من الاحزاب انشطة مجتمعية ذات قيمة، بل ان جل نشاطهم هو لمصالحهم الحزبية والمكافحة لاجل تحسين وضعهم الاقتصادي بمختلف الطرق المشروعة وغير المشروعة، والتحايل على القانون لاسيما من قبل الاحزاب المتنفذة خاصة للحصول على امتيازات عمل حصرية وتنفيذ المشاريع الخدمية لغايات ربحية وليست خدمية.
بالاضافة الى شيوع ثقافة الاتهام بحق وبغير حق من قبل الجمهور للاحزاب في طرق تمويلها على الرغم من اصرار الاحزاب على ان تمويلها ذاتياً بقروش اعضائهاّ!!
يضاف الى ذلك كله ان تواصل الاحزاب السياسية مع الجمهور كان محدوداً ومصلحياً، اذ تشهد فترة الانتخابات اقبالاً من قبل الاحزاب على الجمهور بشكل كبير ومكثف، والجلوس معهم ومشاركتهم مناسباتهم، طمعاً في اقناعهم بالترويج لهم او منحهم اصواتهم، ثم ما ان تنقضي فترة الانتخابات حتى يعود الجفاء وتنقطع الصلات، وينفض الناس من جديد.
كما ان الفعاليات الجماهيرية الاعلامية نادرة وقليلة، وبالطبع فهذا يعود الى جملة الاسباب المذكورة اعلاه، لان الحزب الذي يشعر بالضعف والعجز والاتهام يجد نفسهاضعف من ان يواجه جمهوره في الاعلام والفضائيات وعلى مرأى من العالم.


اسباب تعود الى وسائل الاعلام
الإعلام والدعاية :
الإعلام هو العمليات التي يترتب عليها نشر معلومات وأخبار معينة تقوم على أساس الصدق والصراحة، واحترام عقول الجماهير وتكوين الرأي العام عن طريق تنويره. أما الدعاية فهي العمليات التي تحاول تكوين رأي عام عن طريق التأثير في شخصيات الأفراد من خلال دوافعهم وانفعالاتهم ومفاجأتهم بالأخبار، والتهويل فيها، وتقديم الوعود الكاذبة. ومن هنا فان كلاً من الإعلام والدعاية ووسائل الاتصال من صحافة وإذاعة وسينما ومسرح واجتماعات عامة، تعد قوة إيجابية فعالة لها تأثير ناجح في تكوين الرأي العام. كما تلجأ بعض أجهزة الدعاية السياسية إلى جعل بعض الجماعات الثانوية كالاتحادات المهنية، واتحادات الطلاب، والمحافل الماسونية، والجمعيات الدينية، منافذ أو مسارب تسرى فيها الدعاية الحزبية، وتقرر اتجاهاتها.

الشائعات:
هي الأحاديث والأقوال والأخبار والروايات التي يتبادلها الناس ويتناقلونها دون التثبت من صحتها أو التحقق من صدقها. ويميل كثير من الناس إلى تصديق ما يسمعونه ثم يأخذون في ترديده ونقله، وقد يضيفون إليه بعض التفصيلات الجديدة.
(حقوق الطبع والنسخ محفوظة إلا بالاشارة الى المصدر)
--------------------------------------------
  • حجاب، محمد منير(2009). الاعلام والتنمية الشاملة، القاهرة: دار الفجر للنشر والتوزيع.
  • الحسني، الدكتور عبدالرزاق(2008)، تاريخ العراق السياسي الحديث. الجزء الثالث، ط7. بيروت: الرافدين للطباعة والنشر.
  • عبده، د.عزيزة(2004). الاعلام السياسي والرأي العام. ط1. القاهرة: دار الفجر للنشر والتوزيع.
  • مسلّم، د. سامي(1986). صورة العرب في صحافة المانيا الاتحادية. الطبعة الثانية. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
  • مصطفى، عبدالحكيم خليل(2013). الصورة الذهنية وحملات العلاقات العامة. الطبعة الاولى. القاهرة: الدار العربية للنشر والتوزيع.

  • Cohen .E(1997), and Elliot , D. Journalism  ethics, Oxford: Abc, Clio,

  • Deutsch, Karl W.(1968), Social Mobilization and Political development and Social Change. New York: John Wily & Sons,

No comments:

Post a Comment