اتصال القابلية Communication Predispositions
نجم
العيساوي - شباط 2020
مفهوم اتصال
القابلية
إن ولادة هذا المفهوم لم
تكن ولادة سريعة وفورية، بل استغرق وقتاً طويلاً حتى اصبح بين ايدينا مفهوماً
مستقلا، وهذا يعود إلى مرونة هذا المفهوم ودلالاته العميقة والتي ترتبط بصورة
مباشرة بالحاجة الاتصالية وحالة القائم بالاتصال.
ويمكن القول ابتداء أن
أغلب العلوم اليوم بدأت تتفرع إلى علوم فرعية ثم علوم تفصيلية حتى يصبح العلم
التفصيلي علما مستقلا قائما بحد ذاته، له مفاهيمه ومصطلحاته وأدبياته ودراساته،
كما حصل في علم الاجتماع ثم الإعلام ثم الصحافة ثم الاتصال ثم أنواع الاتصال التي
أصبح كل واحد منها علماً تحيط به الدراسات وتستقل به المؤسسات، واتصال القابلية
أحد هذه المنتجات في مسيرة علوم الاتصال.
والقابلية من ناحية اللغة
هي الإمكانية أو الاستعداد والقدرة، والتي تعني قابلية فعل الشيء، مثل قابلية التأقلم، وقابلية
التحسن، وقابلية الانخراط وقابلية الاصغاء، وقابلية الدراسة، وهذا المعنى اشار
إليه المعجم الوسيط، وكذلك لسان العرب والتي اشارت بمجملها في معنى القابلية بأنها
عملية الاستعداد لقبول فكرة أو أمر ما بشكل ايجابي أو سلبي أو الاستعداد للتغيير،
أي التفاعل مع الأمر رفضاً أو قبولاً دون تدخل مؤثر خارجي، اي بمعنى قدرة الشخص
وقابليته بعيداً عن المعيقات الخارجية أو المحددات.
فالقابلية بمعنى آخر هي حالة
ادراكية ونفسية للتعامل مع متغير خارجي، وعد بعض الباحثين أن الاستعداد للتغيير هو
جوهر مفهوم القابلية والذي قد يكون عاطفيا أو ادراكيا أو سلوكيا بناء على خلفية
معرفية سابقة فطرية أو مكتسبة.
وفي مجال الاتصال يعد
التاثير والتواصل بين المرسل والمستقبل هو جوهر نجاح العملية الاتصالية، فلايكفي
وجود مرسل ومستقبل دون أن يكون هناك تواصل وتأثير معاً، وهذه القدرة على التواصل
والتاثير يمكن أن نسميها التفاعل الاتصالي والذي لاشك يستند إلى قابلية كل من
المرسل والمستقبل لنجاحه وتحقيق القناعة للطرف الآخر، من هنا يأتي مفهوم القابلية
بصفته عنصر وصف لكل من المرسل والمستقبل فرداً أو جماعة، وإن كان في الاصل هو وصف
خاص للفرد، إلا أن العملية الاتصالية يقوم عليها طرفان، قد يكونا فردين أو
مجموعتين، أو فرد ومجموعة. وبهذا نقول إن اتصال القابلية يعني الاتصال القائم على
القدرة على دراسة مكامن الاقناع لدى الجمهور. واتصال القابلية بهذا المعنى هو عملية
قائمة على نية الاقناع، فهو قديم المعنى جديد المبنى، يتفق مع الاتصال الاقناعي من
وجه، ويختلف معه من وجه آخر، أي أن اتصال القابلية قديم الممارسة الضمنية، لكنه حديث
التوظيف والبحث والتقنين، وقد تم اللجوء إليه لمواكبة التطور الذي يشهده علم
الاتصال، وومتطلبات الانتقال من العلوم الرئيسة إلى العلوم الفرعية والتفصيلية
والتي هي بدورها انتجت علوماً تفصيلية الابتداء لكنها مستقلة البحث والتوظيف، وهذا
ينطبق على اتصال القابلية، كان غائباً في التداول الاتصالي، لكنه مع التقسيمات البحثية
والعملية ظهر تقسيماً جديداً ليكون علماً مستقلاً قائما بحد ذاته.
وفي مجال الممارسة فإن
اتصال القابلية تم توظيفه ضمن الاتصال كوظيفة عامة، مثل الاجتماعات والخطابات
الرسمية، والثورية، والعسكرية، والتي غايتها الحشد والتأييد، والنصرة، كما يفعل
القادة في خطاباتهم لشعوبهم او جنودهم، أو
الخطباء في منابرهم الدينية، أو أصحاب البضائع في تسويق بضائعهم عبر مختلف
وسائل الإعلام ومنها شبكات التواصل الاجتماعي بطريقة التسجيل او البث المباشر.
وبهذا يفرق اتصال القابلية
عن الاتصال الاقناعي بأن الاخير مبني على
الاغراء، وقد يعمد إلى استخدام الضغط بطريقة معينة، بينما اتصال القابلية مبني على
منطق معرفة استعداد الفرد أو المجموعة لتقبل الفكرة بحد ذاتها ومعرفة الاستعداد النفسي
والاجتماعي للمخاطبين، وهم غالباً أحد أطراف العملية الاتصالية الرئيسة وليس متلق
سلبيا.
اتصال القابلية
والدور القيادي
يعد الاستعداد التواصلي والتفضيلات
الشخصية أهم عنصر من عناصر اتصال القابلية، لأن قدرتنا على التواصل تتأثر إلى حد
كبير بتجاربنا وخبراتنا الخاصة، والمعلومات الحالية، والتصور الذاتي لكفاءة
الاتصال. وهذا ما يحدد قدرة الفرد على التعبير عن رسالته أو افكاره بسهولة، سواء
في اتصاله أو لقائه أو اجتماعه أو خطابه مع أقرانه أو مرؤوسيه أو مديريه دون تردد.
وتتيح غالباً المواقع
الإدارية العليا مساحات أوسع وفرص كبيرة لتنمية المهارات الاتصالية والقدرة على
التواصل بشكل اسرع وأكفأ، ولهذا فإن الأفراد الذين لديهم استعدادات أكثر إيجابية
ينتهي بهم المطاف بوظائف قيادية متطورة. وعلى الرغم من ذلك إلا أن بعض السمات الشخصية تغلب على الصفات المكتسبة
لاسيما فيما يتعلق بالأفراد الذين لديهم مخاوف عالية من التواصل، ما يعني أنهم
أكثر عرضة من غيرهم لأن يكونوا في وظائف ذات متطلبات اتصال منخفضة، متجاوزين الفرص
التي تتيحها لهم البيئة التنظيمية الاتصالية لما يحملون من مخاوف تجعلهم يخجلون من
الفرص الشخصية والمهنية بسبب الخوف أو العصبية لمتطلبات التواصل التنظيمية
المرتبطة بهذه الفرص، فيبرز لديه ما يسمى بـ "تخوف الاتصال Communication Apprehension". لكن هذا لايعني أنهم غير
قادرين على تجاوز هذه العقبة، بل هم قادرون إن ارادوا ذلك، وعليهم أن يؤمنوا
بانفسهم ليكون قادرين.
اتصال القابلية في
العلاقات العامة
وفي العلاقات العامة يتم
توظيف الاتصالات بانواعها المختلفة، سواء كانت الاتصالات الشخصية أو الجماعية،
الوجاهية أو الوسائلية، اللفظي وغير اللفظي، والكتابي والسمعي والبصري،
والاجتماعي، والحدثي، واتصال القابلية وذلك لكون البيئة التي تعمل فيها العلاقات
العامة بيئة معقدة من ناحية استراتيجية إدارة الاتصالات.
وفي جزئية مهمة من إدارة
الاتصالات في العلاقات العامة وهي أنها تسعى دائماً إلى تكييف سلوكها التنظيمي بما
يتوافق مع بيئة معقدة وديناميكية، بمعنى آخر أن العلاقات العامة أمام جمهور متعدد
الاتجاهات والأهداف والرؤى، ومحاطة بمنافسين آخرين لديهم قدراتهم وغمكاناتهم
واستراتيجياتهم في التعامل مع الجمهور، ولهذا تسعى الى التكيف مع كل هذه
الاضطرابات، فتنجح مؤسسة وتخفق أخرى، أو تضعف في أحسن الأحوال.
وبالقدر الذي تعمل
المؤسسات على معرفة استعداد الجمهور للتواصل، فهي كذلك أمام سعي حثيث من الجمهور
لمعرفة استعداد المؤسسة للاتصال والتواصل معه، فهي إذا ثقافة مطلوبة للجانبين، وسر
القوة يكمن في قدرة أحدهم على معرفة ميول الطرف الآخر الاتصالية واستعدادته
للتواصل ليتم استتثمارها في عملية الاقناع، وهي عملية اتصالية أخرى بعد عملية
اتصال القابلية.
ويتم تعزيز قدرة اتصال
القابلية لدى الافراد والمجموعات من خلال فحص الاستعدادات والتعرض لمنهج معرفي
رصين يعالج النقص الثقافي والفكري لدى المستهدف، ثم يتم وضعه في بيئة تطبيقية تنظيمية
لرفع الرصيد المعرفي والعملي معاً، وزيادة المهارة العملية والسلوكية لتحقيق عملية
اتصال القابلية.
Shockley-Zalabak, P. (2012).
Fundamentals of Organizational Communication: Knowledge, Sensitivity, Skills,
Values. Eighth Edition. Allyn & Bacon – Pearson, New York, London, Tokyo. p.147.